الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

ورم القواتم Pheochromocytoma

استمع على ساوندكلاود 🎧

يوجدُ في جسمِ كلِ إنسانٍ عضوان بشكلِ حبة الفاصولياء؛ هما الكليتان وفوقَ كلِ واحدةٍ توجدُ غدةُ الكظر، المؤلفةُ من قشرٍ يفرزُ مجموعةً من الهرمونات - تحدثنا عنها في مقالٍ سابق (في سياق داء أديسون)، لقراءة مقال داء أديسون -

هنا

ولبٍ يفرزُ هرموناتٍ أخرى.

وما يهمنا في مقالنا هو لبُ الكظر المسؤولُ عن إفرازِ الأدرينالين والنورأدرينالين اللذين يملكان دوراً في زيادةِ معدلِ الاستقلابِ (العملياتِ الكيميائيةِ الحيوية في الجسم) وتضيّقِ الأوعيةِ الدموية ورفعِ الضغطِ وغيرِ ذلك؛ وباختصارٍ فإنهما مسؤولانِ عن جزءٍ من الجهازِ العصبي يُسمى (الجهازَ الوديَ) الذي يُعرف أيضاً بـ Fight or Flight أي "قاتل أو اهرب". بعبارةٍ أخرى فإنهما يساعدان الجسمَ على القيامِ بالوظائفِ في حالاتِ الشدةِ والخطرِ؛ حيثُ يرفعان الضغطَ ويزيدان تقلصَ القلب كما ذكرنا فيساعدان على الجريِ (للهرب أو للقتال) على سبيل المثال لا الحصر.

ورم القواتمُ Pheochromocytoma (يمكن تهجئته أيضاً كـ Phaeochromocytoma) عبارةٌ عن ورمٍ حميدٍ غالباً ينشأُ على حسابِ خلايا لبِ الكظرِ مما يجعلُها تفرزُ كمياتٍ كبيرةً جداً من الأدرينالين والنورأدرينالين.

الأعراض والعلامات:

الأعراض هي ما يَحسُ به المريضُ، أما العلاماتُ فهي ما يكشفُه الطبيب. وتنجم كلتاهما عما يترتبُ على الجسم نتيجةَ الورمِ الذي يصيب لب الكظر، وتشملُ:

• ازديادَ خفقانِ القلب.

• التعرق.

• آلامَ الرأسِ الشديدة.

هذه الأعراضُ هي الأهم، لكن ذلك لا يمنعُ أن نجدَ بعضَ الأعراض الأخرى كـ:

• الجلدِ الشاحبِ (وذلك نتيجةً لتقبُضِ الأوعيةِ الشعريةِ – يحدثُ التقبّضُ بسبب تقلصِ العضلاتِ الملساء في جدرانِ الشعيرات الدموية مما يؤدي إلى نقصانِ قطرِها، والشعيراتُ الدموية هي أصغرُ أجزاءِ الجهازِ الوعائي حجماً وعن طريقها يتمُ إيصالُ الأوكسجينِ والأغذيةِ للنسجِ الخلويةِ وسحبِ ثنائي أوكسيد الكربون وباقي الفضلات- وهذا التقبض ناتجٌ عن الهرموناتِ التي يفرزُها الورم في محاولةٍ من الجسم للتأقلمِ مع حالةِ الشدةِ المفترضة المترافقةِ مع إفرازِ هذه الهرمونات، فيحاولُ تقليصَ كميةِ الواردِ الدموي إلى الأعضاء غير الحيوية كالجلد، لصالحِ ضخِ زيادةٍ منه إلى القلب والعضلات و..).

• نقصانِ الوزنِ (فالهرموناتُ المُفرَزةُ في ورم القواتم تزيدُ الاستقلابَ واستهلاكَ الطاقة).

• الانزعاجِ والعصبية.

• الرجفانِ غيرِ المسيطرِ عليه في العضلات.

• آلامِ البطن.

