الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

عادات سيئة قد تحمي طفلكِ من الحساسية!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يتعرضُ الإنسانُ منذُ ولادتِه إلى الملايينِ من العواملِ الخارجيّةِ من أطعمةٍ وميكروباتٍ وموادَّ كيماويةٍ وغيرِها، ويتولّى الجهازُ المناعيُّ مهمةَ الدفاعِ عن جسمِ الإنسانِ ضدَّ المُمرِضِ منها ليحميَهُ من الأمراضِ والأوبئة.

عند تعرُّضِ الجهازِ المناعيِّ إلى مُستَضِدٍّ غريبٍ فإنه يتفعّل وتبدأ مجموعةٌ من الآليّاتِ المعقدةِ التي تنتهي بتشكيلِ أَضدادٍ نوعيةٍ لهذا المستضِدِّ تقضي عليه، وكذا حِفظُ معلوماتٍ كافيةٍ عن هذا التفعيلِ لتُستخدَمَ حالَ التعرضِ مرةً أخرى لهذا المستضِد. إلّا أنّ عمليةَ التفعيلِ هذه ليست مطْلَقةً بلا قيودٍ، فبمجرّدِ التفعيلِ تنطلق حَدَثِيّةٌ أخرى موازيةٌ تعمل على ضبطِ الاستجابةِ وإيقافِها عند الحدِّ المطلوبِ، حفاظاً على خلايا الجسمِ السليمِ و كيْلا تستمرَّ الاستجابةُ الالتهابيةُ إلى الأبد.

بالمقابل فإنّ ظاهرةَ "التحمّلِ المناعيِّ" تعمل عند الأشخاصِ السليمين على عدمِ تطويرِ أيِّ ردةِ فعلٍ مناعيّةٍ عندما تدخلُ المسْتضِدّاتُ العديدةُ اليوميةُ كالغبارِ والأطعمةِ وغيرِها إلى أجسادِنا وخاصّةً عبر الأغشيةِ المخاطية. وفي حالِ حدوثِ أيِّ خللٍ في التحمّلِ المناعيِّ فإنّ ذلكَ قد يؤدي لتطورِ ردودِ فعلٍ تحسسيةٍ التهابيةٍ غيرِ طبيعيةٍ عند التعرضِ لهذه المستضدّاتِ اليوميةِ، ومن ثَمَّ الإصابةِ بالأمراضِ التحسُّسية.

ولقد دفعتِ الزيادةُ الملحوظةُ في انتشارِ الأمراضِ التحسسيّةِ في العقودِ الأخيرةِ العلماءَ والباحثين إلى تكثيفِ الجهودِ لدراسةِ أسبابِ وآليّةِ الإصابةِ بهذه الأمراض، وتوصّل العلماءُ إلى ما يُعرف باسم “نظريةِ النظافة" التي تَفترضُ أنّ (فرْطَ النظافةِ) في المجتمعاتِ الحديثةِ وخاصةً في مرحلةِ الطفولةِ ستَحرم الطفلَ من التعرّضِ للعديدِ من الجراثيم والمستَضِدّاتِ والعواملِ المُمْرِضةِ، ومن ثَمَّ تثبيطِ تطوّرِ جهازِه المناعيِّ الطبيعيّ، وخاصةً ما يرتبط منه بالتحملِ المناعي.

في السياق نفسِه بيّنتْ دراسةٌ، قام بها باحثون في نيوزيلاندا وكندا وشمِلت حوالي 1000 طفلٍ، أنّ الأطفالَ الذين يمصّون إبهامهم ويقضمونَ أظافرهَم لديهم احتمالٌ أقلَّ للإصابةِ بأمراضٍ تحسسيةٍ فيما بعد. وبَدَتِ الفوائدُ أكبرَ عندَ الأطفال الذين اعتادوا الأمرَين معاً أو كانت لديهم عاداتٌ "فمويّةٌ" أخرى.

يقول مالكولم سيرز؛ أحدُ الباحثين القائمين على الدراسةِ في جامعةِ مكماستر في كندا: " إن النتائجَ التي توصلنا لها تتماشى مع نظريةِ النظافةِ التي تفيد بأنّ التعرّضَ المبكرَ للوحلِ والجراثيمِ يخفضُ خطرَ تطوّرِ الحساسية. ورغم أنّنا لا نشجعُ على مثلِ هذه العاداتِ، إلا أنّ هناكَ جانباً إيجابيّاً لها".

جمع فريقُ البحثِ البياناتِ من دراسةِ (دونيدن متعددةِ الاختصاصات) التي جرى فيها تتبُّعُ 1037 شخصاً وُلِدوا ما بين عامَي 1972 و 1973 في مدينةِ دونيدن في نيوزيلاندا.

