التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

دور التوعية الشاملة في درء العنف الجنسي

استمع على ساوندكلاود 🎧

غالباً ما يتمّ التغاضي عن التوعية الجنسيّة كأداةٍ فعّالةٍ في منعِ العنفِ الجنسيِّ، إلّا أنِّ التوجيه ضدَّ أيِّ نوعٍ من السلوكيات المؤذية أو السلبيّة لا بُدَّ مِن أن يترافقَ مع تأمينِ بديلٍ صحيٍّ يحلُّ محلَّه. فكما لا يمكنك أن تكتفي بالحثِّ على تركِ الأطعمةِ الضارِّة بدونِ توفيرِ بديلٍ، كذلك الأمر هنا.

- ما هو العنف الجنسيSexual Violence ؟

هو فعلٌ جنسيٌّ موجَّهٌ ضدَّ شخصٍ بدونِ أن يوافقَ بكاملِ إرادته المستقلَّة، ويُصنَّفُ ضمنُ هذا المفهوم:

- محاولةُ أو حدوثُ الجِماعِ القسريِْ مع الضحيَّة أو إجبارُ الضحيّةِ على مجامعةِ مَن يرتكبُ الجريمةَ بحقِّها، أو شخصاً آخر دون إرادتها أو تحتَ تأثير الكحولِ والمخدّرات.

- الجماعُ غير المفروض بشكلٍ عدوانيٍّ والذي يحدثُ بعدَ إجبارِ الضحية كلامياً أو من خلالِ جعلِ الضحيّة تشعرُ بالخوف، أو عن طريقِ إساءةِ استخدامِ السُّلطة.

- تماسٌ جنسيٌّ غيرُ مرغوب.

- تجاربُ جنسيَّة غير مرغوبة من قِبلِ أحد الطرفين دون أن تشمل التماس، كالتحرّش اللفظي.

- كيف يمكننا منع حدوث العنف الجنسي؟

تُعدُّ الحلولُ التي تتّخذُها برامجُ الوقايةِ من العنفِ الجنسيّ معقدَّةً كتعقيد مشكلة العنف تماماً. يجبُ أن تتمكن الجهود المبذولة من تخفيض عدد الأفراد الذين يُمكنُ أن يرتكبوا جريمةَ العُنفِ الجنسيِّ.

تركُّز الخططُ الوقائيّة الأكثرُ شيوعاً حاليّاً على الضّحيّة أومرتكبِ الجريمة أو شهودِ الحدث. تُسمَّى الخططُ التي تركِّزُ على رفعِ الوعي أو المعرفة أو مهارات الدفاع عن النفس لدى الضحية المستهدفة بآليات تخفيض الاختطار.

في حين تحاول الخطط التي تركز على مرتكبي الجريمة تغييرَ عواملِ الخطر لخفضِ احتماليّة مساهمة الفرد في سلوكٍ عنيفٍ جنسيّاً.

و يهدف التركيزُ على مَن يشاهدُ الحدث إلى تغييرِ الأعرافِ الاجتماعيَّة التي تدعمُ العنفَ الجنسيَّ وتقوّي الرجال والنساءَ و تشجّعُهُم على التَّدخُّلِ لمنعِ حدوث الاعتداء.

تهدف الخططُ الأخرى لمحاولةِ تغييرِ الأَعرافِ الاجتماعيَّة بشكلٍ مباشرٍ، أو تغييرِ السياسات والقوانين في المجتمعاتِ لخفضِ حدوثِ العنفِ الجنسيِّ في المجموعِ السُّكانيّ ككلّ.

- ما هي التوعية الجنسيَّةُ الشامِلة وما هي التوعية الجنسية بالامتناع عن الجنس؟

تقوم التوعية التقليدية على فكرةٍ أساسيَّةٍ وهيَ أنَّ الامتناعَ عن الجنس هو الطريقُ الوحيدُ للوصولِ إلى حمولٍ مرغوبةٍ ومَنعِ انتشار الإنتانات المنتقلة بالجنس وفيروسُ عوزِ المناعةِ المكتسب (HIV). كما يحثُّ هذا النمطُ من التعليم الفتياتِ بشكلٍ خاص على رفضِ محاولاتِ التَّقارُِب الجنسيّ وكيفَ يمكنُ لمُعاقَرة الكحول أو المخدرات أن تزيدَ من احتماليَّة أن تكونَ الفتاةُ ضحيَّةً للعُنفِ الجنسيِّ، وذلكَ بهدفِ ترسيخِ فكرةِ أنَّ العلاقةَ أحاديَّة الشريك بين متغايرين جنسياً هي الشكلُ الوحيدُ للنشاطِ الجنسيِّ البشري.

أما التوعية الجنسيَّةُ الشاملة، فهي تختلفُ عن التوعيةِ التقليديَّة بإقدامِها على شرحِ مفاهيمِ القبولِ الصحيِّ والرغبةِ المتبادلةِ وموانعِ الحملِ الذكريَّة والأنثويَّة وكيفيَّة الوقايةِ من فيروسِ عوزِ المناعة المكتسب وغيره من الإنتانات المنتقلةِ بالجنس، كما توضِّحُ معنى الاعتداءِ الجنسيِّ والجنس بين المثليّين جنسيَّاً وإيجابيَّةُ الجنسِ والخياراتُ التي يُمكنُ اتّباعُها في حالِ حُدوثِ حملٍ غير مرغوبٍ به.

- يعتقد العديدون بأن تعليم الشباب الامتناع التام عن الجنس كافٍ وكفيلٌ بحلِّ المشكلة فهل يعد ذلك صحيحاً؟

بعيداً عن المعتقدات الشخصية وما يحملُه كلُّ شخصٍ من أفكارَ حول العلاقةِ الجنسيَّة قبلَ الزواج والامتناع عن الجنس، فالحقيقةُ أنَّهُ لا يمكن غضُّ النظرِ عن التعليمِ الجنسيِّ القائمِ على الامتناع عن الجنس فقط.

أولاً: يتجاهلُ هذا النمطُ من التوعية الاعتداءَ الجنسيَّ والاغتصابَ، ومن خلالِ تأكيدِه لعدمِ صحَّةِ العلاقة الجنسية خارج الزواج فهو يقفُ حائلاً دونَ مناقشةِ فكرةِ أنَّ القبولَ قد يكونُ موجوداً أو غائباً بغضِّ النظرِ عن الحالةِ الاجتماعيَّةِ للشخصِ متزوجاً كان أو غيرَ متزوِّج، حيثُ تصبحُ هذه العلاقة القائمة بالتراضي بين الطرفين مساويةً في نظر المجتمع للقسرِ الجنسيِّ طالما أنَّها قد حدثَت قبلَ الزواج.

ثانياً: غالباً ما يشعرُ ضحايا الاغتصاب والناجون من العنفِ الجنسيِّ بالذنب و التَّحقير ولومِ الذات في ظلِّ هذا النوع من التعليم الجنسيِّ. بالإضافةِ إلى ذلك، يُحَثُّ ضحايا العنف الجنسي على الصمتِ وعلى محاولةِ إخفاءِ الجريمةِ المُرتَكَبَة بحقِّهِم بدلَ مِن أن يُبلِّغوا عنها.

ثالثاً: عندَ ترسيخِ فكرةِ أنَّ كلَّ علاقةٍ جنسيَّةٍ خارجَ الزواجِ هي خاطئةٌ فإنَّ مَن يشهدُ حالةَ التعنيفِ الجنسيِّ لن يتدخَّلَ بل سيقفُ مُتفرِّجاً لأنَّ ما يحدُثُ لا يهمُّه طالما أنَّهُ خارجَ الزواج وبذلك نفقد أحدَ أهمِّ عواملِ الوقايةِ من الاعتداءِ الجنسيِّ وهو تدخُّلُ المحيط.

رايعاً: يرسِّخُ هذا النوعُ من التوعيةِ فكرةَ أنَّ الذكور يطاردون الإناث وأنَّ الإناث متلقياتٌ سلبياتٌ يتحمَّلنَ مسؤوليةَ مقاومةِ كلِّ المبادراتِ الجنسيَّةِ الذكوريَّة، محافظاً ومرسِّخَاً لما قد يسمى بـ"العُرفِ الجنسيِّ" وعلى الرغمِ من أنَّ هذه الطريقةِ قد تقدَّمت قليلاً من ناحيةِ طريقة العرض، فإنَّها ما زالت تقدِّمُ الإناثَ كضحايا محتملاتٍ يحتجنَ إلى رعايةٍ أو كإناثٍ جذَّاباتٍ جنسيَّاً يُسِئْنَ استخدامَ جانِبِهِنَّ الأنثويِّ لتحقيقِ أهدافِهِنَّ. مشلكةٌ أخرى تطفو إلى السطحِ مع هذه المفاهيمِ وهي أنَّ الأنثى التي تَمْتنعُ عن الجنس تماماً تصبحُ "أنثى جيدة" تستحقُّ الحماية من قِبَلِ "شُبّانٍ جيدين" في حينِ تُصبِحُ الأنثى التي تختارُ التعبيرَ عن جنسانيَّتِها بشكلٍ طبيعيٍّ "أنثى سيئة" تستحقُّ التعنيفَ من قِبَلِ "شبَّانٍ سيّئين" لأنها تجرَّأَت و بادرت جنسيَّاً.

