الهندسة والآليات > التكنولوجيا

أولُ مصنعٍ للأشعةِ السينيّة يستعدُ لبدءِ عملهِ في الشرق الأوسط

في ظلّ الاضطرابِ السياسيّ الحاصلِ اليومَ في الشرق الأوسط، وفي ظلّ العقوباتِ الدوليّة الكبيرةِ على دولِ هذه المنطقة كان من الإعجازِ بمكانٍ كهذا أن نرى صرحاً علمياً حضارياً بكل معنى الكلمة، لكن "سمسم" دحضَ هذا الإعجاز، فأكبرُ مركزِ أبحاثٍ دوليّ في الشرق الأوسط أصبحَ واقعاً اليوم، فسمسم أو SESAME و هي اختصار ل "السنكروترون الضوئي للعلوم التجريبية وتطبيقاتها" أصبحَ اليوم على أبوابِ تدويرِ أولِ جسيماتِه ما دون الذّريّة.

ستبدأُ الآلةُ التي تقبعُ خارجَ العاصمةِ الأردنية عمان بتسريع الالكترونات بحلقة طولها 133 متراً ، وسيتمّ البدءُ باستخدامِ الحُزم الناتجة من الإشعاع الكثيفِ من أجل التجاربِ العلميةِ بدءاً من أيار 2017.

رغم أنّ سمسم يعملُ بنصفِ طاقته اليوم، لكن موقعَه في الشرقِ الأوسطِ يُشكّلُ إسهاماً كبيراً في العلوم، ويُمهّد الطريقَ لتعزيز ثقافة التكنولوجيا كحالةٍ فنيّة علميّة في منطقةِ الشرق الأوسط" حسبَ قولِ المديرِ خالد طوقان.

ببساطة فإنّ سمسم هو نتاجٌ للتعاونِ بين: "البحرين - مصر - قبرص - إيران - الأردن - فلسطين -تركيا - وباكستان وإسرائيل"، وتمّ إنشاؤه تحتَ رعايةِ الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وقد تلقى المشروعُ دعماً وتمويلاً من دولٍ أخرى ومن الاتحاد الأوروبي.

تقومُ الآلةُ بتوليدِ ضوء في مجالٍ واسع من الأطوالِ الموجيةِ، ثمّ توجيهِ الحزمةِ الضوئية إلى "خطوط إشعاع" مكثفةٍ ذات تردداتٍ معينة. ويمكن لهذا أن يحملَ فائدةً كبيرةً جداً في مجال الكشف عن البنى والهياكل المعدنية والعينات البيولوجية وصولاً إلى المستوى تحت الذَريّ.

يتسعُ مُسرّع سمسم لـ 24 خط إشعاع. حيثُ كانت الخطةُ تقتضي البدءَ بتشغيلِ أربعةِ خطوط إشعاع، لكن بسببِ نقصِ التمويل لن يتمّ تشغيل سوى خَطي إشعاع هما: (خط أشعة سينية - خط أشعة تحت الحمراء).

يواجهُ مشروعُ سمسم اليوم العديدَ من المشاكلِ المتعلقةِ بنقص التمويل، فإيران لا تُسدّد ما عليها من مبالغَ للمشروعِ بحجةِ العقوبات الدوليّة، وكذلك تفعلُ قبرص التي تتحججُ بضعفِ اقتصادها المهزوز منذُ الأزمةِ الاقتصادية في 2011. دولتان فقط اليوم تُسددانِ ما عليهما من مستحقاتٍ للمشروع بشكلٍ كاملٍ وهما تركيا والأردن، ولا ننسى هنا أن الاضطراب السياسي الذي أودى بحياة عالمين إيرانيين كانا ضمنَ مشروعِ سمسم في العام 2009 كان عائقاً آخر للمشروع.

ومع ذلك، فإنّه من المتوقعِ أن ينتهي المهندسون بالتعاون مع 2600 باحثاً جلّهم من جامعاتِ شرق أوسطية وفي مجالات الأدوية والفيزياء، من فحص السنكروترون في أيار القادم 2017 ليكون جاهزاً لاستقبال الخطين الإشعاعيين الجديدين.

يأملُ مديرُ مشروعِ سمسم أن يُشكّلَ هذا المشروعُ حافزاً للشباب المفكر والعقول النيرة للبقاء في المنطقة والحد من الهجرة، بالإضافة إلى تعزيزِ التعاونِ بين المجتمع العلميّ والصناعيّ وخلقِ فرصٍ للباحثين الذين يفتقرون إلى الأموال لمغادرة الشرق الأوسط.

سيتمّ الاستفادةُ من مشروع سمسم والمسرع السنكروتروني من أجلِ البحوثِ التاريخية المتعلقة بالآثار الثقافية الموجودة في بلدان الشرق الأوسط.

حيثُ يريدُ غانويغ وهو باحثٌ في الآثارِ من الجامعة العبرية في القدس استخدامَ السنكروترون لدراسةِ تكوينِ وأصل الآثار الموجودة في الشرق الأوسط؛ لفهم تاريخ هذه المنطقة، وبالأخص مخطوطات البحر الميت التي تمتلك إسرائيل 70% منها.

بلغت تكلفةُ مشروعِ سمسم قرابةَ الـ 110 مليون دولار، وتمّ تقديمُ سدسُ المبلغِ من قبل مركز الإشعاع السنكروتروني في غرونوبل، فرنسا. وتمّ تقديمُ أجزاء أخرى من المشروع من قبل مراكز أوروبية أخرى، بالإضافةِ إلى أنّ أرضَ المشروعِ قدمت مجاناً.

مع نهاية العام 2018 سيتم الانتهاءُ من تثبيت خطوطِ حزمة جديدة. وقد تمّ تقديم مليوني دولار من قبل المركز الأردني للبحث العلمي من أجل إنشاءِ خطِ حزمةٍ ثالثٍ لتمثيل عملية بلورة البروتين. كما سيتم البحث عن مصدر تمويل آخر لإنشاء خط حزمة رابع.

حتى اليوم لا يوجد جدولٌ زمنيّ لإتمام عمليةِ إدخالِ خطوط الحزم العشرين المتبقية. حيث يأمل الجميع أن يساهمَ مشروعُ سمسم في إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط كما فعلَ مركز الأبحاث النووي الأوروبي "سيرن" والذي ساهم في علاج الجروح العميقة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، واستطاعَ جمعَ العلماءِ السوفييت وعلماءَ الغربِ ضمن مشروعٍ واحدٍ هدفه العلم في ذروة الحرب الباردة.

يقول روي بيك عالم الفيزياء البيولوجية من جامعة "تل أبيب":

"في النهاية، أتمنى أن يفهم الناس من جميع الاتجاهات بأن مشروع سمسم فرصة حقيقية لهم من أجل إرساء التعاون العميق بين الجميع في منطقة الشرق الأوسط من أجل الوصول إلى أشياء توحدهم جميعاً".

فهل يا ترى سنرى تقدما في هذا القطاع في الزمان القريب !

المصدر:

هنا