الفيزياء والفلك > فيزياء

انتاج أول حزمة من ذرات الهيدروجين المضادة في CERN

في بحث جديد تم نشره في مجلة Nature Communication تمكن باحثون من توليد 80 ذرة من الهيدروجين المضاد من دون أن يكون للحقول المغناطيسية المستخدمة لاحتجاز هذه الذرات آثر كبير عليها.

فعند بداية تشكل الكون أخذت الطاقة الهائلة المنطلقة بالتحول إلى كتلة نتيجةً للتكافؤ بين الكتلة والطاقة. وبسبب التناظر بين خواص المادة والمادة المضادة فمن المتوقع أنه عند تشكّل كل جسيم مادي سيتشكّل مقابله جسيم مادي مضاد. وعند التقاء أي جسيم بجسيم مضاد سيتحولان إلى طاقة مرة أخرى. ولكن بالنظر إلى أن كل ما يحيط بنا مكون من جسيمات مادية فقط فلابد أن هذا التناظر لم يكن كاملا ولابد أن عدد جسيمات المادة كان أكبر من عدد الجسيمات المضادة نتيجةً لاختلاف في خواصهما. ويشكل عدم التناظر هذا أحد أهم الأسئلة في الفيزياء الحديثة فأي دليل نظري على وجود اختلاف كهذا سيفتح باباً واسعاً لنظريات فيزيائية تزيد من عمق فهمنا للكون. (لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة المقال السابق عن المادة المضادة)

ولدراسة الاختلافات بين الذرات المادة وذرات المادة المضادة تم إنتاج كميات معينة من الهيدروجين المضاد في CERN بخلط الإلكترونات المضادة (البوزيترونات) مع البروتونات المضادة المتسحصل عليها من مبطىء البروتونات المضادة. والذي يعتمد على صدم هدف معدني بحزمة من البروتونات السريعة حيث تكفي طاقة التصادم لتشكيل زوج واحد بروتون- بروتون مضاد في كل مليون تصادم تقريبا. ثم يتم تجميع البروتونات المضادة المنطلقة وتوجيهها نحو التجربة المطلوبة.

إن هذا الإنجاز الجديد يفتح باباً واسعاً لدراسة طيف الهيدروجين المضاد الذي يعتقد بأن يطابق تماماً طيف الهيدروجين، ومن شأن أي اختلاف بينهما أن يفتح باباً جديداً على لغز المادة المضادة. وبما أن ذرة الهيدروجين المكونة من إلكترون واحد وبروتون هي أبسط الذرات الموجودة وإحدى أكثر الذرات المدروسة فإن مقارنة الهيدروجين والهيدروجين المضاد سوف يكون إحدى أفضل الطرق لدراسة المادة والمادة المضادة.

ولكن وكما نعلم سابقاً فإن المادة عندما تلتقي بالمادة المضادة يفنيان، فإحدى أهم التحديات التي واجهت العلماء هي إبقاء المادة المضادة بعيداً عن المادة العادية، إذاً كيف استطاع العلماء إبقاء الهيدروجين المضاد بعيداً عن الهيدروجين؟

للقيام بهذا استفاد العلماء من الخواص المغناطيسية للهيدروجين المضاد (المشابهة لخواص الهيدروجين) وقاموا باستخدام حقول مغناطيسية قوية غير منتظمة لحجز الذرات المضادة لوقت كافٍ لدراستها. ولكن هذه الحقول المغناطيسية القوية تشوه الخواص الطيفية للمادة المضادة لذلك ومن أجل الحصول على طيف ذو دقة عالية للمادة المضادة قام العلماء بتطوير وسائل معينة لنقل هذه الذرات إلى مناطق بعيدة عن تأثير هذه الحقول المغناطيسية حيث يمكن دراستها. ولم يكن هذا الأمر بالسهل أبداً إذ ليس لذرات الهيدروجين المضاد شحنة تمكننا من تسريع أو تحريك الذرات بتأثير حقل كهربائي مثلا.

تعتبر هذه النتائج مهمة جداً من أجل الدراسات البنية المافوق دقيقة لذرات الهيدروجين المضادة. وهي الخواص الطيفية الناتجة عن التأثيرات الضعيفة مابين شحنة النواة والحقل المغناطيسي الناتج عن دوران الإلكترون (في حالة الهيدروجين) أو البوزيترون (في حالة الهيدروجين المضاد).

ومن الجدير بالذكر بأن هذه التجربة جاءت بعد العديد من التجارب السابقة في CERN ففي عام 2011 تم الإعلان عن التقاط ذرات من الهيدروجين المضاد لمدة 1000 ثانية في تجربة ALPHA وفي عام 2013 تم حساب العزم المغناطيسي للبروتون المضاد بشكل مباشر وبدقة عالية.

وفي مرحلة لاحقة ينوي العلماء الذين قاموا بهذه التجربة تحسين الطاقة الحركية وكثافة شعاع الهيدروجين المضاد الناتج من أجل فهمٍ أفضل للوصف الكمومي لحالة الذرات.

 

المصدر: هنا;

البحث المنشور: dx.doi.org/10.1038/ncomms4089 

الصورة تمثل كاشف الجسيمات في تجربة CMS في سيرن

حقوق الصورة: CMS/CERN

لمقالنا السابق عن المادة المضادة هنا