الكيمياء والصيدلة > علاجات صيدلانية جديدة

تجربة الاقتراب من الموت من خلال حبّة واحدة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُفرز مادة الـ DMT بكميات كبيرة من الغدة النـخامية أثناء لحظات تغير الوعي كالولادة، والموت، وأثناء الحلم، ولهذا السبب تسمى بجُزيئة الرّوح، وبالتالي فإنَّ تنشيط هذه المادة الكيميائيّة قد يساعد على فهم تجربة الاقتراب من الموت وعالَم الأحلام. تعدّ مادة الـ DMT (دي ميتيل تربتامين) من المهلوسات القادرة على تحريض حدوث رحلة مهلوسة ومخدّرة تستمر عادةً من 30 حتى 45 دقيقة، كما تصنّف على أنها من المواد المُخدرة ضمن الجدول الأول بِموجب قانون المواد الخاضعة للرقابة، ومع ذلك تتواجد بشكل غير قانوني بعدة أسماء تجارية مثل "رحلة رجل الأعمال" و"فانتازيا" وبالطبع هي لا تمتلك أي استخدامات طبية معترف فيها ضمن الولايات المتحدة الأمريكية.

يُستخرج الـDMT من مجموعة متنوعة من النباتات، ويمكن له أيضاً أن يصنّع في المختبر، إذ بدأ تصنيعه لأوّل مرة في المختبر في عام 1931، وعُرف بدايةً على أنه مخدر في عام 1960، في حين اعتبر وجوده وتداوله غير قانوني في بدايات الـ 1970 وانتشر بين متعاطي المخدّرات خلال العقد الأخير من الزمن، ويعود تاريخ الاستعمال البشري للـ DMT منذ مئات السنوات ولطالَما ارتبطت المشروبات الحاوية على الـ DMT مع الطقوس المقدّسة والممارسات الدينية.

ماهي طرق تعاطي الـ DMT ومتى تبدأ رحلة الهلوسة؟

تتواجد جزيئة الرّوح على شكل مسحوق بلّوري أبيض اللون، وتؤخذ عبر التدخين أو الحقن أو الشم إذ ليس من الضرورة استعمال كميات كبيرة منها حتّى يحدث الأثر المهلوس، فهي مهلوسة بشكل كامل بجرعة تقدّر ب 0.2 ملغ/كغ فقط، وقادرة على تنبيه مستقبلات السيروتونين في الدماغ مُحدثةً بذلك الأثر المهلوس. يكون المعدل الوسطي لجرعة الـ DMT عند تعاطيه عبر التدخين بحوالي 30-150 ملغ، ويبدأ تأثيره فوراً أمّا قمّة تأثيره والنشوة تكون بعد 3-5 دقائق وتستمر لفترة 30-45 دقيقة. أمَّا عند تعاطيه مع المشروب، فتتراوح عندها الجرعة من35 حتى 75 ملغ، وتبدأ آثاره بعد 30-45 دقيقة وتمتد قمّة تأثيره من ساعتين إلى ثلاث ساعات وقد تستمر حتى4-6 ساعات، فلهذا السبب يعد الـ DMT أدوية الخيار الأول للأشخاص الذين يريدون تجربة الفعل المهلوس المُشابهة للـ LSD أو للـ Psilocybin بدون فترة التسمّم الطويلة التي يُحدثها المركبين السابقين. أمّا في حال تعاطي الـ DMT فموياًّ فلا تنتج غالباً له أي آثار مهلوسة، لأنه يتحوّل إلى الشكل غير الفعّال عبر أنزيم الاستقلاب المعروف بـ مونو أمين أوكسيداز MAO، ولكن في حال مشاركته مع نباتات أخرى تَمنع استقلاب الأنزيم يمكن أن ينتج الآثار المهلوسة له كما هي الحالة عندما يتم تناوله مع الأياهواسكا الداخلة في تركيب الشراب أو الخميرة المهلوسة التي طالما استخدمت من قبل القبائل الشامانية في غابات الأمازون، إذ يحتوي هذا الشراب على أوراق الكاركونا التي تحتوي على مكونات الـ DMT مع نباتات أُخرى تحتوي على قلويدات الحرملة التي تمنع استقلاب الـ DMT (عبر تثبيط أنزيم مونو أمين أوكسيداز)، وبالتالي يمكن للدّواء أن يُمتص بما فيه الكفاية ليُعطي تأثيراً كبيراً. تنتج الأياهواسكا تأثيرات تختلف عن تأثيرات الـ DMT الصنعي مع رحلة تدوم لفترة أطول قد تصل إلى 10 ساعات، فنظراً لأنها تؤخذ فموياً، فيترافق استخدامها مع عدد من التأثيرات الفيزيائية المختلفة المميّزة غير المرئية والتي لا تلُاحظ مع استخدام الـ DMT الصّنعي عبر التدخين كالغثيان والإقياء.

