الموسيقا > موسيقا

الفن الغنائي من القرن الرابع حتى القرن الثالث عشر

استمع على ساوندكلاود 🎧

الفن الغنائي

من القرن الرابع حتى القرن الثالث عشر

المونوديه والبوليفونيه

الغناء الديني وغير الديني

أولاً: الترتيل الجريجوري:

يتّصل الترتيل الجريجوري أو "الترتيل الحر" بصميم الطقوس الدينية الكاثوليكية، وأصول الترتيل الحر نلتمسها من الحضارة القديمة. عندما انتشرت المسيحية في البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، استقرت بعض المراكز المسيحية الكبرى باليونان، وتأثّر الترتيل الطقسي بالموسيقى الإغريقية، وكانت النظرية الموسيقية الإغريقية مبنية على اللون التعبيري لعدد معين من الدواوين المقامية التي كانت معظمها (دياتونية) وقد انتقلت هذه المقامات للترتيل الحر بعد الطريقتان اللتان نشأتا من تيار واحد، أسلوبان من التعبير الديني يشتركان في بعض النقاط ولكن التفكير السائد في كل منهما مختلف عن الآخر.

في عام 313 م، منح الإمبراطور قسطنطين حريّة التعبير للكنيسة، فصار من الممكن التعبير عن العقيدة في الخارج، وأصبح دور الموسيقى في هذا المجال محدداً: امتداح الله ونشر الكلام المقدس وخدمته.

ويمكن القول أن الترتيل الجريجوري هو نوع من الموسيقى الغنائية المتصلة بالكلمات، وهو فن موحد الأنغام أي (مونودي) ولهذا فلا يحتاج إلى مصاحبة موسيقية، ولكن يمكن أن يدعمها الأورغن بطريقة خفيفة.

ولا يخضع الترتيل الحر لتقسيم "المازورات" أو تشكيل الجمل والصيغ المتشابهة الأجزاء، وإيقاعه مرن يبعد عن اللحن الثقيل ويجعل من هذه الميلودية "فن الحركة الجميلة"

والموسيقى الجريجورية دائماً متنوعة وحيّة، ومن أجل ذلك فهي تتصل بالروح، فهي طريقة للإتحاد بين الصلاة والمدح، وهي من أبرز الطرق المؤثرة في التعبير عن العواطف الإنسانية.

ثانياً: المونوديه غير الدينية:

الأغنية الراقية: "التروبادور" و "التروفير":

امتد تاريخ الشعراء المغنيين جماعة (التروبادور) وجماعة (التروفير) لمدّة ما يقارب ثلاثة قرون، من القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر، فمن شبه المستحيل دراسة تطوّر حركتهما دون ربطها بتطوّر التاريخ الفكري والاجتماعي واللغة في القرون الوسطى في تلك المدينة التي انتشرت بعظمة في عصر سانت لوي.

أثّرت الحروب الصليبية في تنمية أسلوب (المونوديه) في الأغاني الراقية، و من بين شعراء التروبادور الذين وُجِدَت لهم آثار في المخطوطات -القليلة جداً والتي كانت في معظم الأحيان خالية من النصوص الموسيقية- كل من برتران بورن، جير ودي بورني، رامبودي فاكيرا، و جوسليم فيدي مؤلف المرثية الشهيرة لوفاة ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا.

ابتداءً من القرن الثالث عشر لم يعد الشعر الغنائي حكراً على كبار الأشراف، ولكن على الشعراء أيضاً، وقد نموا ألواناً من الشعر أخذ فيها التفكير الهجائي مكان التقليد المهذب، فاستعملوا لهجة مباشرة أكثر، كانت فجة في بعض الأحيان.

في نهاية القرن الثالث عشر اختفى شعراء التروبادور والتروفير الذين كان لهم أثراً كبيراً في تطور الشعر الغنائي والموسيقي بعد أن تركوا امتداداً جديداً لحركتهم في ألمانيا، جماعة (الميني سنجر) الذين أثروا في طلاقة فاجنر في أوبراه (أساطين الشعراء المغنيين بنوربرج).

ثالثاً: مولد الأنماط البوليفونيه وتطورها:

لقد ذُكِرَت الموسيقى البوليفونيه لأول مرة في القرن التاسع تحت اسم الأورغانم Organum، فكان يضاف إلى الصوت الرئيسي صوت ثانٍ من تحته، كان يسير في انتقالاته الميلودية في توازي مع الصوت الأول الرئيسي وعلى بعد موسيقي معين منه (البعد الرابع).

وانتشر الفن البوليفوني ببطء، ولكنه كان سبب في ميلاد أنماط جديدة مثل الديسكانت Deschant، وهو عبارة عن كونترابنط: "نوتة ضد نوتة" ويستعمل السير في حركة مضادة movement contraire.

