المعلوماتية > الذكاء الصنعي

تطبيقات أخرى للذكاء الصنعي

استمع على ساوندكلاود 🎧

في هذا المقال وهو المقالُ الأخيرُ في سلسلتنا من مقدِّمةِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ، سنتحدّثُ عن بعض التّطبيقاتِ الّتي لم نتطرّق لها خلالَ السِّلسلة، والّتي تُعتَبرُ الآنَ صُلْبَ العملِ البحثيِّ في الذّكاءِ الصُّنعيِّ، سنتعرّفُ عن كيفيّةِ تحسينِ الذّكاء الصُّنعيّ أشكالَ حياتِنا المختلفة في ثلاثِ مجالاتٍ هي: اللّغاتُ البشريّةُ الطّبيعيّةُ وفهم الحاسوب لها، الرّؤية كالبشر والتّعرّفُ على الأشياءِ، و كيف يمكن استخدام الرّوبوتاتِ لجعل حياتنا أفضل.

لنبدأ بمعالجةِ اللّغاتِ الطّبيعيّةِ:

إنَّ أحد أهمِّ تطبيقاتِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ هو معالجةُ اللُّغاتِ الطّبيعيّةِ. نعني بهذا المصطلح أن نسمحَ للحاسوبِ بمعالجةِ اللُّغاتِ البشريّةِ لنُمكِّنَه من فهم معاني اللّغاتِ البشريّةِ المختلفةِ.

بطبيعة الحال، يقوم الحاسوب بالتّعاملِ مع اللّغات بشكلٍ يوميٍّ لكنَّ اللُّغات الّتي يتعامل معها هي لغاتٌ مُخصَّصةٌ للآلة، لها بنيةٌ مُحدّدةٌ ودقيقةٌ جداً بحيث لا تسمح بوجود أيِّ غموضٍ ولذا فهي محدودةٌ جداً من حيث قدرتها.

هذه الصّفاتُ الّتي تجعلها بسيطةُ الفهم من قبل الحاسوب لا تنطبق على اللُّغاتِ الطّبيعيّةِ المحكيّةِ من قبل البشر. إنَّ لغاتِنا كالعربيّةِ والإنكليزيّةِ والصّينيّةِ وغيرها من اللُّغاتِ مُعقّدةٌ وتحتوي على الكثيرِ من الكلماتِ الّتي قد تحمل أكثرَ من معنى . فلنأخذ مثلاً كلمة "عين" في اللّغة العربيّة، هذه الكلمة قد تعني الحرف "ع" وقد تعني الجهاز الحي الّذي تستخدمه بعض الكائناتُ الحيّةُ للرُّؤية وقد تعني أيضاً نبعَ الماء. يقوم البشر عادةً بفهم الغموضِ في الكلمات من السّياقِ الّذي وردت به الكلمات حتّى بعد ذلك فإنَّه من الممكنِ أن تكونَ الكلمةُ غامضةً فنطلب الإيضاح.

يعاني الحاسوب من مشكلةٍ أضخمَ، إذ أنَّه يجد صعوبةً حتّى في فهم السّياق وبالتّالي يَصْعُبُ عليه تفسيرُ الجُمَلِ.

من الممكن أن نسألَ: لماذا نوّدُ أن يفهم الحاسوب كلام البشر؟ في الواقعِ إنّ ما يدفعُنا لذلك هو القطاعُ الواسعُ من التّطبيقاتِ الذّكيةِ المُحتملةِ، فعلى سبيل المثال:

1- إعطاءُ الأوامرِ الصّوتيّةِ خلال القيادة.

2- ترجمةُ النُّصوصِ بشكلٍ آليٍّ ودقيق.

3- التَّعرُّفُ على النُّصوصِ الّتي تحتوي معانٍ نوَّدُ تقييدها كما في نشر الكراهيّةِ وانتهاكِ حقوقِ الاستخدام.

4- تلخيصُ النُّصوص التّلقائيّ وتسهيلُ عمليّةِ البحثِ (كما في مُحرِّكاتِ البحثِ الشّهيرةِ).

هنا يأتي دور الذّكاءِ الصُّنعيّ حيث أنَّه من الممكن استخدام ما تطرَّقنا له خلال السِّلسلةِ فمثلاً من الممكنِ استخدامُ خوارزميّاتِ البحث للمساعدةِ في توقّعِ معنى كلمةٍ ما، وفي بعضِ الأحيانِ يعتمدُ الحاسوب على نموذجٍ احتماليٍّ يقوم من خلالِهِ بتقديرِ احتمال أن تحملَ كلمةٌ معناً معيناً ومن ثمَّ يختارُ المعنى ذو الاحتمالِ الأعلى.