- كيف يمكن للتوعية الجنسية الشامِلةِ أن تساعد في منع حدوث الاغتصاب والعنف الجنسي؟

توضِّحُ التوعيةُ الجنسيَّةُ الجيِّدةُ للشبابِ السلوكَ الجنسيَّ الصحيَّ ومفهومَ القبولِ المُشترَكِ بينَ الطرفين وكيفَ يجبُ أن يبدو الاتفاقُ بينهما في الرغبات.

يجب أن يعلمَ الناشطون جنسيَّاً أنَّ لهم دائماً وأبداً الحقُّ في قبولِ أو رفضِ أيِّ سلوكٍ أو عملٍ جنسيٍّ وأنَّهُ لا يحقُّ لأيٍّ كانَ سلبُهُم ذلكَ الحق ويجبُ عليهمُ التكلُّم دائماً عندَ حدوثِ أيِّ خرقٍ في ذلك سواءَ تمَّت محاولةُ الاعتداء عليهم أو على أقرانهم.

من مهام التوعية أيضاً أن تعلِّمَ كيفَ تتمُّ تهيئةُ الأجواء الملائِمةِ للحوارِ والتَّواصلِ بين الشريكين وتعليمِ الوسائلِ والممارساتِ الجنسيَّةِ الصحيَّة وتمييزُها عن تلكَ التي قَدْ تُلحِقُ الأذى بالفرد، كما يجبُ أن يتمَّ حثُّ الناس على طرحِ الأسئلةِ حولَ الأدوار الجنسية وعدمِ قبولِ العنفِ كنموذجٍ جنسيٍّ يؤذي الحياةَ الوظيفيَّةَ للفرد.

يجبُ أن يكونَ واضحاً لكلِّ الأفرادِ أنَّ الاغتصاب لا يُعدُّ بالنسبة للضحية "جنساً غير مرغوب به" فحسب بل هو اعتداءٌ يتحمَّلُ مسؤوليَّته المغتصبُ بشكلٍ كامل.

إنَّ تعلُّمَ ماهيَّةِ السلوك الجنسيِّ الصحيِّ بطريقةٍ علميَّةٍ في المدارس يتيحُ المجالَ لتكوينِ صورةٍ علميَّةٍ حقيقيَّةٍ للمراهقين الذين قد يكونونَ في حالةِ تشوُّشٍ بسبب الرسائل المتضاربة التي تنشرها وسائل الإعلام و المجتمع.

- ولكن هل كل المجتمعات مهيَّئةٌ لهذا النوع من التوعية؟

أظهرت التجربة من حول العالم أنَّه من الممكن أن يتمَّ تقديمُ التعليمِ الجنسيِّ حتَّى في المجتمعاتِ المُحافِظة ثقافياً. يوجدُ العديدُ من المصادرِ التي يمكنُ استخدامُها في هذا السياقِ مثلُ موادٍ تدريبيَّةٍ للمعلِّمين ومناهجَ تعليميَّةٍ وكتب إرشاديَّة لتطويرها ومصادر للمواد.

أصدرت اليونسكو دليلاً تعليمياً عالمياً يتضمَّنُ مجموعةً من الكُتب عاليةِ الجُودَة عن كيفيَّة التعليم الجنسيِّ وكتبَ إرشاديَّةً للمدرِّبين. هذه الكتب هي نتاجُ البحث المستمر وهي مقسَّمةٌ بحسبِ الشرائحِ العمريَّة بدءاً من 5 سنوات وحتى 18 سنة لترسيخِ الأفكارِ الصحيحة حول العلاقاتِ والقيمِ والجنسانيَّةِ البشرية وما يعنيه السلوك الجنسي الصحيُّ والرفضُ والقبول.

وبذلك تكون التوعية الجنسيَّة الشاملةُ أداةً بالغةَ الأهميَّةِ لتخفيف انتشارِ وشدَْة العنفِ الجنسيِّ عند النظر إليه كمشكلةٍ صحيَّةٍ عامَّةٍ. أَمَّا من منظورٍ اجتماعيٍّ فيغيِّرُ هذا النمط من التوعية المواقفَ الاجتماعيَّةَ التي تلومُ الضحيَّةَ أو تكبُتُها، لتؤدِّي في النهاية إلى تحسينِ حالةِ الضحايا الناجينَ مِن العنفِ الجنسيِّ وتساعدَ في الوقاية من الاعتداءات اللاحقة في أجيال قادمة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

www.coe.int/t/dg3/children/1in5/Source/PublicationSexualViolence/Gordon.pdf