الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيات الرصد الفلكي_ الجزأ الثاني: القَدْر

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُعرف القَدْر على أنّه القيمة التي تُحدد مدى سطوعِ جُرمٍ سماويٍّ.

هناك اعتقادٌ شائع أنّه كلّما عظُمت قيمة القَدْر كان الجّرم السّماويُّ أكثر سطوعًا. في الواقع هذا الاعتقاد خاطئٌ كليّاً، فالقَدْر يعمل بشكلٍ معاكسٍ تماماً.إذ أنهُ وفقًا لنِظامِ القَدْر الّذي وضعهُ الفلكيّ الإغريقي هيبارخوس، تُشيرُ القيمة 1 للأجرام السّماويّة الأكثر سطوعاً، أمّا القيمة 6 فتشير للأجرام السّماويّة الأكثر خفوتًا.أما اليوم فقد وُسّعَ نظام هيبارخوس ليشمل قيماً تتراوح بين -30 و30.

الفرق في القَدْر يعني الفرق في السّطوع، فعلى سبيل المثال، تبلغُ قيمةُ قدرِ نجم النّسر الواقع (Vega) الصفر، أما نجم الشّمال (Polaris) فيبلغ قَدرهُ قيمة 2. صحيحٌ أن الفرق في القَدْر هنا هو 2 لكن هذا لا يعني أن نجم النّسر الواقع ألمع بمرّتين، إذ أنّ كلّ درجةٍ في القَدْر تعني أن النّجم ألمع بـ 2.512 مرّة!

مما يعني أن نجم النّسر الواقع ألمع من نجم الشّمال ب 5 مرّاتٍ تقريباً. وبالتالي فإن نجم النّسر الواقع ألمع من النّجم φ Gem (قَدْرُه 5) بـ 100 مرّة.

وضع هيبارخوس نظامه اعتماداً على مُشاهداته بالعين المُجرّدة، هذا يعني وفقاً لنظام هيبارخوس والنّظام الحديث اليوم أنّ العين المُجرّدة تستطيع رؤيّة أجرامٍ سماويّة يبلغُ قَدْرُها زهاء القيمة 6. لكن في الواقع فإن هذا الرّقم نظريٌّ، إذ أنّ قُدْرَةَ العينِ على رؤيّة الأجسام تختلفُ بطبيعة الحال حسب شروط الرّؤيّة. فإذا كُنا نُراقب السماء في منطقةٍ ملوّثةٍ ضوئياً كالمدن مثلاً، فإن قيمة هذا الرّقم تُصبح أقلّ بكثير. وبالطبع ينبغي علينا أن نأخُذ بعين الاعتبار تأقلم العين مع الظّلمة، فالعين البشريّة تحتاج حتى ساعة تقريباً في الظُّلمة التّامة لتستطيع العمل بكفاءتها القُصوى. فإذا اعتبرنا أنّ المِنطقة خاليّة من التّلوث الضوئيّ وأن العين مُتأقلمةٌ مع الظلمة، تُصبح القيمة النّظريّة (حتى القَدْر 6) صحيحة.

وُفق النّظام الجّديد، فإن الشّمس _ ألمع الأجسام في السّماء_ يبلغُ قَدْرٌها القيمة (27-)، أمّا القمر عندما يكون بدرًا فتصلٌ قيمة قدره إلى (-13)، أما عندما يكون هلالاً يُصبح قَدْره ( 9-). في حين يبلغُ قدر ألمع الكواكب، كوكب الزُهرة Venus، القيمة ( 4،4-). أما ألمع النّجوم في السّماء، وهو الشّعرى اليمانيّة Sirius، فيصِلُ قَدْره حتى (1،5-). أما نجم سهيل Canopus، فيبلغ قَدْره (0،65-).

أمّا الأجرام الأخفت فهي عديدة، أهمها ملكة الشّتاء (سديم الجّبار أو سديم أوريون Orion Nebula) يملك هذا السّديم قَدْر مقداره 4، أي أنّه أخفَتُ بكثيرٍ من الأجرام السّابق ذكرها. أما عنقود الثّريا (الأخوات السّبع Pleiades) فيتربع في السّماء بقَدْر قيمته 1،2. جارتنا المجريّة (مجرة المرأة المسلسلة Andromeda Galaxy) يصل قَدْرها حتى 3،44.

تستطيع الأجهزة البصريّة الأكبر حجماً كالمناظير والمقاريب رؤيّة نجومٍ وأجرامٍ سماويّة أخفت بكثير مما تستطيع العين رؤيته. يعتمد الأمر بالطبع على اتساع فُتحة الجّهاز البصري. فعلى سبيل المثال، مقرابٌ بفتحةٍ قُطرُها 203 مم، يستطيع رؤيّة أجرامٍ قَدْرها حتى 13. أما أجهزة التصوير المُلحقة بالأجهزة البصريّة تستطيع رؤيّة الأجسام حتى القَدْر 23*. وأخيراً مقراب هابل الفضائي Hubble Space Telescope يستطيع رؤيّة أجسامٍ قَدْرها 31.

أمّا الأجسام الخافتة جداً، فنذكر منها: مجرّة M90 الّتي يصل قَدْرها حتى 9،54، سديم الحلقة Ring Nebula الّذي يصل قَدْره حتى 8،8. و نيكس Nix (أحد أقمار بلوتو) الّذي يصل قَدْره حتى 21،82.

القَدْر أداةٌ مُهمة لكل شخصٍ يريدُ مراقبة السّماء بغض النّظر عن الأداة البصريّة المُستعملة. يمكن للعين أن تُمييّز فرقًا واحدًا في القدر بسهولة، أما العين المُتدربة فتستطيع التمييز بين الاجزاء الأصغر من القَدْر. لذا يجدر بكلِ راصدٍ تدريب عينه على التفريق بين درجات القَدْر لأن ذلك سيسهل عليه مهمّة الرّصد. سنتحدث عن هذه الفكرة أكثر في المقالات اللّاحقة.

المصادر:

هنا

هنا