ساهمت هذه الأساليبُ في تقدُّمِ معالجةِ اللُّغاتِ الطبَّيعيّةِ لكنَّها مازالت محدودةً جداً بقدرتها على التَّعرُّفِ على أمورٍ كثيرةٍ كاللّهجاتِ المحليّةِ والاستخدام المعاصر للكلماتِ بقصدٍ مختلفٍ عن معناها الأصليّ. لحلِّ هذه المشاكل والسَّعيِّ نحو جَعْلِ الحاسوب يتعاملُ بشكلٍ أكثرَ دِقةً مع اللُّغاتِ الطَّبيعيّةِ بدأنا نستخدمُ أساليبَ كتعلُّمِ الآلة حيث أنَّنا نعرِضُ على الحاسوب نصوصاً بكميّاتٍ ضخمةٍ ونستخدم خوارزميّاتٍ (كما في الشّبكاتِ العصبونيّةِ) ليقومَ الحاسوبُ بتعلُّم اللُّغة وأساليب استخدامِها بشكلٍ يشابه تعلُّمَ الإنسان، ومن ثمَّ يتمُّ استخدامُ النَّماذجَ المُدرَّبة من قِبَلِ هذه الخوارزميّات..

بعض هذه البرامج تُتابعُ التَّعلُّم حتّى بعدَ بدءِ الاستخدامِ كما تلاحظون في التّرجمة الّتي يقوم بها موقع فيسبوك حيث أنَّه يسمحُ للمستخدِمِ بإبداءِ رأيه عن دقّةِ التّرجمةِ كي تستطيع الخوارزميّةُ تقييمَ عملِها.

أحدُ التّطبيقاتِ الأخرى للذّكاءِ الصُّنعيِّ هو الرّؤيةُ الحاسوبيّةُ:

ماذا نعني بكلمة رؤية؟ لا نعني مجرد التقاطِ الصُّورِ والأفلامِ فهذا عملٌ لا يحتاجُ إلى حاسوبٍ. نعني بكلمةِ الرُّؤية الحاسوبيّة جعلَ الحاسوبِ قادراً على فهم الصُّورةِ الّتي يراها وتحليلِ عناصِرِها والتَّعرُّفِ على الأشكالِ المختلفةِ فيها.

لماذا نحتاجُ شيئاً كهذا؟ هذه بعضُ التّطبيقاتِ الّتي نحتاجُ فيها رؤيةً حاسوبيّةً:

1- السّيّاراتُ ذاتيّةُ القيادة.

2- أنظمة التَّوجيهِ في المراكبِ الفضائيّةِ والطّائراتِ (مثلاً، طائرةُ الـ SR-71 كانت تستخدِمُ مواقِعَ النُّجومِ لتحديد موقِعها)

3- بناءُ عيونٍ الكترونيّةٍ لمساعدةِ الأشخاصِ الّذينَ لديهم مشاكلُ في النَّظرِ بشكلٍ تامٍ أو جزئيٍّ.

4- التّعرُّفُ على الوجوه في أنظمةِ الحمايةِ ومُكافحةِ الجريمةِ.

إذا كانت هذه بعضُ تطبيقاتِ الرُّؤية الحاسوبيّة فكيفَ تعمل؟ بَدَأ العمل على الرُّؤيةِ الحاسوبيّةِ بشكلٍ بسيطٍ جداً من خلال البحثِ في الصّورِ عن تركيبِ الألوانِ واستخدامِ ذلك للتّخمين عن محتوى الصّورة، ثمَّ ازدادّ العملُ تعقيداً فأصبحتِ البرامجُ تستخدمُ خوارزميّاتِ البحثِ الذَّكيَّةِ لمحاولةِ إيجادِ بعضِ الملامحِ ومقارنتِها مع مجموعةٍ من الأشكالِ المعروفةِ مُسبقاً للبرنامج، وفيما بعد ازدادت الرَّغبةُ والحاجةُ لدقَّةٍ أكبرَ فتمَّ استخدامُ الشَّبكاتِ العصبونيَّةِ وتعلُّمِ الآلة، كما في مُعالجةِ اللُّغاتِ الطَّبيعيّةِ، إنَّ ذلك شكَّلَ أهميّةً ضخمةً حيثُ لن يضطرَّ مُصمِّمُ البرنامج لإفهامِ الحاسوب كلَّ الاحتمالاتِ المُمكنةِ للصُّورة إنَّما يجعله يتعلّمُ من أمثلةٍ سابقةٍ بما يُكسِبُ الحاسوبَ خبرةً في تحليلِ الصّورةِ ومقارنَتِها مع ما تعلَّمَهُ ومن ثمَّ إصدار الحكم على طبيعة الصّورة. هذه التّقنيّاتُ تمكِّننا اليومَ من بناءِ سيّاراتٍ تقودُ ذاتَها إذ أنَّها الآن تقرأ إشاراتِ المرورِ وتنتبهُ للمشاةِ وللسّيّاراتِ الأخرى وتُتابعُ حالةَ الطّريقِ كي تصل بالرّاكبِ إلى مبتغاهُ بدقّةٍ وأمنٍ عالٍ والكثيرَ الكثيرَ.

عِلْمُ الرُّوبوتات:

كثيرةٌ هي الأفلامُ الّتي تعرِضُ جيوشاً من الرِّجالِ الآليّةِ تهاجمُ العالَم، وتعرِضُ شكلَ الحياةِ على هذا الكوكب إذا ما سيطرَت عليه.