1-الموتيه: ولدت أغنية الموتيه Motet في منتصف القرن الثالث عشر في الوقت الذي ازدهرت الفنون والعلوم والمدنيه فيه، وتطورت منها مختلف الأنواع: الموتيه ذات المصاحبة من آلة موسيقية التي يعزفها منشد. والموتيه من صوتين وباللغة الدارجة، أما الموتيه الدينية فتكون باللغة اللاتينية وتستعمل مضموناً طقسياً أو باللغة الدارجة.

ولقد استفاد هذا النمط بكل النتائج التي وصل إليها الفن الجديد Ars Nova وثم تحولت بالقرن التالي تحولت وأصبحت عملاً موسيقياً –دينياً أو غير دينياً - أكسبته الانتصارات التي حققتها الكتابة الكونترابنطية ثراء.

في عصر النهضة تطورت الموتيه بفضل كل من "رولان دي لاسوس" و "فيتوريا" على سبيل المثال. وفي انكلترا ألف بيرسيل Purcell، بعد بيرد Byrd وجيبونز Gibbons الأناشيد والمزامير والتراتيل. وقلّدوا الموتيه الفرنسية الكبيرة حيث قاموا فيها بتنمية الطابع الدراسي والطابع الزخرفي، أما في ألمانيا كتب باخ بعض مقطوعات الموتيه التي تنشد بلا آلات، أو بمصاحبة الأورغن، أو خماسي من الآلات الوترية ومقطوعته "تعظيم الله" Magnificat. كما ألف هايدن بعض من هذه المقطوعات، كذلك موزارت و قد ظلت شهيرة مثل: (ملكة السموات) Regina Coeli و (إني أعبدك) Adoramus te, و (تحية للحق) Ave Verum.

ونذكر أيضاً من مؤلفيها (مارك أنطوان شاربانتييه) Marc Antoine Charpentier و (ميشيل ريتشارد دي لالاند) Michel Richard De La Lande.

2-القداس: إن عادة الإنشاد في بعض أجزاء (القداس) Mass ترجع إلى الأصول الأولى للمسيحية، و منذ وقت مبكر وأجزاء: المدخل والتدريج والتهليلات (ها للويا) وتقديم القرابين و تناول القربان المقدس والتي لها نصوص خاصة بكل احتفال، دائماً تزخرفها الموسيقى وتستدعي أجمل التراتيل الجريجورية في حين أن القسم العادي Ordinaire من القداس يتألف من: الافتتاح والتحيات في تحميد الله ( Gloria) والطقوس المذهبية والتقديس والدعاء الختامي، وانصراف المصلين أخيراً، وهذه الأجزاء يتكرر نظامها في كل الصلوات وفي الاحتفالات الكبيرة، تقوم جماعة المنشدين وجمهور المصلين معاً بتفسير بعض الأجزاء من القداس بالترتيل المونوديه الجريجورية أو (بالترتيل الحر الموسيقي).

- من أهم القداسات: قداس موزارت (القداس مقام دو صغير) و (قداس التتويج) أما (القداس الجنائزي) Requiem الذي كتبه قبل وفاته بعام فقد حمل نبوءة حالكة، وقد تركه قبل أن يكمله، وأكمله من بعده تلميذه سوسماير. أما القداس الذي كتبه بيتهوفن من مقام (ري) فيمكن مقارنته بالقداس الذي كتبه باخ من مقام (سي صغير) فهو عمل هائل بكثافته يذكر بالسيمفونية التاسعة، حوار هائل بين الخلق والخالق، وقد وضع فيه بيتهوفن ثقته بالله التي أحس بوجودها طوال حياته.

كذلك نذكر سان سانزSaint-Saens وفرانز ليست Franz Liszt كتب بعض المزامير ومؤلفات الأوراتوريو والقداسات و هنالك قداس فوريه Faure الجنائزي و (القداس الأدنى) الذي كتبه لثلاثة أصوات نسائية وأورغن.

3-لحن الكورال (اللوثري): تنشد (الكورال) بأصوات موحدة الأنغام بالأصل، لكن سرعان ما اتخذت طريقة إدخال هارمونية عليها لتنشد من أربعة أصوات موزعة بالتزام طريقة (نوتة ضد نوتة) في هذه الخطوط الموزعة، وبشكل عام كانت الميلودية تنشد من طبقة تينور أو سوبرانو. أما كتابة الموسيقى فكانت مخففة جداً لكي يحافظ على إبراز معنى الكلمات. وفي حالات هارمونية مشحونة أكثر من العادة كانت الميلودية تنشد من الصوت الأعلى، في حين تبقى الأصوات الأخرى كمجموعة مساعدة من الميلوديات المختلفة Polymelodie لتبرز بساطة (لحن الكورال) وأداء هذا اللحن إذا كان يسند إلى مجموعة مدربة من المنشدين.

والمؤلفون الذين أسهموا بمؤلفاتهم في تكوين حصيلة (ألحان الكورال) عديدون. ولم يؤلف لوثر ألحاناً وإنما أبرز أهمية الموسيقى في المراسم الطقسية، وقد ضاعف مجموعة الألحان كل من فالتر وهاسلر وإيكارد وشاين وشوتس.

ولقد أدخل باخ في مسرحياته الدينية (الأوراتوريو) و (سير المسيح) ألحان الكورال في صورة تأملات رائعة لشخص اكتشف عظمة الخلق. وكانت القاعدة العميقة التي ترتكز عليها موسيقى باخ الدينية. ولهذا فهو يظهر في الموسيقى بصور أكثر تنوعاً (مونودي) ومزخرف ومشروح. ويكشف باخ في مؤلفاته الكبيرة وألحانه للكورال التي كتبها للأرغن عن تأملاته السرية في الغوامض الدينية.

4-الأغنية البوليفونيه: احتفظت الأغنية البوليفونيه بطابع نشيط وبشوش وعلى جانب خفي من الأسى التي تحتفظ به الأغنية ذات الصوت الواحد، كما أثرت عليها الكتابة الخاصة بال موتيه، ولما كانت قد قصد منها الغناء دون مصاحبة الآلات لهذا كانت في غالب الأحيان مكتوبة لأربعة أصوات غنائية، ومع ذلك فليس من النادر أن تجدها مكتوبة لثلاثة أو خمسة أدوار غنائية موزعة. وبناء الأغنية البوليفونيه مرن جداً ويصب بسهولة في قالب النص الشعري. ويمكن أن نعود بأصل الأغنية البوليفونيه إلى غيوم دي فيه وكتب آدم دي لاهال أغانيه من (الروندو) وفي عصر الفن الجديد Ars Nova كتب غيوم دي ماشو منها أجمل أغاني البالاد Ballad والروندو والليه Lais والفيرليه Virelais. وعندما اتصلت الأغنية البوليفونيه بالفن الشعبي خف ثقلها. وكانت هذه الأغاني خاضعة لإيقاع الشعر، ومن أبرز كتابها أنطوان باييف وكلود ليجين وأندريه كابليه.

5-المادريجال: في النصف الأول من القرن السادس عشر بإيطاليا، تخلصت المادريجال من أغاني (فروتولا) تلك الأغنية المكتوبة لعدة أصوات، ومن ميلودية سهلة، وتسير بعملية كونترابنطية (نغم ضد نغم) في كل خطوطها الغنائية، وكان إيقاعها راقصاً، وكانت المادريجال مثل الفروتولا تتغنى بالحب، ولكن بطريقة ناعمة، وأول أساطينها فيرديلو وأركادلت. ومن ثم جابريللي وفينوزا ومنتيفردي الذي برزت شخصيته الواضحة في الكتب الأولى الخمسة للمادريجال، ومن أعماله: (هكذا يهدر الموج) و (متاعب أماريللي) و (رأيتهم يموتون).

ومن ثم في القرن السادس عشر أصبحت انكلترا الموطن الحقيقي للمادريجال، فقد نشطتها الآثار الشعبية ومن أهم من كتب هذا النمط هناك: وارد Ward وويلبي Willbye ووليم بيرد Byrd وويلكيز Weelkes.

ومنذ القرن السابع عشر اختفت المادريجال وانحطت تماماً، ومع ذلك فقد استمرت لمدة طويلة الأغنية المفضلة في انكلترا، وتأسست (جمعية المادريجال) عام 1741 وهي تحاول المحافظة على تقاليدها حتى أيامنا.

مثال عن الترتيل الجريجوري:

Abbaye de Solesmes: Dom Garad

مثال عن أغنية الموتيه:

آدم لاهال Tant con je vivrai- Adam La Halle

Guillaume Dufay - O Gemma Lux:

مثال عن القداسات:

قداس بيتهوفن مقام ري:

مثال عن ألحان الكورال:

Claude Goudimel

مثال عن الأغنية البوليفونيه:

Adam de la Halle - Je muir, je muir d'amourete أدم دي لاهال:

غيوم دي ماشو – Guillaume de Machaut De Fortune Me Doi Plaindre Et Loer/

مثال عن المادريجال:

منتي فيردي Monteverdi: "Altri canti d'amor, tenero arciero" (Madrigal from Book VIII)

المصادر:

عن كتاب (تمهيد الفن الموسيقي) _ ماكس بشنار Max Pichnard 1965