الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيات الرصّد الفلكي_الجزء الأول: الأجهزة البصرية

استمع على ساوندكلاود 🎧

الأجهزة البصريّة

لطالما كانت السّماء محط اهتمام الكثيرين. فمنذ القدم، جذبت تلك الصّفحة السّوداء المُنقطة بنجومٍ مُضيئةٍ اهتمام الأجداد، فإذ بهم يمضون محاولين اكتشاف أسرارها باستخدام الأداة البصريّة الوحيدة المتوفرة لديهم، العين. إن قدرة العين على التّكيُّف والتّأقلم مع الظُلمة جعلت المشهد ليلاً أكثر إثارةً. في الواقع، كان العُلماء العرب والمُسلمون القُدامى بارزين في علم الفلك كالعالم عُمر الخيّام وثابت بن قرّة وابن الهيثم. يبرز علم الفلك العربيّ اليوم في السّماء نفسها، حيثُ أن أسلافنا سمّوا العديد من النّجوم، أهمُّ تلك النّجوم: رجل (Rigel)، ذنب (Deneb)، والدّبران (Aldebaran)* وغيرها من النّجوم.

شَغَف العُلماء والهواة في السّماء لم يتوقف عند حد مشاهدة السّماء بالعين المجردة، لتظهر فيما بعد الأداة البصريّة التّي غيرت مجرى علم الفلك، المقراب (أو باللغة الدخيلة: التّلسكوب).

يعود اختراع المقراب إلى صانِع العدسات الألمانيّ هانس لِبرشي Hans Lippershey. وُلد هانس في ألمانيا الغربيّة عام 1570 لينتقل بعدها إلى هولندا في العام 1594. عمل هانس في مدينة ميدل بورغ Middelburg في هولندا كصانعِ عدسات، ليحظى في العام 1608 على اهتمام العامة باختراعه الجّديد والمُسمى المقراب. لم يحصل هانس على براءة اختراع ولكنّه حصل على تقديرٍ من الحكومة الهولنديّة آنذاك. في الواقع يعود فضل اختراع المقراب إلى عالمين آخرين ياكوب ميتيوس Jacob Metius وزاخارياس يانسن Zacharias Jansen.

حظيت المقاريب على اهتمام الجّميع ومنذ القِدم كانت حكراً على أصحاب الأموال، أما اليوم وبفضل الصّناعة، أصبحت المقاريب متوفرةً لدى الجّميع بمقابلِ مبلغٍ زهيدٍ. المقراب الأوّل الذي أوجده هانس كان له تكبيرٌ قدره X3 (أي ثلاثة مراتٍ أكثر من العين المُجردة)، أما المقاريب في أيامنا هذه تستطيع تكبير الصّورة حتى مئات المرّات وبعضها حتى آلاف المرّات.

بعضُ المقاريب ليست كما نتخيل، صغيرةٌ ويمكن حزمها مع الأمتعة، فبعضها كبيرٌ للغايّة حيثُ أن البشر اُضطروا لبناء قاعدةٍ كبيرةٍ لتستطيع حمل هذا المقراب، بعضها الآخر أُرسِل إلى الفضاء كمقراب هابل Hubble الشّهير. بعض المقاريب تعمل بطريقةٍ أخرى، كمقاريب الأشعّة السّينيّة ومقاريب الأشعّة التّحت الحمراء وغيرها. أما المقاريب البصريّة العاديّة فتُقسم إلى ثلاثة أنواعٍ رئيسيّة: أوّلها المقاريب الكاسِرة وثانيها المقاريب العاكِسة (النّيوتونيّة) وثالثها المقاريب المُجَمَّعَة. سنتحدث عن تلك الأنواع وآليّة عملها بشكلٍ مُفصل في مقالٍ لاحقٍ من هذه السّلسلة.

في الثّاني من تشرين الأول (أوكتوبر) من العام 1608 عرض هانس اختراعه الحديث على المجلس التّشريعي الهولنديّ، لاحقاً طلب المجلس من هانس صناعة أداةٍ مماثلة ولكن يمكن استخدامها بكلتا العينين وذلك من أجل استخداماتٍ عسكريّة. هذا الطلب أدى إلى ولادة المناظير، إذ أن هانس أدى المُهمة الموكلة إليه من قبل المجلس التّشريعي في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1608. المنظار لم يلقَ نجاحاً في الاستخدامات العسكريّة، وهذا يعود إلى ضعف قدرة المنظار الذي صنعه هانس بالإضافة إلى رداءة الصّورة الخارجة من الطّرف الآخر للعدسات. لاحقاً طالب هانس ببراءة اختراع ولكنّ طلبه رُفض. في الواقع لم تلق المناظير إقبالاً كبيراً على صناعتِها وهذا بسبب صعوبة صِناعة زوجين مُتطابقين من العدسات ومن ثم محاذاةِ تلك العدسات بشكلٍ مثاليٍّ.

اليوم تُصنع المناظير بأشكالٍ عديدةٍ وبقدراتٍ عديدةٍ، فمنها المُخصّص للاستخدام العسكري ومنها المُخصّص للصّيد ومنها المُخصّص لمُراقبة السّماء.

بغضّ النّظر عن الأداة البصريّة المُستعملة في مراقبة السّماء، سواءً أكانت عيناً أم مقراباً أم منظاراً، مُراقبة السّماء أمرٌ مُثيرٌ للاهتمام وعالمٌ مليءٌ بالأسرار والجّمال. والأمر مُختلفٌ عمّا نراه في الصّور، فعلى الرّغم من أن الصّور مُلتقطةٌ باستخدام أدواتٍ حديثةٍ، إلا أنّ الصّور لا روح فيها. مُشاهدة السّماء بالعين يُعطي الصّورة أبعادً ونبضاً فتشعر وكأنّك جالسٌّ بالقُرب مما تشاهده، وتلك المجالسّة لا يُمل منها!

هامش:

سنذكر في مقالاتٍ لاحقة من السّلسلة سبب تسميّة تلك النّجوم بهذا الاسم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا