الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض

التغذية الصحيحة ومقدار الذكاء لدى كبار السن

استمع على ساوندكلاود 🎧

يقترح بعض العلماء أن الذكاء ينقسم إلى قسمين؛ الذكاء السائل والذي يبرز دوره في حل المشاكل التي تعترضنا حديثاً وبشكل مستقلٍ تماماً عن المعارف التي اكتسبناها سابقاً، والذكاء المتبلور، وهو الذكاء الذي يأتي حصيلة خبراتنا المتراكمة ومهاراتنا المكتسبة. ولأن الدماغ من أهم أعضاء الجسم، فهو يحتاج إلى التغذية الصحيحة، ولذلك عمل الباحثون على دراسة تأثير أحد المغذيات – وهو اللوتين – على قدرات الأشخاص المتقدمين بالعمر في الحفاظ على الذكاء المتبلور.

وتشير الدراسة الأخيرة إلى ارتباط استهلاك الصبغةِ الموجودةِ في الخضار الورقية في الحفاظ على الذكاء المتبلور Crystallized intelligence لدى كبار السن.

وقد احتلّت مادة اللوتين Lutein مكاناً مميزاً بين المغذيات الأخرى من حيث تأثيرها على الدماغ، وهي واحدة من عدة أصبغةٍ نباتيةٍ يكتسبها الإنسان عن طريق تناول الخضار الورقية وخاصةً نباتاتِ الفصيلة الصليبية كالبروكلي، إضافةً إلى صفار البيض، وقد وجد بنتائج الدراسات السابقة أنها ترتبط بالأداء المعرفي للشخص خلال فترة حياته، إذ لوحظ أن اللوتين يتراكم في المنطقة الرمادية في الدماغ، والتي تقوم مهمتها على الحفاظ على الوظيفة الإدراكية للدماغ أثناء التقدم بالعمر، فيندمج في أغشية الخلايا حيث يلعب دوراً واقياً للأعصاب هناك.

وفي الدراسة الأخيرة، شارك 122 شخصاً بصحةٍ جيدةٍ تتراوح أعمارهم بين 65 و75 عاماً، وطلبت منهم الإجابة عن عدة أسئلة ومسائل معطاة لهم من قبل الباحثين كاختبارٍ معياريّ للذكاء المتبلور، كما قام الباحثون بجمع عينات دموية من المشاركين لتحديد مستوى اللوتين في مصل الدم فضلاً عن تصوير أدمغة المشاركين باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي لقياس حجم البنى المختلفة في الدماغ.

ركّز الفريق على أجزاء القشرةِ الصدغية، وهي المنطقة التي تؤكد الدراسات على دورها في الحفاظ على الذكاء المتبلور. وقد وجد الباحثون أنّ أداء المشاركين الذين لديهم مستوياتٌ مصليةٌ مرتفعةٌ من اللوتين في اختبارات الذكاء المتبلور كان أفضل من نظرائهم ذوي المستويات المنخفضة. ومع أنّ مستويات اللوتين في المصل عادةً ما تعطي فكرةً عن المدخول الغذائي على مدى فترةٍ زمنية قريبة فقط، إلا أنّها ترتبط لدى كبار السن بتراكيز اللوتين المتراكم في الدماغ، الأمر الذي يعكس المدخول الغذائي على المدى الطويل.

من جهةٍ أخرى، وُجد أن المنطقة الرمادية كانت أسمك لدى الأفراد ذوي المستويات المرتفعة من اللوتين وذلك في القشرة المجاورة للحُصَين Parahippocampal cortex، وهي منطقة تشابهُ الذكاء المتبلور في كونها تحتاج للتغذية الصحيحة لتبقى بحالةٍ جيدة خلال المراحل الطبيعية والمحتّمة لشيخوخة الدماغ. وقد لوحظ ارتباط سماكة هذه المنطقة مع اللوتين والذكاء المتبلور في الفصّ الدماغي الأيمن بشكل خاص. مما يشير، وللمرة الأولى، إلى أن بعض المناطقِ المحددة من الدماغ يمكن أن تلعب دوراً في الحفاظ على الذكاء المتبلور، فضلاً عن تأثير بعض العوامل الأخرى كالنظام الغذائي في تلك العلاقة.

يُذكر أن نتائجَ هذه الدراسة لا تشير إلى علاقة سببية بعد، إلا أنها تؤكد وجود رابط ما بين اللوتين والذكاء المتبلور عبر القشرة المجاورة للحُصَين، ولا يمكن حتى الآن إلا أن تُقترح بعض الفرضيات لآلية تأثيرِ اللوتين على بنية الدماغ، ومنها أن يكون ذا دورٍ مضادٍ للتهاب، أو أن يساعد في عملية إرسال الإشارات بين الخلايا. وعلى أية حال، فإن نتائج هذا البحث تؤكد أن بعض المغذيات تمتلك فعالية في تقليل تدهور الوظائف الإدراكية مع التقدم بالسن وذلك عبر تأثيرها ببعض خصائص شيخوخة الدماغ.

المصدر: هنا

الدراسة المرجعية:

Parahippocampal Cortex Mediates the Relationship between Lutein and Crystallized Intelligence in Healthy, Older Adults, Marta K. Zamroziewicz et al., Frontiers in Aging Neuroscience, doi: 10.3389/fnagi.2016.00297, published 6 December 2016.