الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

هل يحتاج البالغون للحليب ومشتقاته فعلاً؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

قد يكون الحليب المادة الغذائيةَ الأكثرَ أهمية في تغذية الإنسان كونَه الغذاءَ الأساسيّ للرضّع، ويلعب الدورَ الأول في بناء أجسامِهم، ولكنّه الأكثرُ جدلاً أيضاً، فهل يحتاجُه البالغون؟ أم أنّ بإمكاننا الاستغناءَ عنه؟

يحتوي الحليب على العديد من العناصر المغذيّة فهو غنيٌّ بالبروتينِ والطاقة والكالسيوم والفوسفات والفيتامينB واليود والعديد من العناصر الغذائية الأخرى. ويختصّ الحليب بسكرٍ خاص به هو سكر الحليب الذي يسمّى علمياً بسكر اللاكتوز.

يحتاج سكر اللاكتوز إلى إنزيم خاص يُعرف بإنزيم اللاكتاز، والذي يعمل على السماح بمرورِه عبر جدران الأمعاء إلى مجرى الدم. وهو متوافرٌ بكمياتٍ كبيرةٍ عند الرضّع، ممّا يسمح لهم بامتصاصِ الحليب دون أيةِ مشاكل، وذلك طبعاً في حال عدمِ معاناةِ الرضيع من حالة صحيّةٍ خاصة.

أما فيما يتعلق بنا نحن البالغون، فالأمر متفاوتٌ ومختلف، إذ تبرزُ في المجتمعات التي لا يشكّل الحليب جزءاً هاماً من النظام الغذائي التقليديّ (كما في الصين واليابان)، سِمَةُ عدمِ تحمل اللاكتوز، وذلك إثرَ توقّفِ جسم الطفل عن إفراز إنزيم اللاكتاز بعد الفِطام، مما يعيقُ امتصاصهُ لاحقاً ويسبب بعض الاضطرابات في الجهاز الهضمي. وعلى العكس تماماً، نجدُ أن هضم الحليب وامتصاصَ مكوناتِه يستمرّ بشكل طبيعيّ في المجتمعات التي تستهلكُهُ بصورةٍ منتظمة، كما هو الأمر في دول أوروبا، حيث يُلاحظُ أن أجسام البالغين استمرّت بإنتاج اللاكتاز بكميات وافرة.

ويلاحظُ أن استهلاك منتجات الحليب المتخمّرة كاللبن والأجبان عادةً ما تكون أفضل وأقلَّ وطأةً على الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، ذلك أن عملياتِ التخمرِ التي تحدث ضمن هذه المنتجات تُشجع الجراثيم المفيدةَ التي تستوطن هذه الأغذيةَ على استهلاكِ معظم سكر اللاكتوز وتحويلِه إلى نواتج أخرى، مما يتيح لهؤلاء الأفراد القدرةَ على استهلاكِ منتجات الحليب والاستفادة من قيمتِها الغذائية دون التعرض لأي مشاكل صحية، فضلاً عن احتوائها على الجراثيم النافعة والتي تعرف باسم البروبيوتيك (لمعرفة المزيد عن البروبيوتيك ومصادرها وفوائدها اقرأ مقالنا السابق هنا).

من جهةٍ أخرى، يحتوي الحليب على كمياتٍ من الكالسيوم الهام لصحة جسم الإنسان وبناء العظام والأسنان، وإنّه لأمر جيدٌ أن يحافظ المرءُ على مستوياتٍ جيدةٍ من الكالسيوم.

وبالنظر إلى كمياتِ الحليب المستهلكة من قبل الشعوب المختلفة، فقد تبين أن نسبةَ الإصابةِ بكسور في عظم الفخذ كانت أعلى بنسبةِ 150% لدى الشعوب التي تستهلك الحليب بكميات ضئيلةٍ (مثل الصين واليابان) مقارنةً بشعور أميركا وأوروبا، وذلك نتيجةَ ضعف كثافة المعادن في العظام. وبناءً على ذلك خلصَت دراستان أجريتا في العامين 2014 و2015 إلى أن كميةَ الكالسيوم التي يحصلُ عليها الشخص البالغ ليست مهمةً في حمايتِه من الكسور بقدرِ أهميةِ الحصول عليه في فترتي الطفولة والمراهقة، إذ تتحدّد قوةُ العظامِ وصلابتها في هاتين الفترتين.

إضافةً لذلك، فقد أشارت دراسةٌ أخرى إلى نقطةٍ هامةٍ تتعلّق بالأطفال الذين يعانون من حساسية تجاه الحليب، إذ لوحظ أنّهم يعانون من نقصٍ في قوة العظام حتى بعد إعطائهم مصادرَ بديلةً للكالسيوم، وهذا يدل على أنّ بدائل الحليب التي تحتوي على الكالسيوم ما زالت غير كافيةٍ لتعزيزِ كثافةِ العظام عند الأطفال.

كما يبدو أن تعويض المغذيات الأساسيةَ الموجودةَ في الحليب ومنتجاتِه ليس أمراً سهلاً عند اتّباع حميةٍ تُستبدلُ فيها منتجات الألبان بغيره من الأطعمة حتى وإن احتوَت على نفسِ المقدار من الكالسيوم، مثل الخضارِ الورقية أو حليب الصويا المدعّمِ بالكالسيوم، إذ ستكونُ هذه الحميات فقيرةً بالبروتين، والبوتاسيوم، والمغنزيوم، والفوسفور، والرايبوفلافين، والفيتامين A، والفيتامين B12. فضلاً عن دورِ الحليب في تزويد الجسم بالأحماض الأمينية الضرورية لبناء العضلات وإصلاح أضرار الأنسجة، والتي لن يتمّ تعويضُها إلا باتّباع نظامٍ غذائي معينٍ ومضبوط.

الخلاصة:

لا شكّ أنّ وجودَ واستهلاكَ منتجاتِ الحليب أمرٌ أساسيّ في التغذية والصحة، ومهمٌّ في استمرارِ الحياة البشرية. وقد لا يكون احتياجُ البالغين من الحليب شديداً بقدرِ الرّضعِ والأطفال، إلّا أنّه سيزوّد الجسمَ بالكثير من المغذّيات الضرورية التي يصعب الحصول عليها من مصادرَ أخرى، علماً أنّ تناولَهُ من قِبل البالغين لن يقلّل من خطر الإصابة بالكسور، حيث أن قوةَ العظام تتحدّدُ بكمية الكالسيوم بالمأخوذةِ في فترةِ الطفولة والمراهقة، وهو ما تطرّقنا إليه في مقالٍ سابق هنا.

كما يمكنكم الاطلاع على مقالنا حول مصادر الكالسيوم البديلة للحليب لمن لا يستطيع أو يرغب بتناول الحليب ومنتجاتِه هنا.

والفوائد الصحية لكلّ من الحليب هنا وبدائل الحليب هنا.

المصدر:

هنا

الأبحاث المرجعية المذكورة:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا