التعليم واللغات > اللغويات

دور المناخ والعوامل السكانية في التنوع اللغوي

استمع على ساوندكلاود 🎧

قد نتسائل: لماذا يوجد هذا الكمُ الهائلُ من اللغات في العالم؟ ولماذا لا يتحدث البشر لغةً واحدةً؟ ولماذا تكثرُ لغاتٌ في مناطقً معينةٍ في حين تقلُّ لغاتٌ في أماكن أخرى؟

علينا بدايةً أن نعرفَ أن إجمالي عدد اللغات التي نتحدثها نحن البشرُ يقَّدرُ بـ 7000 لغةٍ، ولكن هذه اللغات ليست موزعةً بالتساوي في جميع أنحاء العالم. وبالرغم من وجود فرضيات تم اقتراحها منذ قرونٍ إلا أنَّ أنماطَ التنوع اللغوي والثقافي ما زالت غير مفهومةٍ، كما أن جميع الدراسات السابقة حققت نتائجً متناقضةً. ولعله من المدهش تماماً أننا لا نعرف سوى القليل عن الأسباب التي تخلقُ أنماطَ التنوعِ اللغوي على الرغم من كونها تشكِّلُ أهميةً مركزيةً للبشرية جمعاء، فجميع ما نُشر عن هذا الموضوع لا يتعدى الـ 20 دراسة على الرغم من ارتباط الأمر بنظرية داروين الذي أشار إلى أهمية العوامل والعمليات التي تخلقُ أنماط اللغة.

هذه الدراسة هي أول تطبيقٍ عمليٍ لدراسة توزيعِ المجموعات البشرية ولغاتها، حيث استخدمت فيها القارة الأسترالية كحالةٍ لتحديِد عملياتِ تشكُّلِ التنوعِ وتوزيعِ اللغات البشرية. وتهدفُ الدراسةُ إلى الاجابة على سؤالين: أولهما يسأل عن سبب وجود الكثير من اللغات التي نتحدث بها اليوم، وثانيهما عن معرفة السبب وراء تفاوت التوزيع الجغرافي بين تلك اللغات.

قام فريق البحث بدراسة العمليات التي تشكل أنماط تنوع في اللغة واضعين أمامهم ثلاث فرضياتٍ أساسيةٍ، وهي فرضياتٌ لم يسبق وأن اختبرت من قبل:

الفرضية الأولى تناقش كيف من شأن الجماعات أن تملأ المساحات غير المأهولة والثانية كيف يمكن للهطولِ المطري أن يحدَّ من الكثافة السكانية والثالثة قيام الجماعات بتقسيم نفسها بعد بلوغ حدّمعينٍ.

قام الفريق، والذي يضمُ مجموعةً من العلماء من مجالات مختلفة كاللغة والجغرافيا وعلم البيئة والأنثروبولوجيا، بتكوينِ نموذجٍ كان قد أُنشئ لأول مرةٍمن قبل علماء البيئة لدراسة الأصناف وأساليب تنوعها. وباستخدام هذا النموذج قام الفريق بوضع كل مجموعة من السكان في خليةٍ منفصلةٍ على الشبكة مستخدمين فيما بعد سلسلةً من القواعد البسيطة التي تحدّدُ الكيفية التي نما بها التعدادُ في تلك الخلية˛ وتمّ تطبيق ذلك في كل خلية على امتدادِ الخريطة، وخلصوا في النهاية إلى أن الخريطة انقسمت إلى فئاتٍ سكانيةٍ منفصلةٍ تتحدث لغات مختلفة.

أعطت نتائجُ الدراسة أدلةً قويةً على أن الظروفَ المناخيةَ والحجمَ المحدودَ للمجموعات السكانية يشكلان عاملاً مهماً في تشكيل اللغة وأنماط التنوع في استراليا. واللافت للنظر، أن نموذجاً بسيطاً كهذا استطاع أن يتنبأ وبدقة بالعدد الإجمالي للغات المستخدمة في استراليا، حيث كان متوسط تقديراته 407 لغةٍ من أصل 406 وهو العدد الإجمالي للغات المستخدمة في القارة.

أحدُ التحدياتِ في استخدام هذا النموذج هو أن الصيغة المستخدمة في أستراليا – وكونها تركز على مياه الأمطار – فهي لن تعمل في كل مكانٍ، فهناك العديد من الأشياء الفريدة من نوعها في استراليا، بما في ذلك التناقضات البيئية الصارخة، إلا أن الأماكن التي لديها أنماط وجوانب بيئية مماثلة˛ ويشمل ذلك أجزاء من أفريقيا وأجزاء من أمريكا الشمالية˛ سيكون بإمكانها الاستفادة من النموذج وربما تكون لها نتائجٍ مشابهة˛ لكن حتماً ستكون النتائج مختلفة وبعوامل أخرى لا نعرفها إذا ما طبقنا الدراسة في أماكن أخرى. ونموذجٌ كهذا سوف يوفر نقطة انطلاق ممتازةٍ لإجراء بحوثٍ إضافيةٍ.

المصدر:

هنا