• الدوارِ عندَ الانتقالِ من الاضجاعِ أو الاستلقاءِ إلى الوقوف.

• تسارعِ التنفسِ السطحي (كالذي يحدثُ لدى الشخصِ العادي بعد التمارينِ المُجهدة –لكن وفي هذه الحالة المرضية- يكونُ دونَ جهد).

• الإحساسِ بالحرارة في الوجهِ وتدفُق الدمِ إليه رغمَ أن جلدَ الوجه قد يكون شاحباً.

• ارتفاعِ الضغط الدموي

• اضطرابِ نَظمِ القلب (أي اضطراب الإيقاع الذي يعمل به القلب).

طبعاً، لا يعاني كلُ المرضى من الأعراضِ المذكورة كلِها، بل إن بعضَهم يكون لا عرضياً، أي لا تظهرُ عليه أعراضُ المرض.

ما الذي يسبب المرض؟

للأسف، وفي معظمِ الحالات خاصةً تلك التي تظهرُ لدى البالغين فإن السببَ مجهول، حتى أنه قد لا يوجدُ تاريخٌ عائليٌ للمرض.

لكن وفي بعضِ الحالات قد يكون المرضُ موجوداً في سياقِ اضطرابٍ وراثيٍّ (جيني) آخر مثل:

• متلازمة MEN-1*

• متلازمة VHL**

• Neurofibromatosis***

تسببُ هذه الأمراضُ نموَ أورامٍ في أجزاءٍ مختلفةٍ من الجسمِ مثلَ لب الكظر مما يؤدي إلى الإصابةِ بورم القواتم. ويمكنُ توريثُها بشكلٍ سائد، وإن لم يفهمْ القارئُ العادي معنى الوراثة السائدة، فهي ليست بالأمر المعقد، فالجيناتُ الموجودةُ في الجسم هي "الوصفة" التي يتمُ بموجبِها تصنيعُ البروتيناتِ اللازمةِ لبناءِ وإدارةِ العملياتِ الحيويةِ في الجسم، هذه الجيناتُ موجودةٌ على شكلِ أزواج (ثنائيات) نرثُ نصفَها من الأبِ والنصفَ الآخرَ من الأم، وعندما تتعرضُ الجيناتُ لتغيُرٍ في بنيتِها نقولُ أنَها طافرةٌ وقد تسببُ المرض؛ وهنا بيت القصيد، ففي المرضِ الوراثي ذي النمطِ السائد، يكفي وراثةُ جينٍ طافرٍ فقط من أحدِ الأبوين لحصولِ المرض - رغمَ أن الجينَ المقابل له والذي وُرِث من الأبِ الآخر سليمٌ (والأب الآخر قد يكون أباً أو أماً) - أما في النمطِ المتنحي فلابدَ من وراثةِ جينين طافرين من الأبوين لحصولِ المرض. وبالنسبة لموضوعِنا فإن الأمراض المذكورة هي من النمط السائد1،2،3.

ويجدرُ بنا الإشارة إلى أن هناك عشرة جيناتٍ متورطةٍ بالإصابة في هذا المرض1.

التشخيص:

حقيقةً، فإن التشخيصَ ليس بالأمر السهل، فلن يزورَ المريضُ الطبيبَ لحظةَ ذروة ظهور الأعراض، ولذا فعلى الطبيبِ أخذَ قصةٍ شاملةٍ من المريضِ عن الأعراض التي عانى ويعاني منها وعليه كذلك الاستقصاء عن الأمراض الموجودة في العائلة –نخصُ منها بالذكر الأمراضَ التي ذكرناها وذلك عند الشك بورم القواتم- وهناك مجموعةٌ من الفحوصات يمكن القيام بها لتحري المرض، منها تحليلُ تركيزِ الميتاأدرينالين metadrenaline ونورميتاأدرنيالين normetadrenaline وهي عبارةٌ عن مركباتٍ ناتجةٍ عن تحطُمِ (استقلاب) الأدرينالين والنورأدرينالين في الجسم، وفي حالةِ ورمِ القواتم يرتفعان (أي يرتفع تركيزُ الميتاأدرينالين نتيجةَ زيادةِ تحطمِ الأدرينالين الناجمةِ بدورها عن ازدياد اصطناعِه في الجسم بسبب الورم).

