الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض

هل ستحل الحمية الغذائية مكان العلاج الكيميائي للسرطان؟!

استمع على ساوندكلاود 🎧

من المنطقي أن يمثل العلاجَ التحضيري الكيميائيّ و/أو الشعاعي السابق لزرع نقي العظم أو الخلايا الجذعية الدموية تجربةً مخيفةً ومؤلمةً، وقد يكون من أصعبِ مراحلِ العلاج، نظراً لشدته الهادفة إلى القضاء على أقصى نسبة من الخلايا المريضة، وإفساح المجال لتعشيش وانقسام خلايا المتبرع بالاضافة الى تهيئة الجهاز المناعي للمريض لقبولها. لكن، وفي ظلِّ هذا التقدّمِ العلمي المذهلِ الذي يشهدُهُ عصرُنا الحالي، يُبشّرُنا العلماءُ بأنّهُ وفي يومٍ ما في المستقبلِ، قد يقتصِرُ برنامج التحضير على الالتزامِ بحميةٍ خاصة ربما بالإضافة لعلاجات تقليدية أخرى مضادة للأورام وإن كانت بجرعاتٍ مخففةٍ عن تلك المستخدمة في البرامج التحضيرية القاتلة للنقي. إذ وجدَ الباحثون أنّ هناك حَمضاً أمينياً ضرورياً يلعبُ دوراً هاماً في تكوينِ الخلايا الجَذعيّةِ المولدةِ للدم (HSCs). وبحسبِ العلماء، فإنّ هذا الاكتشافَ قد يُحدِثُ ثورةً حقيقيةً في مجالِ معالجةِ الأورامِ، ويقود إلى علاجٍ جديدٍ يحِلُّ مكانَ العلاجِ الكيميائيّ والإشعاعيّ في بعض الحالات.

الفالين Valine، واحدٌ من الحموضِ الأمينيّةِ الضروريةِ العشرة Essential amino acids (وهي عبارةٌ عن وحداتٍ بنيويةٍ ضروريةٌ للحياة نظراً لدخولِها في تركيبِ البروتيناتِ، لا يمكنُ لجسمِ الإنسانِ أن يصنَعَها بنفسِهِ بل يجبُ أن يحصل عليها من الغذاء، وللمزيد عنها هنا).

يتواجدُ هذا الحمضُ الأمينيّ في الأطعمةِ الغنيّةِ بالبروتيناتِ، مثل اللّحم، والألبان، والبقول. ويشاركُ الفالين في الاستقلابِ وترميمِ الأنسجة، كما اكتُشف حديثاً أنه ضروريٌ جداً لتشكيلِ الخلايا الجَذعيّةِ المولّدةِ للدم. وبحسب تقريرٍ في مجلة Science، وجدَ الباحثونَ بالتعاونِ بين جامعتي طوكيو وستانفورد أنّ الخلايا الجذعيةَ المولدةَ للدمِ لدى كلّ من الإنسانِ والفئرانِ تَفشلُ في التكاثرِ عندما تُزرعُ في أطباقِ بِتري (Petri dishes) الخاليةِ من الفالين، ويظهرُ فشلُها الكبيرُ في التكاثرِ في غضونِ أسبوعِ واحدٍ من الحرمانِ من الفالين. كما توقفّت الفئرانُ عن تكوين كرياتِ الدم الحُمرِ والبيض إثرَ حرمانِها من هذا الحمضِ الأمينيِ لمدة 2-4 أسابيع.

يعتقد Hiromitsu Nakauchi – البروفيسورُ المُشرِفُ على الدراسة – وزملائه، أنّ حِرمانَ مرضى سرطانِ الدمِ من الفالين الغذائيّ قبل إخضاعِهم لعمليةِ زرعِ نقيّ العظمِ قد يُجنّبُهم ضرورةَ العلاجِ الكيميائيّ أو الشُّعاعِيّ المستخدمَين لتخريبِ الخلايا المُسرطِنة، ممّا يجعلُ الخلايا الجذعيةَ المكونّةَ للدمِ تُعطي مساحةً للأخرى المزروعةِ، إلّا أن ذلك ينطوي على مخاطرَ صحيةٍ أخرى.

وفي دراسةٍ تاليةٍ، اختبرَ Nakauchi فكرَتَهُ على فئرانٍ محرومةٍ من الفالين، وكان قادراً على زرعِ نقي العظم بنجاحٍ دونَ الحاجةِ للتّشعِيع أو العلاجِ الكيميائي، لكنّ نصفَ الفئرانِ ماتَت جرّاء نقصِ الفالين خلال أربعةِ أسابيعَ من انتهاءِ التجربة.

وتشيرُ هذه المشاهداتُ للدورِ الكبيرِ الذي يلعبُهُ الفالين في المحافظةِ على الخلايا الجذعيةِ المولدةِ للدم، ويوحي بأنّ حجبَ الفالين الغذائيّ يُخفّفُ الاختلاطاتِ علاجيةَ المنشأ الناجمةِ عند زرعِ نقي العظمِ.

وبحسبِ Nakauchi فإنّ عمليةَ زرعِ نقي العظمِ علاجٌ سامٌ في الواقع، ويُسبّبُ تراجعَ جودةِ حياةِ المريضِ بعدَه، ولكنّهُ ملزِم عند الرغبةِ بمعالجةِ سرطانِ الدم الذي يمكن أن يكون قاتلاً للمريض على أيةِ حال.

كما أضافَ أنّ الفئرانَ التي خضعت للتّشعيعِ أو العلاجِ الكيميائيّ بالطريقةِ المعتادةِ تبدو بحالةٍ مزريةٍ، ولم تعُد قادرةً على الإنجابِ كما أنها لم تعِش لأكثرَ من سنةٍ واحدة، في حين حافظَت الفئرانُ التي أُعطيَت حميةً خاليةً من الفالين على قدرتِها على الإنجابِ، وعاشَت حياةً طبيعيةً بعد عمليةِ الزرعِ.

يُذكرُ أنّ تحديدَ الفترةِ التي يستطيع فيها البشر تحمُّلَ حميةٍ خاليةٍ من الفالين سيحتاجُ المزيدَ من الأبحاث. ولكن، وفي حال ثبُتَت فعاليةُ هذا الحرمانِ من الفالين على البشرِ، فإنّهُ سيفتحُ المجالَ لزرعِ نقيّ العظمِ لدى بعض الحالاتِ المستعصِيةِ؛ كالنساءِ الحوامل، أو المرضى الذين يُعانونَ من انخفاضِ تِعدادِ عناصرِ الدم – والذين لا يُؤخذون بعينِ الاعتبارِ عادةً للعلاجِ الكيميائيّ أو الشُّعاعي بسببِ ضعفِ قدرَتِهم على التّحمل.

من جهةٍ أخرى، أشارَ Linheng Li - عالمُ البيولوجيا المُختصُّ بالخلايا الجذعيّةِ في معهد Stowers للأبحاث الطبيةِ في مدينة كنساس- إلى وجوبِ دمجِ هذه الطريقةَ مع العلاجاتِ الأخرى أو مع جرعاتٍ أقلّ من العلاجِ الكيميائيّ والشُّعاعي كي تكونَ فعّالةً بحقّ.

أمّا Nakauchi فيرى أنّ إزالةَ الفالين من الحميةِ لدى بعضِ مرضى سرطان الدم قد تقضي على الخلايا التي تُسبّبُ السرطان لديهِم في المقامِ الأول، وإذا أمكنَ استخدامُ علاجٍ ذي أذىً نسبيٍّ أقلَّ لسرطانِ الدم، فإنّهُ سيكونُ إنجازاً عظيماً، علماً أن هذا البحث يُظهر أهميةَ الحميةِ الشّاملةِ والمُتكاملة للحفاظِ على سلامةِ الخلايا في الجسم.

المصادر :

هنا

هنا

هنا