ماهي رحلة الانفصال عن الواقع وماذا نرى حقيقةً عند تعاطي الـ DMT؟

يصف معظم المُتعاطين رحلتهم بالرحلة المميزة والغريبة، بسبب تغيّر الإحساس بالزمان والمكان وتغيّر الإحساس بالجسد فيزيائياً وتبدّد الشخصية أو إلغائها، فيشعر المتعاطي وكأنّ روحه قد خرجت من جسده، ويلاحظ هلوسات بصرية عميقة ومُكثَّفة وهلوسات سمعية وتخيُّلات بصرية لصورٍ غير موجودة في العالم الحي وتَغيّر للإدراك البصري والسمعي.

كما ويصف الكثير من الأشخاص ممن جرّبوا رحلة الـ DMT بأنَّها بمثابة تغيير للحياة على هذا الكوكب وأنّهم خلال رحلتهم المهلوسة مع جزيئة الروح قد شاهدوا حقاً الإله أو مخلوقات غريبة أو كائنات سحرية، ويعود التفسير العلمي لذلك فيمكن لكميات قليلة من الـ DMT أن تلعب دوراً هاماً في كل من التجارب الروحيّة التلقائية الغامضة وتجارُب الاقتراب من الموت واللقاءات الغريبة مع المخلوقَات الفضائية، ولكن وعلى الرّغم من أن الـ DMT يُنتج طبيعياً داخل دماغ الإنسان، مازال تصنيفه من المواد المخدرة في الجدول الأول وكلّ من يحوز تلك المادة يعرّض للسجن والغرامات ونتائج قانونية أخرى. من جهة أخرى فإنّ خَطر الإدمان على الـ DMT مازال غير معروف ويجب علينا القيام بدراسات وأبحاث جديدة حتى نتحقق من الآثار طويلة الأمد للاستعمال، إذ بعكس باقي المهلوسات الأخرى لا يسبب الـ DMT الإدمان الفيزيائي في الجسم وبالتالي فلديه قابليّة أقل لحدوث الإدمان، ذلك على الرغم من وجود بعض التقارير النادرة التي تقول أن متعاطي الـ DMT قد طوّروا تعوداً نفسيّاً وبالنتيجة تمَّ استخدامه بتواتر أكبر، فمن جهة أخرى لم يكن تعاطي الـ DMT جيداً عند كل المتعاطيين فتحدّث بعضهم عن رحلة سيئة جداً، إذ رأوا مشاهد عنف وسمعوا أصواتاً كريهة مضطربة وجرّبوا مشاعر سلبية كبيرة للغاية تتراوح من القلق الشديد إلى جنون العظمة إلى الاكتئاب.

ما الأعراض التي تظهر على متعاطي الـDMT بعد انتهاء مدة تأثيره؟

يمر المتعاطي بتجربة الشعور بالماضي والهلوسات بشكل مشابه لتأثير هلوسة الرحلة أثناء تناول العقار، وعدم القدرة على الشعور بالحقيقة والعالم المحيط وقد يكون في عالم افتراضي بعيد كل البعد عن الواقع، كما وقد يكذب المتعاطي بما يخص الدواء للأصدقاء والعائلة (أي قد يقول شيئاً لم يره فعلاً أثناء رحلته وذلك لغرض التشويق فقط)، كما يمر المتعاطي بمشاكل اقتصادية أثناء شراء الـ DMT، ويواجه صعوبة في الحفاظ على الالتزامات المهنية والشخصية نتيجة التعاطي بالإضافة لشعور الهاجس الشديد أثناء استخدامه وحيداً أو مع عدد من العقاقير الأخرى.

بما أن الـ DMTغير قادر على إحداث الإدمان، فما هي إذاً آثار تعاطيه على المدى القريب والبعيد؟

لا يمتلك الـ DMT قدرة على إحداث الإدمان مثلما يفعل الكوكائين والهيروين، ولكن لا زال يملك تأثير سلبي على كلٍّ من الدماغ والجسم، حيثُ تتضمن التأثيرات الفيزيولوجية قصيرة الأمد الناتجة عن استخدام الـ DMTالصنعي كلاً من ارتفاع معدل ضربات القلب، وارتفاع الضغط الدموي، واتساع حدقة العين، وحركات عينية سريعة غير طوعية، ودوخة، وترنح، وإثارة، واختلاجات، وعدم وجود تنسيق في العضلات. بينما تنتج الجرعات العالية من الـ DMT الصنعي بعض الأعراض عند بعض الأشخاص منها الغيبوبة وتوقف التنفس، ويسبب التعاطي قصير الأمد للأياهواسكا حدوث ارتفاع الضغط الدموي وغيبوبة واقياء.

وبالنسبة لآثار تعاطي الـ DMT طويلة الأمد فمن غير المعروف أو المدروس ماهيّة الأعراض ويجب أن نقوم بعدد كبير من الأبحاث حتى نقرّر ما إذا كان هناك تأثيرات على الاستخدام طويل الأمد للـ DMT، إذْ لا يوجد أي دليل على أن الـ DMT في الكميات الكبيرة والعالية قد يحدث تعوّد بشكل مشابه للأياهواسكا الحاوية على DMT، فلم تَظْهر أي أدلَّة على وجود تأثيرات سلبية طويلة الأمد بشكل خاص عند هؤلاء الذين يتناولون هذا الشراب في الطقوس الدينية. من جهةٍ أخرى فيترافق استخدام زمرة المهلوسات من بينها الـ DMT حالة الذُهان المستمر ومرض الإدراك المستمر للهلوسات HPPD، على الرغم من أن تواتر حدوثهم نادر جداً، إذ تتضمن أعراض هذين المرضين تقلّبات مزاجية، واضطرابات بصرية، وجنون العظمة، وتفكير غير منتظم، والعودة إلى ذكريات الماضي (أي تجارب تعاطي الدواء المستمرة مثل الهلوسات وتغيرات في الإدراك...).

كم هي نسبة متعاطي الـ DMT؟

وفقاً لاستبيان في عام 2013 على تعاطي المخدرات، وُجد أنّ أقل من 1% من الأمريكيين، الذين أعمارهم قد تجاوزت الـ 12 سنة، قد تعاطوا الـ DMTعلى الأقل مرة واحدة في حياتهم، ولكنّ القسم الأكبر من المتعاطين كانوا بين 18 و25عاماً، حيث ازداد استخدام الـ DMT بنسبة 24% على حساب باقي المهلوسات الأخرى التي شملها الاستطلاع. أمّا بالنسبة للمراهقين فيعد تعاطي جزيئة الرّوح غير شائع كما هو الحال في الكحول والمارجوانا، ولكن وفقاُ لإحصائية ف عام 2016 وجد أنَّ 4.2% من طلاب المرحلة الأولى في الثانوية قد استخدموا دواءً مهلوساً.

ونختم المقال بقول العالم Terence Mckenina عن تعاطي الـ DMT "لا يمكن لك أن تتخيل عقاراً أكثر عجباً من الـ DMT ولا حتى تجربة أكثر غرابة من تجربته".

المصادر:

هنا

هنا