البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

باب جديد يفتح: كائن جديد مبني على 6 أسس نكليوتيدية بدلاً من 4

استمع على ساوندكلاود 🎧

مقدمة:

يعلم كلّ شخص يملك خلفيةً بسيطةً عن علم الوراثة أنّ الكائناتِ الحيةَ مبنيةٌ على المعلومات المرمّزة في جينوماتها، وأنّ هذه المعلوماتِ ترمّز باستخدام أبجدية جينية مكوّنة من زوجين من الأسس هي A-T وG-C. وإعادة ترتيب هذه الأزواج بأشكال مختلفة هي التي تعطي ببساطة مختلف الكائنات من البكتريا والفراشات، وصولاً لمختلف الحيوانات والبشر، فهذه الأسس الأربعة هي التي تشكّل الحياة كما نعرفها.

وظلّ الحال هكذا حتى وقت قريب فقط، فقد أعلن عالمان من معهد سكربز البحثي The Scripps Research Institute (TSRI) عن تطوير أوّل كائن مستقرّ نصف صنعي semisynthetic organism (SSO)، لا يملك الأسسَ الأربعة آنفة الذكر وحسب، بل زوجاً إضافياً من الأسس الصنعية unnatural base pair (UBP) أطلق عليها X و Y في بنيته الجينية.

متى بدأ ذلك؟

كانت البداية عندما أعلن الباحث Floyd Romesberg وزملاؤه عامَ 2014 عن تطوير الأسس X وY، وعن إمكانية ضمّ بكتريا E.Coli لزوج الأسس الصنعي هذا في كودها الجيني. إلّا أنّهم قد واجهوا مشكلةً حينها تمثّلت بعدم قدرة بكتيريا E. coli على الاحتفاظ بزوج الأسس الجديد بشكل مستمرّ مع انقسامها، إذْ كانت تتخلّص منه مع الوقت، ممّا حدّ من الطرق التي يمكن للكائن بها أنْ يستخدمَ المعلوماتِ المخزّنة في الـ DNA خاصّته.

ويوضّح الباحثون أنّ الجينومَ خاصّتنا مستقرٌ على امتداد حياتنا، وينبغي أنْ ينطبقَ الأمر نفسه على الكائن نصف الصنعي لكي يكون كائناً فعلاً، أي أنْ يظلّ قادراً على الاحتفاظ بالمعلومات الموجودة في الـ DNA خاصّته.

كيف حُلّت مشكلة عدم احتفاظ البكتريا بزوج الأسس الجديد؟

طوّر الباحثون خلال الفترة الماضية طرقاً كيميائيةً وجينيةً لكي تحتفظ البكتريا بزوج الأسس الصنعي، وشمل ذلك:

1- تطوير أداة تسمّى ناقل النكليوتيد nucleotide transporter، تجلب هذه الأداة الموادّ الضرورية للأسس غير الطبيعية كي تُنسخ عبر الغشاء الخلوي، ورغم استخدام هذه الأداة في دراسة عام 2014، إلا أنّها تسبّبت حينها بجعل البكتريا ضعيفةً للغاية.

لكنْ اكتشف الباحثون تعديلاً على الناقل خفّف المشكلة، ما سهّل على البكتريا النموّ والانقسامَ مع احتفاظها بالأساسين X وY.

2- حسّن الباحثون بعد ذلك الأساسَ Y، وتوصّلوا إلى أساس Y جديدٍ مختلفٍ كيميائياً، يتميّز بكون الأنزيماتِ التي تصنع جزيئات الـ DNA أثناء تضاعفه تتعرّف عليه بشكل أفضل، ما سهّل على الخلايا نسخَ زوج الأسس الصنعية.

3- أخيراً، هيّأ الباحثون نظاماً للتحقّق يبقي فقط على البكتريا التي احتفظت بالزوج الجديد، وذلك باستخدام أداة CRISPR-Cas9، التي استفاد منها الباحثون في تأدية عمل شبيه بدورها الأساسي في البكتريا.

لقد وجدت هذه الأداة في البكتريا كنوع من الاستجابة المناعية بشكل أساسي. فعندما يواجه الجرثوم فيروساً على سبيل المثال، وينجح في مقاومته، فإنّه يأخذ قطعاً من جينوم الفيروس ويلصقها ضمن جينومه كوسيلة لتوجيه الإنزيمات لمقاومة الفيروسات المشابهة إنْ هاجمته لاحقاً.

وبالاستفادة من ذلك، صمّم الباحثون كائنهم لتحديد التسلسلات الجينية التي لا تحوي على زوج الأسس X وY على أنّها غازٍ أجنبي يجب القضاء عليه، ما أدّى في النهاية إلى الوصول إلى كائنات تستطيع الإبقاء على الأسس الجديدة.

وهكذا وصلوا إلى بكتريا تضاعفت 60 مرّة دون خسارة الأسس X وY، ما أعطاهم أملاً بأنّها لن تخسرها لاحقاً.

ويقول الباحث Romesberg: "يقترح هذا أنّ كلَّ عملياتِ الحياة عرضةٌ للتعديل."

ما هي آفاق واستخدامات هذا الإنجاز الجديد؟

ما توصّل إليه الباحثون حتّى الآن كما رأينا هو بكتريا قادرة على تخزين معلومات إضافية في الـDNA خاصّتها عبر امتلاكها ثلاثةَ أزواج من الأسس بدلاً من اثنين، إلّا أنّ التطبيقاتِ الفعليةَ لهذه الكائنات نصف الصنعية معدومةٌ في هذه المرحلة، لأنّ هذه البكتريا لا تزال حتّى الآن غيرَ قادرةٍ على قراءة هذه المعلومات الإضافية المخزّنة وترجمتها إلى بروتينات.

وهذا ما سيعمل عليه الباحثون في المرحلة القادمة، ما سيؤدّي في البداية إلى تصنيع أنواع جديدة تماماً من البروتينات لا توجد في الطبيعة.

يرى بعض العلماء أنّ القوة الحقيقية لهذه الطريقة الجديدة ستكون في الوصول لبكتريا تحمل عدّة أسس DNA صنعية، أو الوصول لجينوم صنعي بالكامل، الأمر الذي تقترح الدراسة أنّه ممكنٌ من حيثُ المبدأ.

ورغم المخاوف والاعتبارات الأخلاقية الكثيرة التي ستولّدها هذه الطريقة الجديدة، واستخدام أداة الـCrispr-Cas9 بشكل عام، إلّا أنّ Romesberg يرى أنّه من الضروري للعلم أنْ يزيلَ الخوف من المجهول، وأنّه لا بدّ من موازنة الفوائد والأضرار المحتملة، فالفوائد في هذه الحالة قد تتضمّن أدويةً جديدةً أفضل.

يبقى لنا أنْ نشير إلى أنّ هذا البحث، كغيره من الأبحاث الرائدة، يبقى رهينة المراجعة من المجتمع العلمي، لدراسة أفضليته وميّزاته، والنظر لعواقبه المحتملة، ما قد يؤدّي إلى استنباط تشريعات وقواعد له، أو وضعه في باب الطرق غير المعتمدة، الذي يجعل تكراره عبثياً ودونَ غاية تذكر.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا