البيولوجيا والتطوّر > التطور

لا أسنان، لا مشكلة

استمع على ساوندكلاود 🎧

وجد علماءٌ من جامعة جورج واشنطن George Washington University في منطقة Xinjiang Province في الصين هياكلَ عظميةً لمجموعةٍ من الديناصورات من نوع Limusaurus inextricabilis، مغمورةً في الوحل، كانت قد علقت به وماتت، وهذا ما يبرّر تسمية مكان الاكتشاف بـ "مصيدة الموت". تعود الهياكل العظمية لمجموعة مؤلّفة من أفراد في مراحل عمرية مختلفة، من الطفولة مروراً باليفع (مرحلة ما بين الطفولة والبلوغ) حتّى البلوغ، وقد أظهرت الأحافير المكتشفة أنَّ الصغارَ امتلكت أسناناً صغيرةً حادةً، بينما خسرها اليفَّع والبالغون، ولم تظهرأخرى مكانها.

ديناصور Limusaurus inextricabilis، فرد بالغ على اليمين دون أسنان وطفل على اليسار بأسنان

يكتسب هذا الاكتشاف أهمّيته من زاويتين؛ الأولى هي أنّنا عادةً لا نستطيع إيجادَ مجموعة من الأفراد الذين تتدرّج أعمارهم من الطفولة حتى البلوغ -ناهيك عن كونهم في مكان واحد-.

والثانية: هي أنَّ هذا التغيّر التشريحي الهامّ -الانتقال من حالة وجود الأسنان إلى حالة غيابها- يشير إلى تبدّل موازٍ في النظام الغذائي في مرحلة اليفع والبلوغ لدى هذا النوع من الديناصورات الذي ينتمي تصنيفه إلى مجموعة الثيروبود Theropod التي تمثّل الأسلاف الديناصورية التي تطوّرت لتعطي الطيور المعاصرة.

ويضيف هنا البروفسور جيمس كلارك James Clark -أحد مؤلّفي الدراسة التي تتناول هذا الاكتشاف، أنّه قد وُجد في دراسةٍ سابقةٍ للـ Limusaurus تخصّ تطوّر اليد، أنَّ الإصبعَ الأوّل من يد الديناصور قد اضمحلَّ (أي أنَّ يدَ الديناصور الحيّ آنذاك لم تملك سوى أربعة أصابع بدل خمسة)، ويبدو أنَّ هذا الاضمحلالَ لم يكنْ سوى مرحلةٍ انتقالية، فالأجيال التالية من الثيروبود تملك إصبعين مضمحلّين هما الأوّل والخامس، وبشكلٍ مشابه فإنَّ الطيورَ تملك اليومَ ثلاثةَ أصابع تقابل الأصابع: الثاني والثالث والرابع في يد الإنسان.

تشير هذه الاكتشافات إلى وجود اختلاف في النظام الغذائي بين الأطفال والبالغين، فالأطفال -الذين امتلكوا الأسنان- كانوا غالباً آكلي لحوم Carnivores، أو آكلي لحوم ونباتات Omnivores، وهم بحاجة إلى وجود الأسنان لتقطيع ومضغ اللّحوم. أمّا البالغون منهم فكانوا نباتيين Herbivores، ويدعم هذا الاستنتاج التحليلُ الكيمائي للمستحاثّات، وربّما ستتيح دراسة هذه الأحافير معرفةَ كيف فقدت هذه الأسلاف التطوّرية للطيور، أسنانَها خلال تقدّمها في العمر بين مرحلة الطفولة والبلوغ.

وختاماً يقول Josef Stiegler، أحد المشاركين في الدراسة، إنّنّا غالباً ما نملك مستحاثاتٍ ناقصةً وقليلةً للديناصورات، لكننّا وجدنا في هذه الحالة عدداً كبيراً ومتدرّجاً في مراحله العمرية، ابتداءً بالأطفال وانتهاءً بالأفراد البالغة، ما سمح لنا باستخدام عدّة طرق ودلائل لدراستها، كدراسة الشكل الخارجي والبنية الداخلية والنظائر الثابتة (نوع من الذرّات) في بنية عظامها، من أجل فهم آلية تطوّرها.

ونعلم أنّه ما زالت هناك أسئلة كثيرة دون إجابات حقيقية، لكنَّ الاكتشافاتِ الأحفوريةَ المتتالية، وتطوّر وسائل دراستها قدّمت لنا حقائق مذهلةً عن تاريخ الحياة على الأرض الذي كان منذ زمنٍ ليس ببعيد مبهماً وغامضاً.

مثير، أليس كذلك؟!

المصدر: هنا

الورقة البحثية: هنا