الفنون البصرية > فن وتراث

"روبن هود" بين الحقيقة والخيال

"روبن هود"، هذه الشخصيّة الحاضرة والتي تصلحُ لكلُّ زمانٍ ومكانٍ، التي استحوذت على مخيلة المؤرّخين وكُتّاب الخيال التاريخيّ وكذلك الجمهور العام، سواءً كانت حقيقيةً أو خياليّةً فهي دائماً محلَّ جدلٍ ونقاشٍ.

تُعتَبرُ شخصيّةُ "روبن هود" من أكثر الشخصيّات التي كان لها ديمومةً في الثقافة الشعبيّة والتي استمرّت 700 عام. في بداية القرن الخامس عشر وربّما حتى قبل ذلك كانت مناسبات الأعياد الدينيّة والوطنيّة مثل عيد العمّال في إنجلترا تتضمّنُ فعالياتٍ ومسرحيّاتٍ وألعابٍ تنطوي على شخصيّة "روبن هود".

في القرن التاسع عشر قام كُتّاب ورسامون مشهورون أمثال "هوارد بايل" بإعادة إحياء الحكايات التقليديّة للأطفال وتمَّ التسويق لهم في أميركا وحول العالم ما أدّى إلى نقل قصّة "روبن هود" إلى الشاشة الفضيّة ومنها إلى السينما، هذه القصّة التي أغرت الكثير من المخرجين ومنهم "مايكل كروتيز"، "ريدلي سكوت"، "تيري غيليام" و"ميل بروكس".

طوال فترة وجود "روبن هود" استشفّ الكُتّاب والفنانون والمخرجون مخيلتَهم ليجسدوا هذه الشخصيّة، وكان آخرها الفيلم الذي كان من بطولة "راسل كرو" عام 2010 من إخراج "ريدلي سكوت" حيثُ جاء معه تفسيراتٌ كثيرة وحديثة وغزيرة تتحدّثُ عن هذه الأسطورة في محاولةٍ لتحديد الخطوط العريضة لحياة "روبن هود" ورجاله، ووضعها ضمن السياق التاريخي والجغرافي في ترتيبٍ زمنيٍّ حقيقيٍ.

لنعودَ قليلاً إلى القرن الرابع عشر في إنجلترا حيثُ المعاناة من النظام الإقطاعي وتصاعد السخط الشعبيّ وغضب المزارعين وبدء التمرّد المناهض للأثرياء والحكومة إذ يُرشّح ظهور "روبن هود" في هذه الفترة.

في الوقت ذاته قام الأكاديميون بالبحث عن دليلٍ قاطعٍ على وجوده في وقتٍ مبكرٍ من القرن الثالث عشر، إذ أشارت السجلّات القانونية الإنجليزية إلى وجود شخصيّة تُدعى "روبن هود" أو "روبهود"، ولكن يبدو أنّ المرجع الأدبيّ الأول الذي أشار إلى وجود هذه الشخصيّة كان في القرن الرابع عشر من خلال سلسلة قصص تتناولُ مجموعةً من الأشخاص الذين عاشوا في غابة (شيروود)، أما في الإصدارات الأخرى كان البطل من الطبقة النبيلة ثمَّ من عامّة الشعب.

ولكن شخصيّة "فاريان" لم تظهر إلا في وقتٍ لاحقٍ ربّما تمَّ إدخالها كجزءٍ من طقوس الاحتفال بعيد العمّال حيثُ كانت تعمل هي كخادمة. في حين أنّ معظم العلماء المعاصرين فشلوا في تقديم أدلةٍ قويةٍ فقد توصّل مؤرّخو العصور الوسطى إلى أنّ "روبن هود" عاش ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر.

تشكّلُ أسطورة "روبن هود" جزءاً من قصص الخارجين عن القانون والتي يعود تاريخها إلى عهد الملك "جون" تقريباً، إذ كان هناك اثنان خارجان عن القانون في تلك الحقبة ولكن قصة "روبن هود" كانت هي الشخصيّة الأكثر إشكاليّة. ما يلفتُ النظر في هذه القصّة هو أنها تكشفُ عن عصرٍ كان يعتبر فيه القانون هو الأساس للحكم الرشيد ومع ذلك فقد تحولت الشخصيّات الخارجة عن هذا القانون إلى شخصيّاتٍ شعبيّةٍ، وهذا يعدّ نقيضاً للتطورات العامّة في بداية عهد الملك "هنري الثاني".

أما فيما يخصّ المكان الذي نشط فيه "روبن هود" وهو غابات (شيروود)، الجدير بالذكر أنّ الغابات في القرون الوسطى كانت تشملُ مساحاتٍ واسعةٍ مزروعةٍ وكانت محميّةً من الملك وضبّاطه، وكانت تُسَنّ قوانين صارمة لم تحظى بشعبيّةٍ كبيرةٍ بين جميع فئات المجتمع ولكنّها حققت الهدف المنشود وهو الاحتفاظ بمساحاتٍ شاسعةٍ من المناظر الطبيعيّة والحياة البريّة التي يستخدمها الملك وحاشيته للصيد.

كما أنّ الطبيعة الوحشيّة لهذه الأراضي كانت مثاليةً جداً ليختبئ بها الهاربون وهذا هو السبب الذي جعل من غابات (شيروود) و(بارنسدال) مكاناً مثالياً للأساطير.

تُعتبر أصول "روبن هود" الأسطورة غامضةً جداً، فالإشارة الأولى لهذه الشخصيّة كانت في إشارة عابرة في (بيرس الفلاح) التي كُتبت في عام 1377 تقريباً، والجزء الرئيسي من هذه الأسطورة ظهر من حكايات القرن الخامس عشر حيثُ عُثِر عليها في حكايات (روبن هود والراهب) في عام 1450.

وفي كتاب (The Lyttle GESTE of Robin Hood) عام 1492-1510.

وكتاب (بيرسي فوليو) في القرن السابع عشر والذي كان يحوي على ثلاث قصص من القرن الخامس عشر:

1- روبن هود: وفاته

2- روبن هود وفتى غيسبورن

3- روبن هود والراهب كورتال

ولكن نلاحظ أنّه ضمن هذه المراجع لا يوجد ما يُشير صراحةً إلى أنّ "روبن هود" كان موجوداً في عهد الملك "جون"، في الحقيقة إنّها الإشارة الوحيدة، إلا أنّ قائمة المحكمة في (بيركشاير) تقول أنّ الأسطورة تعود إلى وقت يسبق بكثير هذه الزيارة للملك.

اعتبر بعض المؤرّخين مثل "براد بري" أنّ ("روبن هود" له شخصيّة مجرمة ويتبع مهنةً إجراميّةً) وكان يعمل في (بيركشاير شيروود) و(توتنهام) وأصبح فيما بعد زعيم عصابة من المجرمين ورُماة الأقواس الماهرين جداً. ولكن لا شيء وصل للحدّ الذي وصل إليه خيال "آدم ثورب" في وصف "روبن هود"، إذ قال بأنّه مضطربٌ عقلياً ومصابٌ بالذهان ومتسمّمٌ بفطرٍ سحريٍّ! وقد كان جريئاً بتقديمه هذه الصفات عن شخصيّةٍ اشتهرت بأنّها خارجة عن القانون ولكنها نبيلة في الوقت ذاته.

هذه الشخصيّة التي أثارت عواصف التكهّنات حولها، والتي شغلت فكر الكثير من الباحثين على مدى العصور، وبغض النظر عن الآراء الشخصيّة التي طُرحت حولها أبت إلا أنّ تعيش بطريقةٍ مذهلةٍ لتصل إلينا على شكل قصة بطلٍ من إنجلترا، اتخذ من الغابة ملجأً له وانضم إليه مجموعة من الفتيان الشجعان وكانت لهم أهدافهم النبيلة وإن كان هناك تحفّظ على طريقة قيامهم بعملهم وذلك بقطع الطريق على قوافل الأغنياء ومنح الفقراء هذه الأموال ومساعدتهم.

ولا أحد يستطيع أنّ ينتزع منّا بهجتنا ونحنُ أطفالاً نراقبُ هذا البطل الكرتونيّ وهو يتحوّل إلى أيقونةٍ لنبل الأخلاق متجاهلين كل ما يحيط به من غموض، ولا أي دراسةٍ حول ما إذا كانت هذه الشخصيّة حقيقيّة أو مجرّد خيال تستطيع أنّ تسلبنا دهشتنا أمام هذه المجموعة من الأشخاص وسحر هذه الغابة، لا شيء يستطيع أنّ يُنسينا قوس "روبن هود" وسهامه المسلّطة على الطبقيّة والفارق الماديّ الذي حكم المجتمع آنذاك.

المصادر :

هنا

هنا