العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل

تطعيمٌ للحاضر بأصالة الماضي HACIENDA BACOC

استمع على ساوندكلاود 🎧

من المعروف أنّ المادة الأثرية تحمل قيمًا فنية وجمالية وتاريخية وحضارية، والهدف من ترميم الآثار الكشفُ عن هذه القيم وحمايتها.

إنّ أحد أهم أساليب الحفاظ على التراث هو إمكانيةُ بناء مبنى بديل مع الحفاظ على بعض أطلال المبنى القديم المهدم ليكون نصبًا تذكاريًّا، ويتناسب المبنى الجديد ووظيفته مع المكان والعصر ويتلاءَم مع البيئة ويحافظ في الوقت نفسه على عناصر المبنى الأساسية والفنية؛ مما يضمن احتفاظه بالقيم التاريخية.

وفي مثالنا الآتي، حوفِظ على الأثر عن طريق الطريقة المتّبَعة في إحيائه.

تاريخ المبنى:

يقع المبنى في مدينة يوكاتان Yukatan في المكسيك. وقد بُنيَ بين عامي 1880 و1910 للميلاد ليكون مزرعة تغطّي مساحة 200 فدان وتبعد 4 كم عن أقرب قرية، وذلك بهدف زراعة نبات السيزالSisal الذي تُصَنّع الحبال وتغطيات الأرضيات من أليافه، ولكن؛ أدى تراجع أهمية هذه الصناعة في يوكوتان Yukatan إلى قلة الاهتمام بهذه المزرعة وتحويلها إلى مزرعة ريفية بسيطة مخصصة لتربية المواشي والنحل.

وبعد فقدان المبنى وظيفته الأصلية، تدهورت حالته حتى أصبح مهدمًا ولم يبقَ منه إلا بناء حجري قديم بدون سقف؛ أي هيكل فارغ يعود إلى أكثر من مئة سنة.

وفي عام 2006 للميلاد، اشترى المالكون الحاليون المبنى بهدف إعادة تحويله إلى مسكن تقليدي ومعاصر في الوقت ذاته، وأُعيد تأهيله على نحو مُعاصِر بإشراف المعماري الحاصل على عدة جوائز Salvador Reyes Rios؛ إذ اعتمدت الفكرة التصميمية الأساسية على الحفاظ على الأجزاء القديمة الموجودة ضمن العَقار وتدعيمها دون إعادة استخدامها لتكون فراغًا مبنيًّا، بل إحاطتها بحدائق مائية وبالبناء الجديد (المنزل) المُقترَح الذي يعمل فراغًا يربط بين أجزاء المشروع، موضحًا أنّ الهدف هو أن يكون المشروع رابطًا بين الجديد والقديم.

المبنى حاليًّا:

المنزل مُقسَّم إلى جناح داخلي خاص وآخر خارجي عام، ويربط بينهما رِواقٌ مسقوفٌ في الخارج.

يطلّ الجناح الخاص على حوض سباحة داخلي مُحاط بأعشاب استوائية طويلة تُعبِّر عن البيئة المحلية وتؤمّن الخصوصية لسكان المنزل.

ويتكوّن المنزل من غرفتي ضيوف كبيرتين وغرف نوم رئيسة لكلٍّ منها حمام خاص وحدائق محيطة بها، فضلًا عن شرفة غير مسقوفة بجانب حوض السباحة.

ويحتوي الجناح العام على فراغَي معيشة يربط بينهما فناء يُطلّ على بقايا مبنى المزرعة القديم، إضافةً إلى المطبخ وغرفة الطعام والمكتب. كذلك يحتوي الموقع العام لأرض العقار على معبد للصلاة وجناح مُظلل يوجد بجانب الآثار الباقية من منزل الآلات (casa des maquinas) -الذي استُخدِم لمعالجة النبات وتصنيع الحبال من أليافه- وبجانب الحدائق المسوَّرة بمساحة 10 فدان والمُطِلة على البساتين الاستوائية الممتدة على مساحات واسعة والحاوية على الحمضيات وبساتين الفواكه.

وقد عمل المشروع على إنقاذ بعض تقنيات البناء المحلية التقليدية في هذه المناطق وتجديدها، كذلك استُخدِمت بعض المواد الحديثة للتأكيد على ارتباط العمل بموقعه المحلي وزمنه الحالي؛ إذ كُسيَت الواجهات بمادتي الجص والراتنج resin (مادة صمغية تُستخرَج من شجر الـChukum المستوطن في هذه المناطق) الذي أُبقيَ عليه بألوانه الطبيعية. أما جدران البيتون المصبوبة في الموقع، فاستُخدِم لإكسائها خلطةٌ من صباغ نبات الـCancab الأحمر الذي يُستخرَج من جنوب يوكاتان Yukatan.

وتمتلك هذه المواد المستخدمة في الإكساء خصائص فريدة ساهمت في التأكيد على هوية الموقع، إضافةً إلى فتحات التهوية والإضاءة الموجودة في مواقع مناسبة؛ مما يوفر الإضاءة الكافية داخل المنزل في أثناء النهار.

وعلى الرغم من شكله المُعاصِر؛ فإن تصميمه الداخلي من الديكور الخشبي وخطوط الجص الترابي التي تغطي الجدران يُشعرنا بالتأثير الريفي التقليدي للمنزل.

إن كتلة المنزل الجديدة وأبعاد الفراغات وارتفاع الأسقف ونسبة الفتحات في الواجهات والتوجيه المُتكيّف مع بيئة الموقع ومظهر النوافذ تمثّل جميعُها إعادة خلق مُعاصِرة لعمارة يوكاتان Yukatan القديمة؛ إذ يُعدّ المشروع توضيحًا إضافيًّا لأنماط العمارة المميِّزة لهذه المقاطعات المكسيكية.

وهكذا نرى محاولة المعماري للحيلولة دون إهمال المبنى وهجره، وإيجاد وسيلة للإنفاق على صيانته وجعله على صلة بالحياة وربط الماضي بالحاضر عن طريق بناء مبنى بديل محيط به.

فما مدى فاعلية هذه الطريقة في الحفاظ على المنشآت التاريخية؟ وفي رأيكم، هل يمكن استخدام طرائق أخرى لتحقيق ذلك؟

المصدر:

هنا

هنا

هنا