هناك طرقٌ تصويريةٌ يمكن استعمالها مثل الطبقي المحوري CT والرنينِ المغناطيسي MRI.

العلاج:

بعدَ تشخيصِ الورم، فإن العلاجَ غالباً هو الجراحةُ سواءَ كانت جراحةً مفتوحة Open Surgery أو جراحةً تنظيرية Laparoscopic Surgery 1،2،3(وهي جراحةٌ تتمُ بإدخالِ أنبوبٍ صغيرٍ مع كاميرا أو ملاقطَ أو كاوي عبر شقٍ صغيرٍ في البطنِ والحوض وتُسمى هذه الطريقة أيضاً بـ keyhole surgery)4.

وفي حال كان الورمُ خبيثاً فربما يُعالَجُ المريضُ بالعلاجِ الكيميائي أو الشعاعي.

ويجبُ على المريضِ عادةً أن يأخذَ أدويةً تُعرفُ بحاصراتِ ألفا وبيتا قبلَ العملية بأسابيعَ لتزيلَ أثرَ الهرمونات –الأدرينالين والنورأدرينالين-على الجسمِ وتخفضَ الضغط الدموي2.

قاعدة الـ (عشرة بالمئة):

تنصُ هذه القاعدةُ بشكلٍ تقريبي على أن:

• %10 من أورامِ القواتم خبيثة.

• %10 من المصابين بأورامِ القواتمِ أطفال.

• %10 من أورامِ القواتم تصيبُ كلتا غدتي الكظر.

• %10 ناكسة، أي %10 من المرضى سيظهرُ لديهم الورمُ بعد استئصاله بخمسِ سنوات5.

وأخيراً، ففي إحدى حلقاتِ المسلسلِ الطبيِ House M.D فإنَ الطبيبَ غريغوري هاوس المعروفَ بذكائه الفريد ومعرفته الطبيبة الواسعة يشخصُ ورمَ القواتمِ لدى سجينٍ محكومٍ عليه بالإعدامِ نتيجةَ جرائمِ قتلٍ ارتكبَ إحداها خلالَ نوبةٍ من ارتفاع الأدرينالين النورأدرينالين نتيجةَ إصابته بالورم المذكور؛ وصفَ المريضُ حالتَه بأنَه شعرَ وكأن مِثقباً يثقبُ جمجمته ففعل ما فعل؛ فهل تعتقد عزيزي القارئ أن هذا المجرمَ ضحيةُ تأخيرٍ في تشخيص حالته؟ وماذا لو تقدمَ الطبُ بحلولٍ أسرعَ للكشف المبكر؟ ألا ينقذُ ذلك المجرمَ وضحيتَه معاً؟ لنتأمل ذلك قريباً.

الحاشية:

* الـ MEN-1 أو Multiple Endocrine Neoplasia-1 هي مرضٌ وراثيٌ سائدٌ يؤدي إلى نموِ أورامٍ في مجموعةٍ من الغدد الصُم هي: الدرق، وجارات الدرق، والبنكرياس، والكظر.

** von Hippel-Lindau syndrome هي متلازمةٌ تتميزُ بظهورِ أورامٍ في مناطقَ مختلفةٍ من الجسمِ وغالباً ما تكونُ أوراماً حميدة تظهر عندَ اليُفّع (البالغين الصغار).

*** الـ Neurofibromatosis مرضٌ يتميزُ بظهورِ الأورامِ على حسابِ الأعصابِ (ويجب أن نعلمَ أن خلايا لب الكظر هي خلايا عصبية معدلة وهذا ما يفسر ترافق هذا المرض مع ورم القواتم).

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

مصادر الحاشية:

هنا

هنا

هنا