منوعات علمية > العلم الزائف

التحريك عن بعد قوة خارقة أم محضّ خداع!

استمع على ساوندكلاود 🎧

التحريكُ عن بعدٍ، أو التحريكُ بواسطة قوة العقل وحده، هي إحدى أقدم الخُدع التي يقوم بها بعض السَّحرة وألعاب الخِفّة، وتندرجُ تحت عنوان القوى النّفسية، والتي تضمّ أيضاً القدرةَ على التّنبؤِ بالمستقبلِ والقدرة على إشعال النار بالقوّة العقلية وغيرها. يؤمنُ الكثيرُ من البشرِ حولَ العالم بإنّ القوى النّفسية والتّحريك بقوة العقلِ أمورٌ حقيقيةٌ تحدثُ فعلاُ وليسَ هنالك أيّة خدعة ورائها، ففي دراسة أُجريت في الولايات المتحدة تبيّن أنّ حوالي 15 بالمئة من الأمريكيين يؤمنون بإحدى القوى النّفسية سالفة الذّكر، هذه الدّراسة تمّت تحت إشراف (Baylor Religion Survey) في عام 2005.

ما زال بعض المخادعين يوهمون المشاهدين بقدرتهم على تحريكِ الأشياء باستخدام قِواهم العقليّة فقط، رغم عدم وجد أيّ دليل علمي واحد يثبت صحة القدرة على التحريك بقوة العقل، مع أنّ التجاربَ التي حاولت إيجادَ هذا الدليل كثيرةٌ عبر التاريخ–سنذكر بعضًا منها في الفقرة القادمة-إلّا إن هذه التجارب كانت إما تصل إلى طريق مسدود، أو أنها لا تتبع المنهجية العلمية الصارمة أساساً.

تاريخ التحريك بواسطة العقل، تجارب علمية أم خداع؟

القوى الخارقة أمرٌ يستهوي النّاسَ ويفتنهُم، ويحاولون بشتّى الطّرق الحصول على إحدى هذه القوى سواءً أكان الأمر صحيحاً، أم مجرّدَ خدعةً، والتحريك باستعمال العقل يُعتبر إحدى هذه الطرق التي فتنت البشر لقرونٍ عدة؛ ففي القرن التاسع عشر اعتُبرَ التحريكُ باستعمال العقل أمراً مثبتاً ولا مجالَ للشكّ فيه، فأثناء عملياتِ تحضير الأرواح، كانت الأشياء فجأة وبصورةٍ غامضةٍ تتحرّكُ، وتطير من تلقاء نفسها في الغرفة.

آمنَ العديدُ من البشرِ وقتها أنّ الأشياء تتحرّك بواسطة الأرواح التي تمّ تحضيرها، أو بواسطة القوى النفسية لمحضّرِ الأرواح، والمفارقة أنّ السير آرثر كونان دويل، مؤلف شخصية المحقق شيرلوك هولمز كان أحد أولئك المُصدّقين، وتبيّن فيما بعد أنّ الأمرَ مجرّد خدعة وكلّ ذلك كان يتمُّ باستخدامِ الأسلاكِ المخفيّة، مع شركاءٍ يرتدونَ ملابسَ سوداءَ للتّمويه، وقد كشف السّاحرُ الشّهير هاري هوديني العديدَ من الطّرقِ التي تتمّ من خلالها خدعةَ تحريكِ الأشياء وحتّى أنه كتبَ كتاباً حول هذا الموضوع بعنوان

"Miracle Mongers and Their Methods".

بعد ذلك تراجع العديدُ من النّاس عن الاعتقاد بحقيقة التّحريك بواسطة العقل، وكاد أن تختفي نهائياً حتّى جاء باحثٌ في جامعة ديك في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين يُدعى جوزيف بي راين (J.B. Rhine) ليعيد إحياءَ هذا الاعتقاد مرةً وليحاول إثباته بشكل علمي.

آمن راين أنّ الناس يمكن أن تؤثّر على نتائج الأحداث العشوائية باستخدام عقولهم، ولإثبات ذلك قام راين بالعديد من التجارب والاختبارات (يمكن الاطلاع على التجارب والنتائج كاملة في كتاب الطفرات العلمية الزائفة لمؤلفيه تشارلز إم وين وآرثر دبليو ويكنز) وكانت النتائج التي حصل عليها إيجابية، وأثبت من خلالها -مع أن الأثر كان صغيراً جداً – أنه يُمكن للبشر أن يؤثروا باستخدام قوة عقولهم على الأحداث.

حاول العديد من الباحثين الآخرين تكرار تجارب راين إلا أن أحدهم لم يستطع تكرار نفس النتائج، ليتبيّن لاحقاً أن التجربةَ لم تكنْ مضبوطةً بالشكل الكافي، وقد استطاع عدد من المشاركين التلاعب بالنتائج وتغييرها، لتفشل التجربة الوحيدة التي أثبتت إمكانيةَ التّحريك بواسطة العقل فشلاً ذريعاً.

المحطةُ التاريخية التالية تتوقفّ بنا عند يوري جيلر، هذا الرجل الذي اشتهرَ في سبعينيات القرن العشرين بقواه النّفسية الخارقة، وقدرته على ثني القطع المعدنية كالملاعق والمفاتيح، وكلّ ذلك بقليلٍ من التّركيزِ وباستعمال عقله، إلا أنّ جيلر كان يعتمدُ على خُدعةٍ بسيطةٍ للغاية وهي التّحضيرُ الجّيد وثني الملاعقَ باستعمالِ القوة العضلية، ومن ثمّ إيهام المُشاهدين بأنه يفعلُ ذلك باستعمال قوّة العقل، وللاطلاع على مشاهد ثني الملاعق ومن ثمّ الطريقة الفِعلية لثنيها كما يكشفها جيمس راندي، يُمكنكم مشاهدة الفيديو التالي:

هنا

في الفيديو السّابقِ نلاحظُ طريقةَ جيلر للتهرّبِ من القيامِ بخدعتهِ على ملاعقَ وقطعٍ معدنيةٍ لم يقمْ بإحضارها متحجّجاً بأنّه غير قادرٍ على التركيز أو أنه يشعر بضغطٍ كبيرٍ في هذهِ اللحظةِ، وما فعله جيلر ليس إلا خدعةً كلاسيكيةً لأيّ شخصٍ يدّعي امتلاكهُ لقوى نفسية خارقة فتراهُ يهربُ في الأوقاتِ الحرجةِ، بكلّ بساطةٍ يقولُ إنّني لا أتمتّعُ بالقوّةِ اليوم أو أنّني أشعرُ بالضّغطِ الشّديدِّ بحيثُ لا يمكنني التّركيز والتأمّل بالشّكل الجيّد.

في عام 1976، ادعى العديدُ من الأطفالِ أنّ لهمُ القدرةَ على ثنيِ الملاعق بواسطة قوّة العقلِ وحدها، وبالفعل تمّ اختبار قدرة هؤلاء الأطفال عن طريق عدّةَ تجاربٍ تمّت في جامعةِ باث في إنجلترا.

في البداية بدا أن النّتائج ستكونُ جيدةً، واعتقد الباحثون القائمون على هذه التجارب أنهم أخيراً وجدوا أدلةً علميةً حقيقيةً للقوى النّفسيّة والتّحريك عن بُعد، إلّا أن هذا لم يحدث أيضاً، إذ تبيّنَ مرّةً أخرى أنّ الأطفال قد عمدوا إلى الغشِّ في بعضِ الأحيان عندما لم يكنْ يراقبهم أحداً، وإلى اليوم لم يستطعْ أحدٌ إثباتَ أيّ شيءٍ حولَ صحّةِ القوى النّفسيّة، وإمكانيةَ التّحريكِ عن بعدٍ، وما زال التّحدي مستمرّاً.

ألعابُ الخفّة والخُدَعِ السّحريةِ مسليّةٌ للغاية، وممتعةٌ جداً، ولكن عند رؤيتها لا تعتقدَ أنّ ما يحدثُ هو قوةٌ خفيةٌ أو قدرةٌ خارقةٌ، الأمرُ بسيطٌ جدًا؛ فالكثيرُ من التّمرين، والتّحضيرِ الجيّد والكثيرُ من تشتيتِ الانتباه، ومن ثمّ ستتطايرُ الأشياء وستنثني الملاعقُ أمامك.

المراجع:

سهنا -1

2- كتاب الطفرات العلمية الزائفة، تشارلز إم وين و آرثر دبليو ويكنز، ترجمة محمد فتحي خضر، كلمات عربية، الطبعة الأولى 2011.