التعليم واللغات > اللغويات

كيف يقرأ المكفوفون ويكتبون: نظام بريل للمكفوفين بين الأمس واليوم

استمع على ساوندكلاود 🎧

يستخدمُ المكفوفون ومن يعانون ضعف البصر نظامَ قراءةٍ وكتابةٍ يعتمدُ على حاسةِ اللمسِ يُمكّنُهم من القراءةِ والكتابة، وهو عبارةٌ عن نقاطٍ نافرةٍ تمثّلُ حروفَ الأبجدية. ويحتوي نظامُ بريل أيضاً مرادفاتٍ لعلاماتِ الترقيمِ ورموزاً للدلالةِ على المجموعاتِ الحرفية.

تُقرَأ هذه النقاطُ أو الأحرفُ بتحريكِ اليدِ أو اليدين معاً من اليسارِ إلى اليمين على طولِ السطرِ وعادةً ماتكون كلتا اليدين مشتركتين بالقراءةِ باستخدام إصبع السبابة في كلّ يد عموماً. ويصلُ معدلُ قراءةِ بريل إلى 125 كلمةً بالدقيقة، لكن يمكنُ الوصولُ إلى سرعاتِ قراءةٍ كبيرةٍ تصلُ إلى 200 كلمةٍ في الدقيقةِ الواحدة.

يعودُ تاريخُ نظامِ بريل إلى بداياتِ القرنِ التاسع عشر عندما طوّرَ بيطريٌّ يدعى تشارلز باربير كان يخدمُ في جيشِ نابليون بونابارت الفرنسي نظامَ كتابةٍ ليليةٍ يُمكّنُ الجنودَ الفرنسيين من التواصلِ ليلاً بأمانٍ بعدما قُتِل عديدٌ منهم بسبب استخدامِ الضوءِ ليلاً لقراءةِ الرسائلِ الحربية. واعتمدَ باربير في شيفرته العسكريةِ على نظامِ الاثنتي عشرَ نقطةً للخليةِ الواحدة؛ نقطتان عرضاً وستُّ نقاط طولاً، فكلُّ نقطة أو مجموعةِ نقاطٍ تمثلُ حرفاً أو مقطعاً صوتيا،ً لكن كانت هناكَ مشكلةٌ تتمثلُ بعدمِ قدرةِ أصابعِ القارئ على تحسسِ النقاطِ من أول مرة.

"نظام تشارلز باربير للكتابة الليلية"

أما لويس بريل فقد وُلدَ في فرنسا في الرابع من كانون الثاني/يناير عام 1809 م سليمَ البصر، لكنه عُمي في عمر الثالثة عندما دخلَ مثقابُ الجلودِ الذي كانَ يستخدمه أبوه في عينيه؛ الأمرُ الذي أدى لفقدانه حاسةَ البصر.

في سنِ العاشرةِ التحقَ بريل بالمعهدِ الوطني للمكفوفين في العاصمةِ الفرنسيةِ باريس، وفي الحادية عشرة استلهمَ نظاماً لتعديلِ شيفرةِ الكتابةِ الليليةِ التي اخترعها بايبر في محاولةٍ منه لوضعِ نظامِ تواصلٍ كتابيّ أكفأ، وقضى بعدها تسعَ سنين في تطويرِ نظامِ النقاطِ وصقله الذي باتَ يُعرَفُ فيما بعدُ باسمه.