لكنَّ الحقيقةَ أنَّ الرُّوبوتات ليست رجالاً آليّةً فقط، ولم يكن الغرضُ من تطويرها خَلْقَ مُنافسٍ للإنسانِ ومصدرِ خطرٍ.

انطلقت فكرة الرُّوبوتات من تطوير آليّاتٍ قادرةٍ على تنفيذِ مهامَ معينةٍ، ولتقومَ بذلك تمَّ تزويدَها بأجزاءَ تستجيبُ للمنبِّهاتِ المُحيطيّةِ وتُدعى بالمُستجيباتِ، كالأرْجُلِ والعجلاتِ والمفاصلِ والملاقطِ، و بأجزاءَ قادرةً على فهم البيئةِ المُحيطةِ وتدعى بالحسّاساتِ، كالكاميرا واللّيزر لقياس البيئة المُحيطة، ومُستَشعِرِ الجيروسكوب ومُسْتَشِعِرِ التّسارعِ لقياسِ حركةِ الرُّوبوت نفسه. أمَّا كلمةُ روبوت فقد أتت من كلمةٍ تشيكيّةٍ تعني: '' العامِلُ المُجْبَرُ على العملِ''.

تُصَنَّفُ الرُّوبوتاتِ إلى :

- الأذرُع الرُّوبوتيّة: الّتي يتمُّ ربطَها بمكانِ عملِها، مثلَ الرُّوبوتاتِ في المصانعِ أو في محطةِ الفضاءِ الدّوليّةِ أو حتّى في المشافي لُمساعدةِ الجرّاحينَ وهي تملِكُ سلسلةً من المفاصلِ الّتي تُمَكِّنُ مُسْتَجيباتَها من اتّخاذِ أيِّ وضعيَّةٍ ضِمنَ مكانِ العملِ.

- الرُّوبوتات المُتحرِّكة: وهي الرّوبوتات الّتي تتحرَّكُ بين البيئاتِ المختلفةِ باستخدامِ العجلاتِ أو الأرْجُلِ أو أيَّةِ آليَّةٍ مُماثلةٍ وتُستَخدمُ في الكثيرِ من المهمَّاتِ بِدءاً من إيصالِ الطَّعامِ في المشافي إلى استكشافِ الكواكبَ مثلَ Planetary Rover الّذي قامَ باستكشافِ كوكب المرّيخِ في عام 1997 وتمَّ استخدامُه في المهامِ اللّاحقةِ كذلك.

- الرُّوبوتات المتحرِّكة والمناورة: وهي الّتي تَجمعُ خواصَ النَّوعَينِ السّابِقين وتحاولُ محاكاةَ حركاتِ البشرِ. يمكنُ لهذه الرُّوبوتاتِ أن تَصِلَ إلى أماكنَ لا تصلُها الأذرعُ الرُّوبوتيَّةُ لامتلاكِها حريّةَ الحركةِ لكنَّ مهمَّتها تبقى أصعبُ لأنَّها تفتقِرُ إلى الصّلابَةِ الّتي تتمتَّعُ بها الأذرع الرُّوبوتيّةُ.

كما ويشمَلُ عالَمُ الرُّوبوتاتِ الأعضاءَ الصُّنعيّةَ للإنسانِ، والبيئاتِ الذّكيّةَ (كالمنزلِ المُجهَّزِ بالكاملِ بهذه المُسْتَجيباتِ والحسّاسات)، والأنظمةَ مُتعدِّدةَ الرُّوبوتاتِ.

حتّى يقوم الرّوبوت بتنفيذِ مهامِه، يحتاجُ إلى التّفاعلِ مع البيئةِ المحيطةِ، كأن يُدركَ أبعادها ومكوناتها ومتغيراتها ولهذا يجبُ تمثيلُ هذه البيئة بطريقةٍ يفهمها الرّوبوت، ولأنّ العالَمَ الحقيقيَّ مُتغيرٌ باستمرار، فيجبُ كذلكَ تزويدُ الرُّوبوت بما يُمكِّنَه من تطوير معلوماته واكتسابِ الخبرات الّتي تساعدُهُ في اتّخاذ القرار المتاسب عندما يواجه ظرفاً لم يتمّ تدريبَه عليه، وهنا يبرز دورُ خوارزميّات الذّكاءِ الصُّنعيِّ الّتي تُساعد في اتّخاذ القرار والّتي تحدّثنا عنها في المقالاتِ السّابقةِ.

ها نحن قد وصلنا لختام سلسلتنا، تعرّفنا بها على بعض مبادئ الذّكاءِ الصَّنعيّ، كيف يعمل ولماذا نستخدمه وما هي قدراته وإلى أين يتّجه من حيث التّطبيقاتِ المختلفةِ في حياةِ الإنسانِ.

المصادر:

Peter Norvig - Artificial Intelligence A modern Approach

David Vernon - Short Introduction to Robotics and AI