المعلوماتية > الذكاء الصنعي

مشكلة اللغة و الذكاء الصنعي - الجزء الأول

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنَّ فائدة الآلاتِ القادرةِ على فهم اللّغة مهمّةٌ جدّاً، لكنَّنا لا نعلم كيف نبني هذه الآلات!

في شهر آذار من عام 2016، استطاعَ برنامجُ الذَّكاءِ الصُّنعيِّ AlphaGo والمُصنَّع من قِبَلِ شركةِ غوغل أن يتفوَّق على اللّاعبِ الأفضلِ في العالم لي سيدول Lee Sedol في لعبة Go الّتي أقيمت في العاصمة سيول، حيث قام برنامج AlphaGo بخطوةٍ غيرِ متوقَّعَةٍ أدّت في النّهايةِ إلى الفوز.

بَدَتْ حركة AlphaGo في الخطوة 37 غيرَ محسوبةٍ وخطأٌ يقوم به الهواةُ فقط، وتساءل اِثنان من معلقي التّلفاز إذا كانوا قد أخطأوا في قراءة هذه الخطوة أو إذا كان الجهاز قد تعطّل بطريقةٍ أو بأخرى. في الواقع، على عكسِ الخطوات التّقليديّةِ، مكّنت الخطوة 37 AlphaGo من بناءِ أساسٍ قويٍّ في وسطِ اللّوحةِ استطاع من خلاله برنامجُ غوغل الفوزَ على نحوٍ فعَّالٍ في اللُّعبة باستخدامِ هذه الخطوةِ الّتي لا يستطيع أيُّ إنسانٍ التّفكيرَ بها واستخدامها للفوز.

(يمكنكم إيجاد رابط المباراة هنا)

فوز AlphaGo مثيرٌ للإعجاب بشكلٍ خاصٍّ لأنَّ اللُّعبة القديمة تبدو في كثيرٍ من الأحيانِ كاختبارِ الذّكاء البديهيِّ باستخدامِ قواعدَ بسيطةً للغايةٍ، حيث يقوم اثنان من اللّاعبين بالتّناوبِ بوضعِ الحجارةِ السّوداء أو البيضاء عند تقاطع خطوطٍ أفقيّةٍ وعموديّةٍ على لوحة، في محاولةٍ لتطويقِ قطع الخصمِ وإخراجِها من اللّعب.

في حينِ أنَّ لاعبي الشِّطرنج قادرونَ على حسابِ بعضِ التّحركاتِ المقبلة، في لعبة AlphaGo ليس ذلك ممكناً دون أن تصبح اللّعبةُ معقدةً بشكلٍ يستعصي على الحلِّ، وليست هناك أيّةُ مناوراتٍ كلاسيكيّةٍ ويمكن أن يكون من الصّعبِ حتّى على لاعبٍ خبيرٍ أن يشرحَ بالضّبط لماذا قام باتّخاذِ خطوةٍ معيّنةٍ، وهذا يجعلُ من المستحيلِ كتابةَ مجموعةٍ بسيطةٍ من القواعِدِ ليتمكَّنَ برنامجُ كمبيوترمن اِتّباعِها.

لم يقمْ أحدٌ بتعليم AlphaGo كيفيّة اللّعب، بدلاً من ذلك، قام البرنامج بتحليل مئاتِ آلافِ الألعابِ ولعبَ ملايين المرّاتِ ضدَ نفسه.

و من بين العديد من تقنيّاتِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ، يستخدمُ البرنامج التّعلُّمَ العميقَ (هنا) الّذي يحتوي على حساباتٍ رياضيّةٍ مستوحاةٍ من طريقةِ عمل العصبوناتِ في الدّماغِ عند تعلُّمِ بياناتٍ جديدةٍ.

قام البرنامج بتعليم نفسه من خلال ساعاتٍ من التّدريبِ وشحذِ الشُّعورِ الحدسيِّ لاستراتيجيّةِ اللّعبِ، ومن ثمَّ استطاعَ التّغلبَ على أحدِ أفضلِ اللّاعبينَ في العالم، و يمثِّلُ هذا الحدثُ معلَمَاً حقيقيّاً في مجالِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ.

ويُشير نجاحُ AlphaGo المفاجئ إلى مدى التّقدمِ الّذي تمَّ إحرازُه في مجالِ الذّكاءِ الصّناعيّ على مدى السّنواتِ القليلةِ الماضيةِ، بعدَ عقودٍ من الإحباطِ والنّكساتِ، والّتي كثيراً ما توصف ب، "شتاءِ الذّكاءِ الصّناعيّ". التَّعلُّم العميق يعني أنّ الآلاتِ تستطيع تعليم نفسها كيفيّةَ تنفيذِ مهامٍ مُعقّدَةٍ كانَ يُعتَقَد قبلَ سنواتٍ أنّها تتطلّبُ حصراً ذكاءً بشريّاً. وتُعتَبَرُ السّيّاراتُ ذاتيّةُ القيادةِ من الإمكانيّاتِ الّتي ستصبح مُتاحةً قريباً، وفي المستقبل القريب، ستساعد الأنظمةُ القائمةُ على التّعلُّمِ العميقِ في تشخيصِ الأمراض وتوصيف العلاج.

