البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

كيف تتخلّص الخلايا من الميتوكوندريا التالفة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

الميتوكوندريا أو المتقدّرات هي عضيّات صغيرة دائرية أو بيضوية الشكل، توجد في سيتوبلاسما خلايا حقيقيات النوى. إحدى وظائفها هي القيام بتوليد كمّيات ضخمة من الطاقة اللازمة لعمل الخلية، وذلك على شكل جزيئات الأدينوزين ثلاثي الفوسفات ATP، كما أنّها تخزّن عنصر الكالسيوم ضمنها لاستخدامه فيما بعد في عمليات النقل بين الخلايا، إضافة إلى توسّطها آلياتِ النموّ والموت الخلوي.

تعدّ الميتوكوندريا من العضيات الغشائية التي يحيط بها غشاء خارجي يسمح بمرور جزيئات صغيرة نسبياً، على عكس الغشاء الداخلي الذي يمنع مرور هذه الجزيئات، يملأ الغشاء الداخلي مادّة تسمّى (Matirx)، تحتوي -إضافةً إلى الأنزيمات اللازمة لإنتاج الطاقة- على DNA خاصّ بالميتوكوندريا ليتسنّى لها الانقسام بشكل مستقلّ.

تُعرف الميتوكوندريا بأنّها مراكز الطاقة في الخلية، فهي تعمل كمصانع صغيرة داخل الخلية، تحوّل السكّريات إلى طاقة تستفيد منها الخلية في أداء وظائفها.

ولكنْ عندما تتلف الميتوكوندريا، تتحرّر منها موادّ سامّة وضارّة تؤذي البروتينات والدسم في الخلية، تُدعى مجموعات الأوكسجين شديدة التفاعل ROS مثل الأكاسيد وفوق الأكاسيد.

وعند حدوث ضرر في إحدى عضيات الخلية، تتفعّل ضمن الخلية آليات معيّنة تُدعى آليات البلعمة الذاتية autophagy للتخلّص من المركّبات الضارّة أو العضيات التالفة داخلها، وتتجمّع هذه المخلّفات في الجسيمات البلعمية phagosomes التي تلتهمها بعد الاتّحاد بالجسيمات الحالّة أو ما يسمّى الليسوسوم.

وقد اكتشف الباحثون في مركز UT southwestern الطبّي في دراسة لاحقة، آلية عمل الخلايا لإيجاد الميتوكوندريا المتضرّرة والتخلّص منها، فعند وجود خلل أو ضرر لهذه العضيات وعدم التخلّص منها، تحدث مشاكل وراثية وسرطانات، وأمراض تنكّسية عصبية، وبعض الأمراض الالتهابية، بالإضافة إلى الشيخوخة.

تقول البروفيسورة Levine أستاذة في قسم الطبّ الباطني وعلم الأحياء، وباحثة في معهد Howard Hughes الطبّي، والقائمة على هذه الدراسة: "إنّ عمليةَ بلعمة الميتوكوندريا mitophagy (وهي عبارة عن التهام الأجسام البلعمية بقايا هذه العضيات المتخرّبة عن طريق البلعمة الذاتية) أمرٌ ضروري لضمان سلامة الخلية."

كيف أجرى العلماء الدراسة؟

ركّز العلماء بحثهم على بروتيناتٍ خاصّةٍ موجودةٍ على الغشاء الخارجي للميتوكوندريا، ووسموا (علّموا) هذه البروتينات وعلى الأخصّ بروتين الباركين Parkin الذي يرتبط بتلك الواسمات (العلامات).

وقد أُجريت هذه الدراسة لتفسير كيفية استهداف الجسيمات البلعمية العضياتِ المتضرّرةَ.

أمّا علماء معهد UT southwestern فقد اعتمدوا في تجاربهم على خلايا الإنسان والفئران، واكتشفوا وجود مستقبِل على الغشاء الداخلي للميتوكوندريا، له دورٌ هامّ جداً في قيادة الجسيم البلعمي واستدلاله على الهدف.

يُدعى هذا البروتين prohibtin2 (PHB22)، ويقع على الغشاء الداخلي للميتوكوندريا، لكنّه لا ينكشف أو يظهر، إلّا عند تمزّق الغشاء الخارجي الخاصّ بالميتوكوندريا المتضرّرة، وحالما يتمزّق الغشاء الخارجي فإنّ البروتين LC3 الذي يقع على الغشاء الخارجي للجسيم البلعمي الذاتي ينجذب إلى البروتين .PHB2

وبعد ذلك يرتبط البروتين LC3 بالمستقبل PHB2، ويوصل الجسيم البلعمي حمولته التالفة إلى وجهتها الأخيرة.

الليسوسوم (الجسيم الحال) هو أحد العضيات الصغيرة في الخلية، وعمله أشبه بمعدة صغيرة فهو يحتوي على العديد من الأنزيمات والموادّ الكيميائية الحالّة التي تحطّم فضلات الخلية وتفكّكها.

ورغم تركيز العلماء على دور بروتين parkin في دعم عملية البلعمة الذاتية، فإنّ الباحثين يؤكّدون في هذه الدراسة على أنّ بروتين parkin بحاجة إلى المستقبل PHB2 لكي يؤدّي دوره على أكمل وجه.

تقول الدكتورة Levine :"يُعدّ ما توصلت إليه الدراسة فيما يخصّ البروتين PHB2 أمراً جديداً كلياً، ولم يُعرف من قبل"

وقد أُجريت دراساتٌ سابقةٌ، كشفت عن وجود رابط ما بين بروتين PHB2 والوقاية من السرطانات، وتأثيرات الشيخوخة والتنكّس العصبي والالتهابات.

وبعد ذكرنا لتلك الفوائد الصحّية كلّها، يتوضّح دور البروتين PHB2 في مساعدة الخلايا في التخلّص من الميتوكوندريا المتضرّرة التي تسهم بحدوث تلك الأمراض والتأثيرات غير المرغوبة.

ومن خلال فهمنا كيفية تخلّص الخلايا من الميتوكوندريا الضارّة التي تلعب دوراً رئيساً في إحداث التأثيرات السلبية وبعض الأمراض، سنتمكّن من تطوير علاجاتٍ قادرةٍ على منع حدوث العمليات المؤدّية لتلك الأمراض.

وجد الباحثون أيضاً من خلال الدراسة أنّ ل PHB2 دوراً ضرورياً في التخلّص من الحمض النووي الميتوكوندري الأبوي أثناء تطوّر الجنين، بحيث يبقى فقط الحمض النووي الميتوكوندري القادم من الأم. وقد أُجريت هذه التجربة على الديدان، لكنّ دراسةً أخرى استخدمت الفئران في التجارب أظهرت أنّ لعملية بلعمة الميتوكوندريا mitophagy دوراً هامّاً أيضاً في إزالة الحمض النووي الميتوكوندري الأبوي في خلايا الثدييات.

فقد بات معروفاً أنّ الحمض النووي الميتوكوندري القادم من الأم هو فقط الذي ينتقل إلى الأبناء، ولا يُمرَّر الحمض النووي الميتوكوندري القادم من الأب لأبنائه، لأنّه -لأسباب غير معروفة كلياً- يسبّب بعض المشاكل في نموّ الجنين، ويمكنكم قراءة مقال سابق لنا يتحّدث عن هذه النقطة:

هنا

ما هي أهمّية هذه الدراسة؟

لفهم هذه الآليات التي تستخدمها الخلية للتخلّص من المركّبات الضارّة أو العضيات المتخرّبة ضمنها، دور هامّ جداً في إيجاد علاجات جديدة لمعالجة الأمراض المرتبطة بذلك أو الوقاية من بعضها، ومن المتوقّع إمكانية مقاومة الشيخوخة بهذه العلاجات المستقبلية.

توضيحات:

الجسيم الحالّ Lysosome: أحد عضيات الخلية ذات الغشاء المغلق، والحاوية على مجموعة من الأنزيمات القادرة على تفكيك كلّ أنواع البروتينات الحيوية والأحماض النووية والسكريات والدسم، فالجسيم الحالّ يمثّل جهاز الهضم الخاصّ بالخلية. (مصدر4)

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا