الموسيقا > عظماء الموسيقا

يوهان سيباستيان باخ

استمع على ساوندكلاود 🎧

موسيقى باخ هي الدليلُ الوحيدُ على أنّ وجودَ هذا الكونِ لم يكنْ خطأً".. هكذا فنّد الفيلسوف الروماني إيميل سيوران رؤيتَهُ للحياةِ من خلال موسيقى يوهان سباستيان باخ. تلك الموسيقى التي ما زالت عظَمتها تتجلّى على آذانِ سامعيها لتتخلّلها إلى أعمقِ أحاسيسِهم. بأعمالٍ لا تُعد ولا تُحصى، ومن خلالِ قدرتِهِ على خلْقِ جملةٍ من المشاعرِ المختلطةِ في نفسِ سامعِهِ، دوّن باخ اسمه كواحدٍ من أكبرِ القامات الموسيقيّةِ في صفحاتِ التاريخ، ولربّما أكبرِها على الإطلاق. كثيرةٌ هي العباراتُ التي قيلَت في موسيقىه، ولكن يبقى سماعُها أبلغَ كلاماً ووصفاً.

ولِدَ في الواحد والعشرين من آذارَ في العامِ 1685، في حقبةِ الباروك، وهي الفترةُ الممتدّةُ من العامِ 1600 إلى ما يُقارب العامَ 1750. ترعرَعَ في Eisenach (آيزيناخ) التي تقعُ في مدينة Thuringia، وأنتج العديدَ من القطعِ الموسيقيّةِ الخالدة.

قدِمَ باخ إلى الدنيا حاملاً اسمَ عائلتِهِ المرموقةِ التي كانت مؤلّفةً من موسيقيينَ عدّة، إذ أنّ والدَهُ Johann Ambrosius bach (يوهان أمبروزيس باخ) قد عمِلَ موسيقياً في المدينةِ، ويُحكى بأنّهُ علّم باخ كيفيّةَ العزفِ على آلةِ الكمان. بالإضافة إلى أنّ أعمامَهُ كانوا موسيقيين بارعينَ في الكنيسة. أمّا أخوه Johann Christophe Bach (يوهان كريستوف باخ) كان عازفَ أورغِن وقام بتعليم شقيقِه العزفَ على آلةِ الكلافيكورد، وهي الجدّ الأكبرُ لآلةِ البيانو بشكلِها الحاليّ، ليقدّمَه بذلك للموسيقى المعاصرةِ في تلكَ الحقبة.

في عمرِ السابعةِ، دخلَ باخ المدرسةَ بهدفِ تعلّمِ الأسُسِ الدينيّةِ، ودرسَ اللاتينيّةَ إلى جانبِ موادَ أخرى.، حتى فُجعَ بوفاةِ والدتِهِ وهو في سِنِّ العاشرة، يليها والدُهُ بعد ثمانيةِ أشهرٍ فقط. اضطره ذلكَ الأمر للذهابِ والعيشِ عند أخيهِ الأكبر، يوهان كريستوف، الذي كان عازف الأورغن في Ohrdruf (أوردروف)، فتابعَ دراسَتهُ هناك حيثُ قدّمَ ونسخَ الموسيقى، بما فيها موسيقى أخيه، كما استكملَ تعلُّمَهُ على كلٍّ من الكلافيكورد والأورغن. كان باخ في وقتِها يتمتّعُ بصوتٍ ساعدَهُ أن يحجزَ لنفسِهِ مكاناً ضمنَ جوقةٍ موسيقيّةٍ للأطفالِ في مدرسة Michaelskirche (ميكاييل سكيرشِه) في مدينة Luneburg (لونِبيرغ) التي كانَت تبعُدُ عن مكانِ إقامته سفرَ أسبوعَين، وكان ذلك في العام 1700.

في هذه المدرسةِ، استطاعَ باخ أن يأخُذَ لمحةً موسّعةً عن حضارةِ الأوروبيين، وغنّى في الجوقةِ وتعلّمَ على آلتَي الكمانِ والقيثارة، بالإضافةِ إلى أنّهُ كان على صلةٍ دائمةٍ مع الارستقراطيين القادمين من شمال ألمانيا، كما تأثّر كثيراً بعازفٍ في المنطقة يُدعى Georg Böhm، وزارَ مدينةَ هامبورغ في سعيِهِ للاطّلاعِ على المزيدِ من أعمالِ المؤلّفينَ الموسيقيين.

وفي العام 1702، بدا أن أقدام باخ قد قادَتهُ مجدداً إلى مدينةِ Thuringia، ولكنْ هذه المرة بثوبِ عازفِ الأورغِ المحترف، فالتجاربُ التي خاضَها مهّدَت الطريقَ أمامَهُ ليصبحَ الشخصَ الذي كان عليه آنذاك. أصبح في آذارِ العام 1703 عضواً في أوركيسترا Johann Ernst (يوهان إرنست) دوقِ Weimar (فايمار)، وكان يعزف فيها على الكمان، آخذاً مكان عازفِ الأورغن الرسمي بين حينٍ وآخر. وبذلكَ بدأت سمعتُهُ كمقدّمٍ رائع بالتوسّع، حتى سنحَت له فرصةٌ رائعةٌ في آب العامِ 1703 ليكون عازفَ الأورغِن في الكنيسةِ الجديدةِ لمدينة Arnstadt (آرنشتادت)، وهناك كانت مهمّتُهُ أن يُقدّم الموسيقى لأسبابٍ دينيّةٍ ومناسباتٍ خاصّة، إضافةً إلى إعطاءِ دروسٍ واستشاراتٍ في الموسيقى. كل ما سبق وهو في سنّ الثامنةِ عشر!

في السنواتِ الأربعِ اللاحقة، بقي باخ في أقصى شمال آرنشتادت، في غابةِ Thuringia، حيث كرّس نفسهُ للموسيقى بشكلٍ عام، ولآلة الأورغن وتأليفِ الموسيقى الدينية بشكل خاص. وأصبحَ في العام 1707 عازفَ الأورغن في Blasiuskirche (كنيسة بليس) في Muhlhausen (مولهاوزن)، ولكنّ هذهِ النقلةَ لم تعطِهِ الكثيرَ من النتائجِ الإيجابيةِ، إذ كان يعملُ خلال تلكَ الفترةِ على صنعِ أو كتابةِ موسيقى معقدةٍ جداً تعارَضَت مع أفكار القسّ هناك على اعتبارِ أنّ الكنيسةَ بحاجةٍ لموسيقى بسيطةٍ. وهناك كان أحد أشهر أعمالِه بعنوان Gottes Zeit ist die allerbeste Zeit (غوتيس تزايت إيست دي آليربيستِه تزايت).

بعد مرورِ سنةٍ في مولهاوزن، عُيّنَ باخ كعازفِ أورغن في أوركسترا Wilhelm Ernst (فيلهِلم إرنست) دوق فايمار، حيثُ كتبَ العديدَ من المؤلّفاتِ الموسيقيةِ للكنيسةِ وبعضاً من أفضل الألحان التي ألّفها، ومنها Toccata and fugue in D Minor التي تُعدّ من أفضل القطعِ الموسيقيّةِ للأورغن، كما لحّنَ أيضاً Herz und Mund und Tat أي "القلب، والفم، والموت".

في العام 1717، قَبِلَ باخ فرصةَ عملٍ عُرضَت عليهِ من قِبل الأمير ليوبولد في Anhalt Cothen (آنهالت كوتن)، ولكنّ الدوق Wilhelm Ernst لم يقبل التخلّي عن باخ، حتّى أنّه أمرَ بحبسِهِ فترةً من الزمن عندما حاولَ الرحيل، ثمّ أُعفِي من الخدمةِ الكتسية وتُركَت له حرّيةُ الرحيل، وقرّرَ أن يكون في كوتن حيث الأمير ليوبولد المفتون بالموسيقى. وهنُاك سخّرَ وقتَه للآلاتِ الموسيقية وتأليفِ الألحانِ الخاصةِ بالأوركيسترا، كما كتبَ بضعةَ قطعٍ للآلاتِ الموسيقيّةِ المنفردةِ بما فيها معزوفاتٌ تخصُ آلةَ الكمان. ولم يمضِ العام 1721 إلّا وقد ألّف باخ سلسلةً من حفلاتِ الأوركيسترا بعنوان Brandenburg concerto لتصبح فيما بعد من أفضل وأشهر مؤلّفاتِهِ على الإطلاق. وقد مُنيَ باخ في ذاك الوقت بوضعِ اللمساتِ الأخيرةِ على كتابِهِ الأول The Well-Tempered Clavier.

بعدَ التقديمِ على عملٍ جديد في Leipzig (ليبزيغ)، وقّعَ باخ عقداً ليكون مدرساً للموسيقى وعازفاً للبيانو في كنيسةِ توماس، وهناكَ كرّسَ وقتَه لتعليمِ الموسيقى وألّف سلسلةَ Christmas Oratorio الخاصةِ بعيدِ الميلاد. أما الفترةُ المُمتدّةُ بين العامين 1727 و1729، فقد كتبَ فيها باخ موسيقى Passions according to St. Matthew، والتي كانت نتاجَ تفسيراتٍ موسيقيةٍ من الكتاب المقدّس.

قامَ بعدَها بتأليفِ آخرُ روائِعِه الدينيّةِ بعنوانِ Mass in B Minor، والتي طُوّرَ قسمٌ منها بعنوانِ "كايري وجلوريا" في العام 1733. ومنذ ذلك الوقت بدأت معاناة باخ مع مشاكلِ البصر، إلّا أنّه أكمل عملَهُ رغماً عن كل الصّعاب، مدفوعاً بقدرتِه على السفر وتقديم العروض الموسيقيةِ، ومن المرجّح أن يكون العرض المقدّم أمام ملك روسيا فريديريك الأعظم في العام 1737 من أهم العروض التي قدّمها على الإطلاق.

لم يتمكّن باخ من إكمال عملِه في تأليف The art of fugue في العام 1749، فحاولَ أن يُجري عمليةً لعينيهِ فباءَت محاولاتُهُ بالفشل وبقي الظلام ملازماً له حتى نهايةِ حياته، إذ توفّي في الـ 28 من تموز عام 1750 إثرَ معاناتِه من سكتةٍ قلبية.

وعن حياتِهِ الشخصية، تزوّجَ باخ من ابنةِ عمه Maria Barbara Bach وأنجب منها سبعةَ أطفال تُوفّي بعضهم وهم مازالوا أطفالاً رضّع، ثم تُوفيت ماريا في العام 1720 بالتزامنِ مع ذهابِ باخ إلى العمل لدى الأمير ليوبولد. لحق تبعَ ذلك زواجُهُ من مغنيةٍ اسمُها Anna Magdelena Wulcken وأنجب منها ثلاثةَ عشرَ طفلاً، توفّي نصفُهم وهم أطفال صغار. وقد عُرفَ عن باخ حبّهُ لمشاركةِ موسيقاهُ مع أطفالِهِ بشكلٍ دائم، فأصبحَ اثنانِ من أبنائه لزوجتِهِ ماريا مُؤلّفين موسيقيين وهماWilhelm Friedemann Bach وCarl Philipp Emanuel Bach.

الجدير بالذكر أنّ باخ كان معروفاً كعازفٍ أكثرَ منهُ كمؤلف، ولم يُنشرْ إلا القليلُ من أعمالِهِ خلال فترةِ حياته، ولكنّ سمعتهُ الطيبة كانت تزدادُ مع مرورِ الزمن، واشتُهرت أكثر في العام 1829 عندما قامَ المؤلّفُ الألماني فيلِكس مينديلسون بإعادة تقديمِ مقطوعِته Passion according to ST. Matthew.

نترككم الأن مع أهم مؤلفاته:

باخ الكونشرتو الأول للبيانو BWV 1052 أدء غلين غولد و قيادة ليونارد بيرنشتاين:

براندربوغ كونشيرتو رقم 3 BWV 1048 :

أورتوريو عيد الميلاد:

-Suit no.1 Cello G major ( Mischa maisky):

J.S. Bach - Toccata and Fugue in D minor BWV 565

بريلود وفوغ رقم 2 سلم اللا مينور- اداء سافياتوسلاف ريختر:

المصدر:

هنا