الهندسة والآليات > الروبوتات

آلةُ تَنَقُّلٍ ذاتيّةُ القيادة

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعتبر السيّارات ذاتيّة القيادة إحدى أهمّ التطوّرات في عصرِنا والتي ساعدت بدورِها على تخفيف نسبة الحوادث على اختلاف ِأسبابِها. ومن أجلِ تمكين مبدأ سيّارة آمنة لا يتدخّل الإنسانُ في قيادتِها في شوارعِنا وطرقِنا السَّريعة، ثمّة أسسٌ يجب أخذها بعينِ الاعتبار: قوانينُ الطُّرق وقدرةُ حواسب هذه السّيارات الرّائعة على تطبيق هذه القوانين.

كذلك يجب ألّا ننسى أنَّ ثمّةَ مكانًا آخرَ للتنقّل غير تلك الشّوارع المكتظّة بالسّيّارات، لا يسيطرُ عليه القانون، أو على الأقلّ فإنَّ قوانينَه غيرُ مُعلَنة، وليسَ لها تأثيرٌ كبيرٌ في المحاكم، وهو طريقُ المشاة، فالقيادة على شرائط أو دلائل على إسمنت شوارعِنا يُعتبر أمرًا سهلًا نسبيًّا مقارنةً بالسَّير على الرَّصيف والذي بدوره يعتمد على عدّة أسسٍ كلغة الجسد والتّوافق بين النّاس والمعايير الاجتماعيّة والثقافيّة، فَـ Google Chauffeur أو سائق جوجل على سبيل المِثال لا يستطيعُ القيامَ بمهمّاته بشكلٍ جيّد على طريقِ المُشاة.

أخذَ فريقٌ من الباحثين في جامعة ستانفورد على عاتقِه صناعةَ آلة ذاتيّة القيادة تستطيعُ السَّير على الأرصفة، فآلتهم التي يبلغُ حجمُها حجمَ روبوت R2D2 في فيلم StarWars والتي تحملُ اسمَ Jackrabbot بسبب شكلها الذي يشبهُ الأرنب، استطاعتْ بنجاحٍ توجيهَ نفسِها ضمن نظامٍ معقّدٍ على طرق المُشاة.

تعتمدُ هذه الآلةُ على عدّة منهجيّات حيثُ يقول سيلفيو سافاريس وهو بروفيسّور في علوم الحاسوب: "إنَّ طرقَ التعلّم العميق CNN التَّقليديّة غيرُ كافية أبدًا، وما يُحاول فريقي القيامَ به هو دمجُ المزيد من آليّات تعلّم الآلات التَّقليديّة مع الشَّبكات العصبونيّة".

الهدفُ من ذلك هو الحصول على روبوت قادر على الحركة كالمُشاة. وكي يقومَ بهذهِ المهمّة على أكملِ وجهٍ يجبُ عليه فهمُ ردودِ فعلِ الإنسان أكثر من الإنسانِ نفسِه، كما أنَّ رصيفَ المُشاة لا يستخدمُه المشاةُ فحسب بل أيضًا سائقو الزلّاجات والدرّاجات الهوائيّة والزلّاجات الآليّة والكراسي المتحرّكة بل وحتّى السّائرون برفقة كلابهم أيضًا بالإضافة إلى النّاس التي خرجتْ للتنزّه، يقول سافاريس: "من خلال ذلك يُمكننا مُلاحظة أنَّ عمليّة التَّفاعل أو ردّة الفعل تكون أعقد ممّا هي عند البشر، فعلى سبيلِ المثال فإنَّ المشاةَ وراكبي الدرّاجات يستخدمون الكثيرَ من التّوافق الخفيّ بينهم ويُظهرونه بشكلٍ كبيرٍ وبنسبة حوادث تكاد لا تُذكر".

ولـِفهم هذه العمليّة المعقّدة وتعليمها للرّجلِ الآليّ فقدْ قامَ الفريقُ بجمعِ معلوماتٍ ضخمةٍ عن آليّات التّفاعل والتّفاهم في أثناء المشي، يقول سافاريس: "لقدْ قُمنا بتسجيلِ ساعاتٍ كثيرةٍ من اللقطات كي تغطّيَ جميعَ الجهات التي يُمكنُ أنْ نصادفَها في أثناءِ التّحرّك في حَرَم ِالجامعة سواء أَعن مشاةٍ صَدَرتْ هذه الحركة أم عن درّاجات. وكلُّ هذه العوامل والمسارات المُمكنة هي مِن أجلِ تعلّم هذه العلاقات المعقّدة بدرجاتها الابتدائيّة فقطْ، كما تحوي هذه البيانات العناصرَ الثّابتة وغيرَ المتحرّكة التي يُمكن أن تصادفَنا في طريقنِا كالأشجار والأرصفة والنّوافير والسّلالم".

ثمّة آثار جانبيّة لهذا المشروع وهي أنّه خلال تعلّم كيفيّة إرشاد الرّجل الآليّ على أفضلِ وجهٍ إلى التنقّل بين النّاس، تعلّموا الكثير عن كيفيّة تحرّك البشر بعضهم بين بعض. ويُمكن المهندسين المدنيّين وعلماءَ الاجتماع استخدامُ هذه البيانات التي قاموا بجمعِها ليصلوا إلى فهمٍ أفضل لكيفيّة الحركة والتنقّل بين البشر. هذه التقنيّة لم تكنْ محدودةً لفهم أنماط الحركة بين البشر فقط، فقد قامَ أحدُ أعضاءِ الفريق بوضعِها تحت التّجربة لفهم حركة الدّجاج وتعقّبه في مدجنة كبيرة.

ويُمكن السيّارات ذاتيّةَ القيادة طبعًا أن تستفيدَ من تلك الآليّة أيضًا، فقوانين الطّرقات هنا ليست قوانينَ فحسب، فعندَ تقاطع الطّرق، ومع وجود إشارة وقوف يجب على السيّارة ذاتيّة القيادة أن تفهمَ حالةَ التردّد عندَ المشاة، وأن تجريَ فحصًا للسّلامة حتّى تستطيعَ الحركة، وأيضًا عندما يكونُ الاتّجاه الذي تريد السَّير فيه محاصرًا أو مغلقًا.

يُمكننا من ذلك كلِّه استنتاج التّطبيقات الواعدة لمثلِ هذه الآلات كمساعد للتسوّق أو كآلة تقوم بالدّوريّات ضمن مكانٍ ما أو ككشك معلومات متنقّل.استطاعت هذه الآلة المدعوّة Jackrabbot حتّى الآن التغلّبَ على كافّة التعرّجات داخل مكان اختبارِها، ولكن ما يزال عليها أن تمضيَ الكثيرَ من الوقت في الخارج، على مسارات حرم الجامعة، وبعد التأكّد من إيجاد الحلول لكافّة مشاكل الأمان، عندها وأخيرًا يمكننا القول إنَّ الرّوبوتات ستصبح آليّة القيادة كما كنّا نتصورّها في أفلام الخيال العلميّ.

يقول سافاريس في النهاية: "إنه وقتٌ ممتعٌ لنا جميعًا، فريقي يقوم بكلِّ ما لديه من طاقة للوصول إلى نظامٍ بيئيٍّ يتفاعل فيه البشرُ والرّوبوتات بطرقٍ مبتكرة وناجحة".

فلا تستبعدْ عزيزي القارئ أنَّه في يومٍ من الأيّام ستسيرُ على الرَّصيف بمحاذاة أحد تلك الرّوبوتات التي تقوم ببيع المثلّجات أو توزيع المنشورات.

المصادر :

هنا