"خلية بريل" ذات النقاط الست

جاءت نتيجةُ عملِ بريل على نظامِ بايبير ذي الاثنتي عشرةَ نقطةً باختصارها إلى ست نقاطٍ فقط، ليسهّلَ أمرَ تعلمها على المكفوفين بذلك. فهذا التعديلُ يسمحُ للأناملِ أن تُغطي كلّ الخليةِ ببصمةٍ واحدة، ومن ثمّ الانتقال من خليةٍ لأخرى مجاورةٍ بسرعة. ومع مرورِ الوقتِ أصبحت طريقةُ بريل مقبولةً حولَ العالمِ بصفتها الشكلَ الأساسي للتواصلِ الكتابي بين المكفوفين ومازالت مستخدمةً بصيغتها الأساسية كما وضعها بريل بعد أن أُضيفت إليها بعضُ التعديلاتِ البسيطة؛ِ كإضافةِ اختصاراتٍ لمجموعاتٍ حرفيةٍ أو لكلماتٍ كاملةٍ تظهرُ بتكرار في لغةٍ ما، فاستخدامُ هذه الاختصاراتِ يسمحُ بقراءةٍ أسرعَ لنظامِ بريل، ويساعدُ على تقليلٍ حجمِ النصوصِ المكتوبةِ بواسطةِ هذا النظام.

كلمة "Hello" بنظام كتابة بريل

تُوفّيَ لويس بريل عام 1853 م لتتبنى الحكومةُ الفرنسيةُ بعدَ وفاته بعامٍ إنجازَه كنظامٍ تواصلٍ رسمي للمكفوين في فرنسا. وفي عام 1860 شقّ نظامُ بريل طريقَه إلى الولاياتِ المتحدةِ، إذ اعتمدته مدرسةُ ميزوري للمكفوفين في مدينة سانت لويس الأمريكية. وأُسست عديدُ المجموعاتِ في خلالَ القرنِ الماضي للعمل على تعديلِ شفرةِ بريل حولَ العالمِ ومعايرتها، منها مرجعُ بريل في شمالي أمريكا BANA.

أما في العالمِ العربي اعتُمدت أبجديةِ بريل عربيةٍ موحّدةٍ للمكفوفين في خمسينياتِ القرنِ الماضي بصفتها جزءاً من الحركةِ التي انطلقت نحو أبجديةِ بريل عالمية. ففي عام 2002م عُقد مؤتمرٌ لتطويرِ حروفِ بريل العربية وتوحيدها في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ لدفعِ جميعِ الدولِ العربية إلى تبني أبجديةِ بريل عربيةٍ موحدة. وتستخدم بعضَ اللغاتِ التي تتشابه حروفُها مع العربيةِ كالفارسيةِ والأرديةِ تستخدمُ نظاماً مشابهاً لأبجديةِ بريل العربية لكن مع اختلافٍ في بعضِ الأحرفِ والتشكيل، فعلى عكسِ اللغة العربية التي تُكتبُ من اليمينِ إلى اليسار، تكتب رموزُ الأحرفِ والأرقامِ في نظامِ بريل العربي من اليسارِ إلى اليمينِ تماماً كما في نظامِ بريل العالمي.

أبجدية بريل العربية

وبإمكانِ الكفيفِ وضعيفِ البصر أن يتعلمَ أية لغةٍ أجنبيةٍ يرغب بها ما دامت مُرمّزةٌ بنظامِ بريل، وبإمكانه أيضاً تعلمُ قراءةِ العلاماتِ الموسيقيةِ وكتابتها، إذ يُوجدُ رموزٌ موسيقية أيضاً اخترعها بريل نفسه الذي كانَ يعزفُ ويُعلّمُ العزفَ على البيانو، إذ تتشابه الرموزُ الكتابيةُ لبريل مع الرموزِ الموسيقيةِ إلى حدٍّ كبير جداً.

ولتعلّمِ قراءةِ أبجدية بريل وكتابتها بات التقدمُ التكنولوجي يساعدُ المكفوفين على توفيرِ أدواتِ قراءةٍ وكتابةٍ عديدةٍ مقسمةٍ حسبَ حاجةِ الشخصِ للقراءةِ والكتابة، فهناك أدواتٌ سمعيةٌ وبصريةٌ ولمسية، وبعضُ هذه الأدوات ذو كفاءةٍ أفضلَ لقراءةِ النصوصِ القصيرةِ وكتابتها، وفي المقابلِ هناك أدواتٌ اخرى أكثر ملائمةً للنصوصِ الطويلةِ والكتب. ومن أهمِّ هذه الأدواتِ التي يستعملها الكفيف اللوحُ والقلمُ وعارضُ بريل ومدونةُ بريل الإلكترونية وطابعاتُ بريل المسماة "المزخرفون" وآلةُ بريل الكاتبة.

فكما يستعمل المبصرون القلمَ والورقةَ للكتابةِ يستعملُ الكفيفُ اللوحَ والقلمَ لكتابةِ بريل، وتأتي هذه الألواحُ والأقلامُ بأحجامٍ وأشكالٍ مختلفة. فلوحُ كتابةِ بريل مصنوعٌ من قطعتين مسطحتين من المعدنِ أو البلاستيك متصلتين بمفصلٍ في إحدى النهايتين يُفتحُ ويُغلقُ ليحملَ الورقة. ويحتوي الجزءُ العلويّ من اللوحِ على صفوفٍ من الفتحاتِ لها شكلِ خليةِ بريل وحجمها نفسه. أما الجزءُ السفلي، فيحتوي على صفوفٍ من الفجواتِ المقابلةِ لفتحاتِ الجزءِ العلوي، ولها أيضاً شكلُ خلايا بريل وحجمها. أما قلمُ بريل فهو معدنيّ ذو رأسٍ مدببٍ ومقبضٍ خشبيّ أو بلاستيكي ويُنقش نقاطِ بريل على الورقةِ التي يحملُها اللوح، ففجواتُ الجزءِ العلويّ من لوحِ بريل تمنعُ تثقّبِ الورقةِ عند نقش ِ نقطةِ بريل.

ويحتوي جهازُ عرضِ بريل على صفٍّ من خلايا خاصةٍ طريةٍ مصنوعةٍ من دبابيسَ بلاستيكية أو معدنيةٍ ويتحكّم بهذه الدبابيسِ بواسطةِ الحاسوب، فتتحركُ صعودًا ونزولاً لعرضِ الرموزِ بطريقةِ بريل التي تظهرُ على شاشةِ الحاسوب، وعادةً ما يُوضعُ عارضُ بريل تحتَ لوحةِ مفاتيحِ الحاسوب.

ولإدخالِ البياناتِ إلى الحاسوب، يُمكّنُ مُدوّنُ ملاحظاتِ بريل الإلكتروني مع لوحات مفاتيح بريل قارئَ بريل من استخدامِ الحاسوب، فالنصُّ المُخزَّنُ في هذا الجهازِ يُمكنُ قراءتُه بصوتٍ عالٍ مركبٍ أو عبرَ جهازٍ مدمجٍ مع عارضِ بريل.

ولطباعةِ الملفاتِ من الحاسوب تطبع طابعاتُ بريل Embossers المتصلةِ بجهازِ الحاسوب بطباعةِ نقوش بريل على ورقٍ ثقيلٍ سميكٍ فهي تعملُ كعملِ الطابعاتِ العادية.

وهنالك أيضاً آلةُ بريل الكاتبة التي تحتوي على ستةِ مفاتيح؛ مفتاحٌ لكلّ نقطةٍ من خليةِ بريل، ومفتاحُ المسافة،ِ ومفتاحُ الرجوعِ أو التصحيح، و مُرجعِ الأسطرِ، ومفتاحُ سطرِ التلقين. وتَستهلكُ الآلةُ ورقاً ثقيلاً كما في طابعات بريل.

وطوّرَ باحثون من جامعة ميشيغن الأمريكية جهازاً لوحياً قارئاً للنصوصِ يُمكّنُ الكفيفَ من القراءةِ اللمسيةِ للنصوصِ الطويلةِ والرسوم.

وقد أطلقت شركة blitab مؤخراً أول َ جهازِ لوحي من هذا النوعِ في الأسواق.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا