الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيّات الرصد الفلكي_ الجزء الثالث: السماء

استمع على ساوندكلاود 🎧

قدمنا إليكم في المقال السّابق مُصطلحاً جديداً أسميناه "التّلوّث الضّوئي" فماذا يعني التّلوّث الضّوئي حقاً؟ ومِمَّ ينتج؟ وما أثره على قدرتنا على رؤيّة الأشياء في السّماء ليلاً؟

نُشير عادةً بالتّلوّث الضّوئيّ إلى النّتائج غير المرغوب بها النّاتجة عن استعمال الأضواء الصّناعيّة. العامل الأوّل والرّئيسي للتلوّث الضّوئي هي الإضاءة الخارجيّة، كمصابيح الشّوارع التّي تُبقي شوارعنا مُضاءةً طوال اللّيل. السّبب في حدوث تلك الظّاهرة هو وهج مصابيح الإنارة. فالضّوء السّاطع من مصباح إنارة الشّوارع له وهجٌ على شكلِ رُقعةٍ حول المصباح. والآن تخيّل عزيزي القارئ عدداً كبيراً من المصابيح موضوعةٌ بجانب بعضها البعض مشكلةً رقعًة كبيرةً جداً. ينتج التّلوّث الضّوئي عن الاستعمال المُكثف والخاطئ للأضواء، ويترتب عن ذلك الكثير من العواقب الوخيمة كهدر الطّاقة وتأثّر الحياة البريّة (خصوصاً للحيوانات اللّيلية) وإضرابات النّوم عند البشر. الأثر السّلبي الذي يهمُّنا في هذه السّلسلة هو تلك الرّقعةَ من الوهج التي تَحدُّ من قدرتنا على الرّؤية ليلاً. ما نعنيه هنا بالطّبع هو رؤيّة النّجوم والأجرام السّماويّة، الأمر سيءٌ لدرجةِ أنه يُقدر اليوم أنَّ نحو ثلاثةٌ من أربعةِ أشخاصٍ لم يروا مجرّة درب التّبانة!

إليكم مثالاً: الصّورة التّاليّة تُظهر السّماء في منطقة واحدة.

(صورة ١)

الصّورة على اليسار التّقطت قبل كارثة الكهرباء في العام 2003 في شمال شرقي أمريكا وجنوب شرق كندا. الصّورة على اليمين هي السّماء نفسها بعد تلك الكارثة. يُذكر أن الكارثة سببت انقطاع الكهرباء عن أكثر من 50 مليون شخص في أمريكا لمدّة يومين على الأقل. الفرق كبير أليس كذلك؟!

تحت تلك الرّقعة من التّلوّث الضّوئي نعيش نحن البشر حياتنا اليوميّة، الأرض تدور واللّيل والنّهار يتعاقبان. لعل تعاقب الليل والنّهار هو الأثر الأكثر وضوحاً لدوران الأرض. كذلك الأمر في حالة الشّروق والغُروب، الشّمس تشرق من الشّرق وتتحرك عبر السّماء بجهة الغرب لتغرُب في الغرب، ذلك أيضاً أثرٌ واضحٌ لدوران الأرض حول نفسها. ولكن في المساء لا نلمس ذلك الأثر بشكلٍ مُباشر، إذ أنّ السّماء خالية من أجسامٍ كبيرةٍ كالشّمس لنُلاحظ حركتها. في هذه الحالة يخيب كلُّ من يظنُّ أنّ النّجوم ثابتة. في الواقع نحن نعتبر النّجوم ثابتةً بالنّسبة إلى بعضها البعض، لأن النّجوم بعيدةٌ جداً عنا لدرجة أنّ تغيُّر موقعها بالنّسبة للأرض في الوقت نفسه من كل ليلةٍ ضئيلٌ جداً. ضئيلٌ لدرجة أنّنا لا نُلاحظه بالعين المُجرّدة. لكي نلمس أثر حركة النّجوم علينا الانتظار أشهر عدّة لنلاحظ أن نجماً ما ليس بموقعه المُعتاد. ما يهمنا فعلياً هو أثر دوران الأرض على أثر النّجوم، فأنت عزيزي القارئ بِصفتك مُراقباً للسّماء عليك أن تعلم أنّ الأجرام السّماويّة (أي النّجوم والكواكب وغيرها) تتحرّك تماماً كالشّمس، فهي تُشرِق من الشّرق وتَغرُب في الغرب. الاختلاف في هذه الحالة هو أن الشّرق والغرب هنا مُتغير. فما نعنيه فعلياً أن الأجرام السّماويّة تشرق من الشّرق وتغرب من الغرب هو أن الأجرام السّماويّة تتحرك عبر السّماء من نقطةٍ إلى أخرى، بعض النّجوم بسبب موقعها في السّماء تبقى في مكانها نسبيّاً.

فكيف يُمكننا معرفة كيف تتحرك الأجرام السّماويّة؟ الجّواب يمكن في فهم كيفيّة دوران الأرض حول نفسها.

الأرض تدورُ حول محورٍ وهميٍّ يمرُّ من قُطبها الجنوبي إلى قطبها الشّماليّ، ذلك المحور ندعوه بمحور الدّوران، عندما ننظر إلى السّماء في اللّيل سُنلاحظ أن الأجرام السّماويّة تدور عكس جهة دوران الأرض حول ذلك المِحور. هذا الأمر منطقيّ. في الواقع الأجرام السّماويّة تدور بالنّسبة لنا حول نقطةٍ مميزةٍ في السّماء، تلك النّقطة تُدعى بالقطب السّماويّ Celestial Pole، تلك النّقطة لها أهميّة كبيرةٌ جداً في علم الفلك، ولكن في مقالنّا هذا لن ندخل في تفاصيلها. فإذا كنا نعيش في نصف الكرة الشّماليّ، نجد أن النّجوم تدور حول القطب السّماويّ الشّماليّ North Celestial Pole، وإذا كنا نعيش في نصف الكرة الجنوبي، نجد أن النّجوم تدور حول القطب السّماويّ الجنوبيّ South Celestial Pole.

كهواةٌ في الفلك وكمحبيّ لاستطلاع واستكشاف السّماء يهمُّنا تحديد محور الدّوران، هذا الأمر سهلٌ جداً كلُّ ما علينا فعله هو اتّباع ما يلي:

نُغلق يدنا اليُمنى لتأخُذ شكل القبضة بحيث يُشير الإبهام نحو الأعلى. نُشير بقبضتنا باتّجاه القارّة الأمريكيّة (إذا كنت تعيش بأمريكا فعليك بالإشارة بكوع يدك باتجاه أوروبا)، نُميّل يدنا بحيث نُشير بأسفل القبضة إلى جهة المُحيط الأطلنطي، بهذه الطّريقة يُشير إبهامنا إلى جهة الشّمال، الجّهة التّي لفينا الأصابع بها تُشير إلى جهة دوران الأرض حول نفسها. كما تُظهر الصّورة أدناه:

(صورة ٢)

إذا كنت مُتقدما وتعيش في نصف الكُرة الشّماليّ فعليك بالإشارة بإبهام يدك اليمنى جهة نجم الشّمال Polaris، ومن ثم لف أصابع يدك اليُمنى لتُشكل قبضةً، جهة لفّ الأصابع تُشير إلى جهة دوران الأرض حول نفسها. في الواقع، إنّ القطب السّماويّ الشّماليّ يقع بالقُرب من نجم الشّمال، لهذا يُستخدم هذا النّجم للإشارة إلى جهة الشّمال.

"ليس كلّ ما يلمع ذهباً" المقولة السّابقة مألوفةٌ لنا جميعاً، كيف لا ونحن نسمعها في صغرنا وفي المدارس وفي حياتنا العمليّة. في علم الفلك لدينا مقولةٌ مُشابهة، إذ يقول الفلكيون: ليس كل ما يلمع في السّماء نجماً. فما هي تلك الأجسام المُنيرة في السّماء؟ سنورد إليكم أهم كنوز السّماء:

النّجوم Stars: توجد النّجوم إما وحيدةً أو في أنظمة ثنائيّة أو في أنظمة ثلاثيّة. مُعظم الأجسام المُضيئة في السّماء هي نجوم، وعلى الرّغم من أنّها تبدو لنا وحيدة، إلا أن أكثر من 80% من النّجوم في السّماء هي نجوم ثنائيّة، أي أنّها تتكوّن من نجمان يدوران حول بعضهما البعض. أشهر تلك الأنظمة هي: منقار الدّجاجة Albireo، نجم الشّمال Polaris ورجل القنطور ويُسمى أحياناً ألفا القنطور Alpha Centaur.