وعلى الرّغم من هذا التّطورِ المُثير للإعجاب، إلّا أنّ خاصيّةً هامّةً جدّاً تبقى بعيدةَ المنالِ ألّا وهي اللّغة.

تستطيع أنظمةٌ مثلَ Siri وَ Watson تَتبُّعَ كلماتٍ بسيطةٍ إن كانت محكيّةً أو مكتوبةً والإجابةَ عن أسئلةٍ بسيطةٍ، لكنّها لاتستطيعُ إجراءَ محادثةٍ وليسَ لديها فهماً حقيقيّاً للكلماتِ المُستخدَمةِ. ويجب أن تتغيّر هذه النّاحية حتّى نصلَ إلى تحوّلٍ حقيقيٍّ في مجالِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ.

على الرّغمِ من أنّ برنامج AlphaGo لايستطيع الكلام، إلّا أنّه يحتوي على التّكنولوجيا الّتي قد تساعد على فهم اللّغة. في شركاتِ مثل جوجل والفيسبوك وأمازون، وكذلك في مختبراتِ الذّكاءِ الصِّناعيِّ الأكاديميّة يحاول الباحثون حلَّ المشكلةِ الّتي تبدو مستعصيةً على الحلِّ، وذلك باستخدام بعض الأدوات - بما في ذلك التَّعلُّم العميق- المسؤولة عن نجاح AlphaGo ، وهذا النّجاح قد يتحوّل إلى ثورةٍ في الذّكاءِ الصِّناعيِّ. وسوف يساعد على تحديدِ ما إذا كان لدينا آلاتٍ نتمكَّن من التّواصل بسهولةٍ مع الأجهزةِ الّتي ستصبح جزءاً أساسيّاً من حياتنا اليوميّةِ أو إذا ما كانت أنظمةُ الذّكاءِ الصِّناعيِّ ستظلُّ صناديقَ سوداءَ غامضة.

ويقول جوش تننباوم - أستاذ العلوم الإدراكيّة والحساب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- "لا يمكن أن تكون أنظمة الذّكاءِ الصُّنعيِّ شبيهةً بالبشرِ إن كانت لا تملك اللّغةَ كجزءٍ أساسيٍّ منها". "إنّ اللّغةَ واحدةٌ من الأشياءِ الأكثرِ وضوحاً و الّتي تُميّزُ الذّكاءَ البشريَّ".

يقول تيري فينوغراد، وهو أستاذٌ فخريٌّ في جامعة ستانفورد، "منذ البداية، أحد الأسئلة الملحّة هي: ماذا لو كنت تملك أشياءَ ذكيةً من ناحيةِ الفعاليّةِ، ولكنها ليست مثلنا من ناحيةِ الشّعورِ بالتّعاطف؟" و يتابع "يمكنك تخيُّلُ آلاتٍ تحكُمُ العالمَ لكنَّها ليست قائمةً على الذّكاءِ البشريِّ بل قائمةً على البياناتِ الكبيرةِ".

يروي كاتبُ المقال ويل نايت ويقول: "بعد شهرين من انتصار AlphaGo سافرت إلى وادي السّيليكون حيث أردت زيارة الباحثين الّذين يحرزون تقدماً ملحوظاً على التّطبيقات العمليّة للذّكاء الصُّنعيِّ والّذين يحاولون إعطاءَ الآلات فهماً أكبرَ للّغة.

لقد بدأت مع وينوغراد Winograd، الّذي يعيش في ضاحيةٍ تقعُ في الطّرفِ الجنوبيِّ من الحرمِ الجامعيِّ لستانفورد في بالو ألتو، ليس بعيداً عن مقرِّ جوجل، فيسبوك، وأبل.

في عام 1968 بدأ وينوغراد Winograd ببذلِ الجهودِ الأوليّةِ لتعليم الآلةِ التّحدُّثَ بذكاءٍ. وقرّرَ هذا الرّجلُ العبقريُّ في الرّياضياتِ المفتونُ باللّغاتِ الذّهابَ إلى مختبرِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ الجديد في MIT لتحصيل الدّكتوراه، وقرَّرَ تصميمَ برنامجٍ قادرٍ على التَّحدُّثِ مع النّاسِ من خلالِ النّصوصِ المكتوبةِ باستخدامِ اللّغةِ المحكيّةِ. وفي ذلكَ الوقت لم يبدُ هذا المشروعُ طموحاً غريباً حيث حصلت العديدُ من الخطواتِ المهمّةِ في مجال الذّكاءِ الصُّنعيِّ وكان آخرونَ في MIT يقومون ببناءِ برامجَ معقدةٍ في مجال رؤيةِ الحواسيب وأذرعِ الرّوبوتاتِ المستقبليّةِ. ويقولُ وينوغراد Winograd " كان هناك إحساسٌ بوجودِ إمكانيّاتٍ غيرِ محدودةٍ".

----------------------------------------------------------------------------

المصدر:

هنا