الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

زواج الأقارب .. ميزةٌ اجتماعية أم أعباءٌ صحية؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنّ مصطلحَ "زواجِ الأقاربِ" يشير إلى ارتباطِ شخصين يشتركان بجَدٍّ واحدٍ على الأقل، سواءٌ كانا أولادَ عمٍّ من الدرجةِ الأولى أم الثانية أو حتّى أبعدَ من هذا. وتنتشر هذه الظاهرةُ عندَ ما يقارب خُمسَ سكانِ العالمِ (حوالي بليونِ نسمة)، يتركّزون في دولِ شرقِ المتوسّطِ و شمالِ أفريقيا وغربِ آسيا، إضافةً إلى الجالياتِ المهاجرةِ من هذه المناطقِ إلى أوروبا وأمريكا، و تبلغ نسبةُ زواجِ الأقاربِ حسبَ الإحصائيّاتِ في هذه المناطقِ حوالي 20-50% من مُجمل الزيجات.

يكون خطرُ ظهورِ الأمراضِ الوراثيةِ أكبرَ غالباً في نَسلِ الزوجينِ القريبينِ بسبب تعبيرِ الطفراتِ الجسديّةِ المتنحّيةِ الموروثةِ من الجَدِّ المشترَكِ للأبوين، و كلَّما كانَ الزوجانِ أكثرَ قرابةً زادَ احتمالُ أنْ يَرثَ أطفالُهُما نسخاً متطابقةً من المورّثاتِ المَرَضيةِ المتنحّيةِ، ومن ثَمّ ظهورُ الأمراضِ الوراثية.

إنَّ الأمراضَ الوراثيةَ ذاتَ الاضْطِرابِ المورثيِّ الوحيدِ شائعةٌ لدى عائلاتِ شرقِ المتوسّطِ، بسبب ممارسةِ زواجِ الأقاربِ الذي يحافظ ُعلى وجودِ المورّثاتِ الطافرةِ لدى أفرادِها، وبالتالي استمراريّةِ ظهورِ هذه الأمراضِ لدى الأجيالِ المتلاحقة.

تبلغ نسبةُ انتشارِ الأَمراضِ المورثيةِ و الخِلْقيَّةِ لدى المولودينَ حديثاً في الجمهرةِ العامّةِ 2-3% ، ولكنّ زواجَ أولادِ العمِّ من الدرجةِ الأولى مثلاً يرفعُ هذه النسبةَ بشكلٍ إضافيٍّ بـ 3%، حتّى بدونِ وجودِ مرضٍ وراثيٍّ معروفٍ لدى العائلةِ، لتصبحَ نسبةُ الخطرِ الكليةُ لحدوثِ الوفَيَاتِ والتشوّهاتِ الجنينيةِ حوالي 5% في حالةِ زواجِ الأقارب.

ولتحديدِ حجمِ المشكلةِ بدرجةٍ أكبرَ قامتْ جامعةُ عَين شَمس عام 2013 بإجراءِ دراسةٍ اسْتِعادِيّة (رجعيّةٍ( قارن فيها الباحثون نسبةَ وقوعِ الأمراضِ الوراثيةِ والإجهاضاتِ المتكرّرةِ والولاداتِ لأجنّةٍ ميتةٍ في حالِ زواجِ الأقاربِ بمقابل غيرِ الأقاربِ، و ذلك بمقارنةِ 8109 حالاتٍ مرضيّةٍ لأطفالٍ أو بالغين يعانون من الحالاتِ السابقةِ مع نَسلِ 10 آلافِ زوجٍ من الأزواجِ الأصحاء.

بيّنت النتائجُ أنَّ نسبةَ زواجِ الأقاربِ كانت أعلى بشكلٍ ملحوظٍ لدى المجموعةِ المدروسةِ (54.4%) مقارنةً مع (35.3%) في مجموعةِ المقارنة.

وقد درس الباحثون نسبَ اننتشارِ الاضطراباتِ الوراثيةِ ضمنَ أربعةِ مجموعاتٍ مقسمةٍ كالتالي:

المجموعةُ الأولى: المتلازماتُ الصبغيّةُ والحُذوفاتُ الصبغيّةُ المِجهَريةُ، مثلَ متلازمةِ داون ومتلازمةِ كلاينْفِيلْتَر: تحدث هذه المتلازماتُ نتيجةَ تغيّرِعددِ الصِّبغِيّاتِ زيادةً أو نقصاناً أو التّغيرِ في بُنيةِ صبغيٍّ أو أكثرَ، وحدوثُ هذه الأمراضِ غالباً لا يتأثر بزواجِ الأقارب.

المجموعةُ الثانية: اضطراباتُ المورثةِ الوحيدةِ: وتحدث نتيجةَ طفرةٍ في موَرِّثةٍ واحدةٍ على صبغيٍّ معينٍ وهي تقسمُ إلى ثلاثة أنواع:

- اضطراباتٍ مورّثيةٍ جسديةٍ متنحّيةٍ، مثل بِيلةِ الفينيل يوريا: يحتاجُ ظهورُ الصفةِ المَرَضِيّةِ عند الوليدِ إلى مورثةٍ طافرةٍ منَ الأمِّ و الأبِ معاً، وهذا النوعُ من الاضْطِراباتِ الوراثيةِ هو الأكثرُ شيوعاً في حال زواجِ الأقاربِ بنسبةٍ تصلُ إلى 78.8% ، في مقابلِ 21.2% في زواجِ غيرِ الأقارب.