النّجوم المُتغيرة Variable Stars: هي نجومٌ يتغيّر لمعانها باستمرار، فتارةً تكون لامعةً جداً وتارةً خافتةٌ جداً. بعض النّجوم تُغير من لمعانها بدرجاتٍ كبيرةٍ وبعضها بدرجاتٍ صغيرةٍ. يُقدر عدد النّجوم المُتغيرة اليوم بأكثر من ثلاثين ألف نجماً مُتغيراً والقائمة تَكبُر. نذكر منها RX Boo وEG وR sct.

العناقيد النّجميّة Star Cluster: تُسمى أحياناً التّجمعات النّجميّة أو العناقيد المفتوحة. هي ببساطة عددٌ كبيرٌ من النّجوم المُتجمعة في مكانٍ واحد أشهرها وأكثرها جمالاً عنقود الثّريا ويُسمى أحياناً بالأخوات السّبع Pleiades. يُمكن للعناقيد أيضاً أن تتواجد بشكلٍ مزدوج (عنقودان بجانب بعضهما البعض) من أجمل تلك العناقيد المزدوجة العنقودان NGC 869 وNGC 884.

العناقيد النّجميّة المُغلقة Globular Cluster: هي كالعناقيد النّجميّة المفتوحة إلا أنها تحتوي على عددٍ أكبر من النّجوم، قد يصل عدد النّجوم إلى عشرات الملايين، وتلك النّجوم تكون متراصّة وقريبةً جداً من بعضها البعض لتشكل نظاماً مُغلقاً. نذكر من تلك العناقيد: عنقود هيرقل Hercules Cluster أو M13.

السّدُم النّجميّة Star Nebulae: إحدى أجمل الأجرام السّماويّة. يُمكن تعريف السّدم النّجميّة على أنها سحاباتٌ من الغاز الكونيّ، ذلك الغاز يُعتبر المادة الأوليّة لتكوين النّجوم. تلك السّحابات عملاقةً جداً لدرجة أنّها تمتد بضع درجاتٍ عبر السّماء. المُشكلة في تلك السّدم أنها خافتة، لذا تطلّبُ أدواتٍ وخبرةٍ جيدة في الرّصد. أهمّ تلك السّدم وأكثرها جمالاً هو سديم الجبار، أو سديم أوريون Orion Nebula.

المجرّات Galaxies: تُعتبر المجرّات موطن النّجوم، فإذا اعتبرنا أن النّجوم أشخاصٌ عاديون، تكون المجرّة المدينة التّي يسكن بها أولئك الأشخاص. أشهر المجرّات هي مجرة المرأة المُسلسلة Andromedaوهي أقرب مجرّة إلينا.

الكواكب Planets: توجد نظريّاتٌ كثيرةٌ تُفسّر نشأة الكواكب ونشأة النّظام الشّمسيّ. ببساطة يُمكن تعريف الكواكب على أنّها كتلٌ هائلة الحجم تدور حول نجمٍ في نظامٍ نجميٍ ما. تختلف الكواكب حسب المادّة المكوّنة منها، فبعضها صخريّ كالأرض والمرّيخ. وبعضها غازي كالمُشتري.

السّماء مليئةٌ بالأجرام السّماويّة المُتنوعة، ما ذكرناه هو جزءٌ بسيط من تلك القائمة الكبيرة. السّبب في عدم ذكر ما تبقى هو أن الأجسام الأخرى خافتةٌ جداً لدرجة أنّها تتطلّب مُعداتٍ كبيرةٍ ليس بإمكان الشّخص العادي الحصول عليها ليتمكن من رؤيّة تلك الأجسام.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا