البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

الخلايا اللمفاوية التائية وعبقرية الطبيعة

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعدُّ الخلايا التائية جزءاً مُهماً من الجهاز المناعي، وخاصةً عند الإنسان؛ إذ تقضي على العديد من العوامل الممرضة، وأحياناً على خلايا فقد الجسم سيطرتَه عليها، أو أصيبت بفيروس ما مثلاً، ولكنَّها ترتبط مع بقية أجزاء الجهاز المناعي بشبكةٍ معقدةٍ من علاقاتِ التحريض والتعاضد والتعرُّف المشترك والتلقيم الراجع وما شابه، لتصلَ بالمناعة إلى هدفها الأساس: حمايةُ الجسم وضبط إيقاعه. في هذا المقال، تجدون شرحاً مُفصَّلاً عن مكونات الجهاز المناعي: هنا

تُعدُّ الخلايا المُقدِّمة للمُستضدّ كالخلايا البلعمية والخلايا التغصُّنية مفتاحاً رئيسياً لعمل الخلايا التائية، إذ تقوم بتفعيلها من خلال إظهارها المُستضدَّ وتقديمِه مربوطاً بمعقد التوافق النسيجي الكبير، ثمَّ يقوم البروتيازوم proteasome -وهو معقدٌ بروتينيٌّ آخرُ من شأنه هضمُ البروتينات وإعدادُها و تحويرُها حسب برمجة الخلية واحتياجاتها- بمعالجة هذه المعقدات بحيث يُكوِّن بنىً خليطةً بدمج أجزاءٍ منها مع المُستضد المطلوب، تحوي هذه البنى أجزاءً من الشخص نفسه (من معقد التوافق النسيجي من النمط الأول مثلاً) وأخرى من الميكروب المسبب لردّة الفعل المناعية تلك.

كيف تتعرَّف الخلايا على المستضد؟

من خلال الحَاتِمة (epitope) التي تُعرف أيضاً بـ "مُحدِّد مُولِّد الضد" وهي بنى بروتينية خاصة موجودةٌ على سطح الخلايا، تقوم مقامَ إشاراتِ التعريف، كما أنَّ لها البنيةَ المناسبةَ كي تتعرَّفَ على المُستضدات وترتبطَ بها أحياناً، ما قد يؤدي بالنتيجة إلى قضاءِ الجهاز المناعي عليها، إمَّا مباشرةً بالطريق الخَلوي، أو بوساطة بروتيناتٍ جوَّالة كالأضداد مثلاً.

ما علاقة البروتيازوم بالحاتِمة؟

يقوم البروتيازوم بتشكيل الحواتِم. اعتُقد طويلاً أنَّ البروتيازوم يختار قطعاً مُفردةً من البروتين المستضدي لتشكيل الحاتِمة رَغمَ تحدُّث بعض التقارير عن حالاتٍ من الضفائر أو الجدائل البروتينية المُتشكلة من قطعتين مثلاً، إلا أنَّها عُدَّت دوماً حوادثَ فرديةً ضئيلةَ التواتر، ولكنَّ البحثَ الحالي أكدَّ على أنَّ 25% من الحواتِم من ناحية التوافر و 30-40% منها من ناحية التنوع هي بروتيناتٌ ضفائرية، ما يشبه موظفاً ما زال ملتزماً بألوان لباس شركته الموحدة (أبيض وأسود مثلاً) ولكنَّه قام باستبدال بعض القماش بين القميص والبنطال بحيث أصبح كلٌّ منهما يحوي اللونين معاً.

ما أهمية هذه النتيجة؟

كشف هذا البحث أنَّ نظامَ الإشارات في الجهاز المناعي أعقدُ ممَّا كنا نتصوَّر؛ إذ إنَّ التعرُّفَ على هذه الحواتم الضفائرية ليس بالسهولة التي نتصورها، بل وربما يُسهِمُ في تفسير حدوث بعض أمراض المناعة الذاتية كالداء السكري من النمط الأول. كما أنَّ هذا البحثَ قد يجعلنا نعيد التفكيرَ بل والتصميمَ في حال بحثنا عن أدوية جديدة لبعض الأمراض، وخاصةً العلاجات المناعية واللِّقاحات؛ إذ تحسنت معرفتنا لقدرة إشارات الجهاز المناعي وتنوّعها، كما أنَّه قد يجعلنا بحاجة إلى دراساتٍ أكثرَ عمقاً عند محاولتنا تصميمَ علاجاتٍ شخصية ودقيقة في إطار ما يُسمى بالطب الفردي الذي يُعدُّ نوعاً جديداً وواعداً من المُقاربات الطبية.

ما زال أمامنا الكثيرُ لنكتشفَه، ولكننا يوماً بعد آخر بفضل مثل هؤلاء الباحثين نفهم عن أنفسنا أكثر فأكثر، ما قد يجعلنا نحسِّن نمطَ حياتنا وطرقَ علاجنا...

المصادر:

هنا

هنا