فقد سُجِّلَت عاداتُ مصِّ الإبهامِ وقَضْمِ الأظافرِ للأطفالِ المشاركين بالدراسة بأعمار 5 و 7 و9 و 11 سنة، ومن ثَمَّ أُجرِيَ اختبارُ التحسُّسِ الجلديِّ بالوَخْزِ في أعمار 13 و 32 عاماً، والذي يوضّح إن كانوا حسّاسين تجاه واحدةٍ أو أكثرَ من موادِّ الاختبار كالغبار أو العَثِّ أو العشبِ أو الحيواناتِ المنزلية.

توصّل الباحثون إلى أنَّ 31% من الأطفال كانوا يمصّون إبهامهم أو يقضمون أظافرَهم بشكلٍ متكررٍ، وكان هؤلاء الأطفالُ معرّضين بنسبةٍ أقل للإصابةِ بالحساسيّةِ (38%) بعمرِ 13 سنة، من أولئك الذين لم تُسجّل لديهم عاداتٌ فموية (49%)، في حين كانت النسبةُ أقلَّ من كل ما سبق لدى الأطفالِ الذين مصّوا إبهامَهمم وقضموا أظافرَهم معاً (31%).

واستمرّت فوائدُ هذه العاداتِ حتى عمرِ 32 عاماً، ولكن على الرّغم من ترافُقِ مصِّ الإبهامِ وقضمِ الأظافرِ مع معدّلاتٍ أقلَّ من الحساسيةِ في الاختبار، فإنها لم تُظهِر أيَّ ارتباطٍ مع الربوِ أو حمّى القش.

لم يستطعِ الباحثون التوصّلَ لمعرفةِ الآليّاتِ البَيولوجيةِ المفسِّرةِ لهذه الموجوداتِ، حيث يقول روبرت هانوكس اختصاصيُّ الوبائيّاتِ التنفسيةِ من جامعةِ أوتاغو في نيوزيلاندا: “حتى ولو افترضنا أنّ الأثرَ الوقائيَّ ناجمٌ عن التعرّضِ للمتعضياتِ الجرثومية، فإنّنا لا نعرفُ أيّاً من هذه المتعضّياتِ هو المفيدُ أو ما هي الآليةُ التي تؤثر بها على الوظيفةِ المناعيّة!".

يقول الدكتور هانوكس: " إنّ نظريةَ النظافةِ -رغم أنها غيرُ مثبتة- هي نظريةٌ مثيرةٌ لأنها تفترض أنّ نمطَ الحياةِ قد يكون مسؤولاً عنِ الزيادةِ في الأمراضِ التحسّسيةِ طوال العقودِ السابقة، وهذه الدراسةُ هي دليلٌ جديدٌ قد يشير إلى صحتِها".

أخيراً، ليس هذا المقالُ تشجيعاً على العاداتِ السيئةِ ولكنّه يسلّط الضوءَ على الجانبِ الآخرِ- وقد يكون السيّءَ- للنظافةِ المفْرِطةِ، وبالتالي على أهميةِ أن يعيشَ الطفلُ بتوازنٍ وتناغُمٍ مع الطبيعةِ والمحيط.

الخلاصة:

- التحمّل المناعيُّ هو الآليةُ التي تمنع تفعيلَ الجهازِ المناعيِّ عند التعرضِ للمُستَضِداتِ اليوميةِ، وخللُ هذه الآليةِ يؤهّب للإصابة بالأمراضِ التحسُّسية.

- نظريةُ النظافةِ تفترض أنّ التعرضَ المبكرَ في أثناءِ الطفولةِ للجراثيمِ والمستَضدّاتِ المختلفةِ يزيد نُضجَ الجهازِ المناعيِّ ويعزّز آلياتِ التحملِ المناعي.

- في الدراسة التي أجراها الباحثون في نيوزيلاندا وكندا كان الأطفالُ الذين يمصّون إبهامهم ويقضمون أظافرَهم أقلَّ عرضةً للإصابة بالأمراضِ التحسسيةِ فيما بعد من الأطفالِ الذين لم تكن لديهم عاداتٌ فموية.

أخيراً، تظلّ العاداتُ الصحيةُ من ناحيةِ العقامةِ والنظافةِ الشخصيةِ عاملاً مثْبَتَ الفائدةِ يخفف من تعرضِنا لإنتاناتٍ قد تكون عواقبُها مميتةً؛ فلا يجب إهمالُها أو نكرانُها، وإنما يجب أن تُمارَسَ بشكل صحيحٍ ، بل وربّما دون مبالغةٍ مَرضيةٍ نُسيء فيها لجهازِنا المناعيِّ دون أن نحتسب.

مقالات ذات صلة:

هنا

هنا

المصادر :

هنا

هنا

هنا