- اضطراباتٍ مورثيةٍ جسديةٍ سائدةٍ، مثلَ متلازمةِ مارفان: يكفي في هذا النوعِ أن يملكَ الأبُ أو الأمُّ المورثةَ الطّافرةَ حتى يظهرَ المرضُ لدى الأبناءِ، وهذا النوعُ لا يزداد وقوعُه بزواجِ الأقاربِ، وكانت نسبةُ انتشارِه في الدراسةِ 51.5% في زواجِ الأقاربِ، مقابلَ 48.5% في زواجِ غيرِ الأقارب.

- الاضطراباتِ الوراثيةِ المرتبطةِ بالصبغيِّ الجنسيّ X، مثلَ حَثَلِ دوشن: وهي الأمراضُ التي تنتقل من الأم الحاملةِ للمورثةِ الطافرةِ، وتظهرُ لدى الأبناءِ الذكورِ فقط، ووقوعُها أيضاً لا يتأثّر بزواجِ الأقارب.

المجموعة الثالثة: الأمراضُ متعددةُ العواملِ مثلَ الصرَعِ وانشقاقِ شراعِ الحنَكِ والتخلّفِ العقليِّ ،وهي الأمراضُ التي تحتاج إلى وجودِ طفرَتَين مورّثيتين أو أكثرَ، إضافةً إلى العواملِ البيئيّةِ حتى تظهرَ لدى الذريّةِ، وحسبَ الدراسةِ فقد كان انتشارُ هذه الأمراضِ أعلى بنسبةٍ ملحوظةٍ في حالةِ زواجِ الأقارب 69.8% بالمقارنةِ مع غيرِ الأقارب 30.2%.

المجموعة الرابعة: الأمراضُ متعددةُ الآليّاتِ الإمراضيةِ، كالشللِ الدماغيِّ وبعضِ الآفاتِ الدمويةِ. كانت نسبةُ وقوعِ هذه الأمراضِ أعلى بنسبةٍ طفيفةٍ عند الأقاربِ 58%، منها عند غيرِ الأقارب 42%.

إضافةً إلى النتائجِ السابقةِ أوضحت الدراسةُ ترافُقَ زواجِ الأقاربِ مع نسبةِ إجهاضاتٍ متكرّرةٍ وموتِ أجنّةٍ تصل حتى 74.1 %، مقارنةً مع 25.9% في حالة زواجِ غيرِ الأقارب.

أما فيما يتعلّق بالأمراضِ ذاتِ البَدْءِ المتأخرِ، كارتفاعِ التوترِ الشريانيِّ والسكريِّ ونقصِ الترويةِ القلبيةِ والسرطانِ، فهي ذاتُ آليّةٍ إمراضيةٍ معقدةٍ ومتعددةِ العواملِ، قد تكونُ بعضُ المورّثاتِ المَرَضيةِ متّهمةً في إحداثِها، وفي حالِ كانت هذه المورّثاتُ تنتقل بشكلٍ متنحٍّ فإنّ زواجَ الأقاربِ في هذه الحالةِ سيكونُ عاملَ خطورةٍ لظهورِ هذه الأمراضِ عند الذرّيةِ، ولكن حتى الآن فإنّ الأبحاثَ التي تحدد علاقةَ زواجِ الأقاربِ بحدوث هذه الأمراضِ محدودة. إلّا أّنّ العائلاتِ التي تحدث فيها هذه الأمراضُ بتواترٍ عالٍ مع حالاتٍ متكرّرةٍ من زيجاتِ الأقاربِ، تقترحُ وجودَ مورّثاتٍ مَرضيّةٍ متوارَثةٍ ضمنَ العائلةِ الواحدة.

في الختام، فإن النسبَ السابقةَ توضّح حجمَ العِبْء ِالاقتصاديِّ و الصحيِّ الذي تتحمله الدولةُ والمجتمعُ بسببِ الآفاتِ الوراثيةِ الناجمةِ عن زواج الأقاربِ، ورُغم الوعيِ المتزايدِ لخطورةِ هذه المشكلةِ إلا أنَّ المزيدَ من الجهودِ يجب أن تُبذلَ للحدِّ من انتشارِ هذه الظاهرةِ ونشرِثقافةِ الاستشاراتِ الوراثيةِ قبلَ الزواجِ، لمعرفةِ قابليةِ إنجابِ أطفالٍ حاملين لأمراضٍ وراثيةٍ، في حال كان العروسان من ذوي القُربى.

الخلاصة: تُعتبرُ الدولُ العربيّةُ واحدةً من أكثرِ بِقاعِ الأرضِ التي تنتشر فيها ظاهرةُ زواجِ الأقاربِ، وقد بيّنتِ الدراساتُ علاقةَ زواجِ الأقاربِ بارتفاعِ نسبِ ظهورِ الأمراضِ الوراثيةِ ذاتِ الوراثةِ المتنحّيةِ والاضطراباتِ متعددةِ العواملِ لدى ذرّية الزوجين القريبين، إضافةً إلى زيادةِ وقوعِ الإجهاضاتِ المتكرّرةِ وموتِ الأجنّةِ، وهو ما يُحمّلُ المجتمعَ الكثيرَ من الأعباءِ الصحيةِ، و يبيّن ضرورةَ الحدِّ من هذه الظاهرةِ وإجراءِ الاستشاراتِ الوراثيةِ عند المُقبلين على الزواجِ من ذوي القربى.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا