الرياضيات > رياضيات في دقيقة

سلسلة رياضيات في دقيقة: ماهي النّسبيّة العامّة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

ماذا سيحدث لو أنّ الشّمس انفجرت فجأةً؟ كان هذا السّؤال يُحيّرُ أينشتاين بعد فترةٍ قصيرةٍ من اكتشافه للنّظريّة النّسبيّة ومعادلتها الشّهيرة .

بما أنّ الشّمس بعيدةٌ جداً يستغرقُ الضّوء ثمان دقائقَ ليصل إلينا، إذاً نحن لن نعرف فيما إذا حدث انفجار فوراً، فلمدةِ ثمان دقائقَ سنكون غافلينَ تماماً عن الانفجار الهائل الّذي حدث.

ولكن ماذا عن الجاذبيّة؟ تدور الأرضُ بمسارٍ إهليلجيٍّ حولَ الشّمس بفضل جاذبيّة الشّمس. لو لم تكن الشّمس موجودةً كانت الأرضُ ستتحركُ بمسارٍ مستقيم. حيرة أينشتاين تلخصت في السّؤال: هل هذا سيحدث فوراً؟ أم بعد ثمان دقائق؟

في بدايةِ القرن العشرين، كانت تعتبر نظريّة إسحاق نيوتن عن الجاذبيّة (والموجودة منذ 250 سنة) حجرَ أساسٍ للعلم. فهي نظريّةٌ ناجحةٌ جداً، تصف حركةَ الكواكب والأقمار وتتنبّأ بدقةٍ بمرور المذنّبات.

بالنّسبة لنظريّة نيوتن، ستعلم الأرض فوراً باختفاء الشّمس. ولكنّ أينشتاين برهنّ في نظريّة النّسبيّةِ الخاصة أنّه لا شيء يسافر أسرعَ من الضّوء – ولا حتّى تأثير الجاذبيّة. فسرعةُ الضّوء هي السّرعةُ الحديّةُ للكون. وبما أنّ ضوء الانفجار سيستغرق ثمان دقائق ليصل إلى الأرض، فالتّغيّرُ في الجاذبيّة سيستهلك على الأقلّ نفس المقدار من الزّمن لكي تصبح آثاره محسوسةً بالنّسبة للأرض.

الجاذبية إحدى ظواهر انحناء الزمان والمكان

كان حلُّ أينشتاين بأن نغيّر فهمنا تماماً للكون. فحتّى عام 1015، كان الناس يعتقدون أن الفضاء عبارةٌ عن مسرحٍ لقوانين الفيزياء. فإن ألقينا بنجومٍ أو كواكب إلى الكون فستدورُ على ذلك المسرح. ولكنّ إدراك أينشتاين الثّوري وضَّحَ أنَّ الفضاء ليس جامداً هكذا. بل هو ديناميكيٌّ ويستجيب لما يحدث فيه. فإن وضعت شيئاً ما ذا وزنٍ ثقيلٍ في الفضاء (ككوكبٍ مثل الأرض) سينحني المكان حولها قليلاً. وعندما يدور شيء ما حول هذا الكوكب (كالقمر مثلاً) فإنَّه يشعر بهذا الانحناء ويدور حول الكوكب كقطعةِ رخامٍ تدور في وعاء. وهذا ما ندعوه بالجاذبيّة.

إنّ وجود جسمٍ ضخمٍ كالأرض لا يؤثر فقط على المكان، فهو يؤثر على الزّمان أيضاً. فقد أدرك أينشتاين أنّ الزّمانَ والمكانَ ليسا كائنَينِ منفصلين، بل هما جانبَين مختلفَين لما يُسمّى بـ "الزّمكان". إنّ هذا النّسيج الفضائيُّ يسبح بالمواد الموجودة فيه بينما تدور مجرّاته. فالّنجوم والكواكب تتحرك، مُسبّبة للزّمكان أن ينحني عقب ذلك، ما يؤدي إلى دورانِ نجومٍ وكواكب أخرى، مسببين انحناء الزّمكان أيضاً، وهكذا دواليك. إذاً هذه هي رؤية أينشتاين العظيمة، فالجاذبيّة ما هي إلا مظهرٌ من مظاهر انحناء الزّمكان.

نشر أينشتاين هذه المُكتشفات عام 1915 تحت اسم النّظرية النّسبيّة العامة. وأصبحت الآن تُعرف بنظرية الجاذبيّة بدلاً من نظريّة نيوتن. نحن نعلم أن النّسبيّة العامة صحيحة لأنّ نظرية أينشتاين تنبّأت بعدةِ أشياءَ هامة لم تتمكن نظريّة نيوتن من التّنبّؤ بها. أحدها أنّ الضّوء ينحني بفعل الجاذبيّة. وقد شُوهد ذلك في كسوف الشّمس عام 1919، فكان ذلك برهاناً مُذهلاً على صحّةِ نظريّةِ أينشتاين، وتمَّ الإعلانُ عنه في العناوين الرّئيسيّة للصّحف وقد كانت تلك هي بداية شهرةِ أينشتاين.

المصدر:

هنا