البيولوجيا والتطوّر > التطور

اكتشاف أقدم أحفورة على كوكب الأرض!

استمع على ساوندكلاود 🎧

اكتشف فريقٌ بحثيٌّ دَوليٌّ تقودُه كلية لندن الجامعة أقدمَ أحافيرٍ على الإطلاق في مقاطعة (كيبك) الكندية. وتعودُ هذه الأحافير الدقيقة لبقايا كائنات دقيقة عاشت قبل ما يقرب من 4 مليارات عام، وتشتهر هذه المنطقة من مقاطعة كيبك التي عُثرَ فيها على تلك الأحافير بوجود أقدم الصخور الرسوبية في العالم التي يُعتقد أنَّها تكوِّن جزءاً من أنظمة الفوهات الحَرَمَائية* الغنية بالحديد في أعماق البحار عندما كان هذه الجزءُ من كندا في قاع المحيط الحاوي تلك الفوهات، ومن هنا تبرزُ أهميةُ هذا الاكتشاف في دعم نظرية نشوء أشكال الحياة الأولى في تلك الفوهات الساخنة قبل 3.77 و 4.28 مليار عام، أي بعد تشكُّل كوكب الأرض بوقت قصير نسبياً، وهو وقتٌ أقدمُ قليلاً مما يُعتَقدُ حالياً بأنَّه وقتُ ظهور الحياة على الأرض (3.4 – 3.5 مليار عام). والأحافيرُ هذه عبارةٌ عن خيوط وأنابيبٍ شبيهةٍ بالقَّش من مادة الهيماتيت** مغلفةٍ بطبقاتٍ من الكوارتز، تكوَّنت هذه الأنابيبُ بفعل البكتريا التي كانت تتغذى على الحديد في الصخور كما في الصور أدناه.

أنابيب الهيماتيت

خيوط الهيماتيت

كيف تشكلت هذه الأحافير؟

كان مكانُ اكتشاف الأحافير في كندا عبارةً عن فوهةٍ حَرَمائيةٍ في قاع المحيط في الوقت المُتوقَّع لظهور الحياة على الأرض قبل مليارات السنين، وقد كانت هذه البكتريا التي كوّنت الأحافيرَ تنمو حول هذه الفوهات وتتغذى وتنتجُ الطاقةَ من التفاعلات الكيميائية التي تحدث هناك. وعندما تموت تلك الميكروبات، يدخل الحديدُ الموجودُ في الماء في أجسامها المتحللة ليحلَّ تدريجياً محلَّ تراكيبها العضوية، أي تعملُ هياكلُها كقالب للحديد، وفي النهاية تنتجُ أجساماً متحجرة أو أحافير. بعد التحليل الدقيق، قدّر الباحثون عمرَ أحدث تلك الأحافير بحوالي 3.77 مليار عام، بينما قد يكون وجودُها هناك أقدمَ من ذلك (4.28 مليار عام)، ما يعني فقط 260 مليون عام بعد تشكُّل الأرض، وهو وقت قصيرٌ بالمقاييس الجيولوجية!

قد تكون العينة غير بيولوجية، ولكن...

وقبل هذا الاكتشاف، كانت أقدمُ أحفورة قد اكتُشِفت تقع في غربي أستراليا وتعود إلى 3.46 مليار عام، إلا أنَّ بعضَ العلماء يعتقدون أنَّها ليست بيولوجية، وهنالك أيضاً أحافيرُ أخرى يُعتقد أنَّها لبكتريا البناء الضوئي (Photosynthetic bacteria) اكتُشفت في غرينلاند ويُقدَّر عمرُها بـ 3.7 مليار عام ولكنَّها هي الأخرى لا تزال تنتظر تأكيدها. لذا كان من أولويات الفريق البحثي الحالي تحديدُ إن كانتِ الأحفورةُ المُكتشَفة في كندا ذاتَ أصل بيولوجي أم لا. وعليه، بحثَ الفريقُ عن أي علامات قد تُدلِّل على أنَّ تلك التراكيبَ الأنبوبيةَ قد تكون بفعل عواملَ غيرِ بيولوجية كالحرارة وتغيُّرات الضغط على تلك الصخور أثناء عملية الترسيب، ولكنهم وجدوا أنَّ كلَّ تلك الاحتمالاتِ مستبعدة؛ فالتراكيبُ في معدن الهيماتيت لها نفسُ خصائص التفرُّعات التي تنتج بفعل نشاط البكتريا المؤكسِدة للحديد الموجودة في الفوهات الحَرَمائية في قاع البحار اليوم، علاوةً على وجود بعض المعادن الأخرى كالغرافيت والأباتيت والكربونات التي توجد في العينات البيولوجية كالعظام والأسنان، وتكون عادةً مصاحبة للأحافير.

أهمية هذا الاكتشاف

تُمثل هذه الأحافيرُ القديمة (جداً!) تحدياً جديداً لمفاهيمنا حول أصل الحياة ونشوئها على كوكبنا، وحول الظروف التي أدت إلى ظهورها، وإذا ما ظهرت على كواكبَ أخرى، وإذا ما كانت الحياةُ ظاهرةً كونيةً أم صفةً مُميِّزةً لكوكب الأرض خصوصاً أنَّ عمرَ تلك الأحافير يرجع إلى الزمن الذي كان فيه المريخ دافئاً ويحتوي محيطاتٍ من ماء سائل، ما يُحتِّم على العلماء البحثَ عن دليل يحسم الجدلَ حول وجود الحياة على المريخ قبل 4 مليارات من الأعوام، أو على الكواكب الأخرى.

وفي النهاية ندعوكم إلى مشاهدة الفيديو الآتي الذي يوثق هذا الاكتشاف، متمنين لكم قراءة ومشاهدة مفيدة وممتعة:

*الفوهات الحرمائية hydrothermal vents: أو الفتحات الحرارية-المائية، هي شقوق في أعماق المحيطات توجد عادةً عند منطقة التقاء الصفائح التكتونية، وهي تشبه المداخنَ وتُصدر الماءَ الحارَّ بتسخين ماء البحر المترشح من القشرة الأرضية إلى درجات حرارة عالية جداً بفعل الصُّهارة الصخرية الناتجة عن النشاط البركاني، وتعيشُ حولها كائناتٌ حيةٌ تتحمل تلك الظروف المتطرفة وتقول معظم الدراسات العلمية إنَّ الأشكالَ الأولى للحياة بدأت حول هذه الفوهات.

**الهيماتيت Hematite أو حجر الدم: أوكسيد الحديد الثلاثي، وهو أكثر أكاسيد الحديدة وَفرةً وأهميةً في إنتاج الحديد، صيغته الكيميائية (Fe2O3). (المصدر: هنا).

المصادر:

هنا

هنا

الورقة البحثية: هنا