الاقتصاد والعلوم الإدارية > علوم مصرفيّة

هل سيكون بنك دويتشه هو ليمان برذرز التالي؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

أجرت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً بخصوص بنك دويتشه Duestche Bank الألماني وبشأن ارتباطه بالأصول المتعلقة بأزمة الرهن العقاري في عام 2007-2008، والتي أدت إلى أكبر ركود في التاريخ الحديث. بحسب تقرير صادر عن مجلة وول ستريت بشأن التحقيقات، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية غرامة بلغت 14 مليار دولار على البنك، وقام بنك دويتشه بتأكيد ما جاء في تقرير وول ستريت مما أدى إلى انخفاض سعر سهم البنك بمقدار 6.8% بغضون ساعة من إعلان الخبر.

هذه ليست المرة الأولى التي يجد البنك فيها نفسه في مواجهة السلطات التنظيمية في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 2013 دفع 1.9 مليار دولار لتورطه في أمور مشابهة، ومن ثم تمّ حلُّ الدعوة المرفوعة من قبل وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية. إنّ هذه الغرامة تشكل حوالي 37.2% من الدخل الصافي للبنك، كما أنّ غرامة كهذه سوف تمحو صافي دخل البنك من الفوائد، وقد صرّح بنك دويتشه أنّه سيتفاوض مع وزارة العدل الأمريكية على تسوية لغرامة أقل بكثير من 14 مليار دولار.

هل بنك دويتشه مستعد لهذه الغرامة؟

بمعرفة أنّ القيمة السوقية للبنك تساوي تقريباً 18 مليار دولار، فإن غرامة بمقدار 14 مليار دولار لن تكون إشارة جيدة. يمتلك البنك الذي يواجه عدة قضايا قانونية حوالي 6 مليار دولار فقط في الاحتياطيات القانونية، لذلك دفع غرامة بمقدار 14 مليار دولار سوف يؤثر بشكل خطير على هيكل رأس المال للبنك. ومن المهم أيضاً ملاحظة أنّ بنك دويتشه يعاني من ناحية الربحيّة، حتى أنّه حقق عوائد سلبية في الربع الأخير من عام 2015. هذا وقد حقق البنك الألماني نفقات قضائية وغرامات أكثر من أي مؤسسة ماليّة أخرى منذ بداية عام 2008. وقد فشل بنك دويتشه في اختبارات الضغط التي أجراها البنك الفيدرالي والتي تهدف إلى قياس قدرة البنك على تحمل الأوقات العصيبة، كما أن هنالك مخاوف تحيط بالبنك نتيجة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، حيث أن أغلب أعماله كانت تتمّ في بريطانيا. بالإضافة إلى ذلك، صرّح صندوق النقد الدولي في وقتٍ مسبق من هذا العام أنّ المقرض الألماني (بنك دويتشه) يظهر على أنه المساهم الأكبر في المخاطر النظاميّة. بمعنى آخر، إن هذا البنك كبير جداً ولديه القدرة على سحب المؤسسات المالية الأخرى نحو الانهيار.

شهدت أسعار أسهم بنك دويتشه الألماني انخفاضاً إضافياً بمقدار 7% بعد تقرير مجلة فوكس الألمانية، فبحسب التقرير استبعدت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل أي مساعدة أو دعم من الدولة للبنك في معركته ضد وزارة العدل في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة لذلك قرر المستثمرون الفرار من البنك الألماني المحاصر. بعد تقرير مجلة فوكس أصدر المتحدث باسم البنك (Jörg Eigendorf) بيان لطمأنة المستثمرين قائلاً:" لم يحدث في أية مرحلة وأن طلب John Cryan (المدير التنفيذي لبنك دويتشه) من المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل التدخل في قضية السندات المدعومة برهون عقارية سكنيّة. هذه المسألة ليست على جدول أعمالنا، بنك دويتشه عازم على مواجهة التحديات بمفرده، مسألة زيادة رأس المال ليست حالياً على جدول الأعمال، ونحن نلتزم بكل متطلبات رأس المال".

تتطلع المؤسسة الاستثمارية الأوروبية الكبرى (بنك دويتشه)، إلى إصلاحات استراتيجيّة تجعل المؤسسة أكثر مرونة ومنافسة. حيث شرع بنك دويتشه الألماني بتجميد التعيين والتوظيف لتحسين دخله الصافي، ووفقاً لبلومبيرغ فإن تجميد التعيين سيُطبّق على كامل الشركة وسوف يُباشر تطبيقه بشكلٍ فوري. جاءت هذه الحركة بعد انتشار شائعة تتضمن بأنّ المؤسسة الاستثمارية سوف تسعى إلى تغيير استراتيجية إعادة الهيكلة المتبعة في محاولة لتحقيق الربح مرة أخرى. ووعد المدير التنفيذي الجديد (John Cryan) المستثمرين مؤخراً بأنّ البنك يقوم باتخاذ خطوات نحو إعادة الهيكلة بأقصى قدر ممكن في 2016، وبحسب ما نقلته رويترز فإن تجميد التعيين سيكون من ضمن الخيارات، حيث لوحظ ارتفاع طفيف بعدد العمال في الفترات الأخيرة. لم تأكّد إدارة بنك دويتشه بشكل علني الشائعة، ولكن بحسب بلومبيرغ تلقى مدراء العمليات التشغيليّة في مختلف الأقسام في البنك رسائل تُعلمهم بأنّه سيتمّ تعليق كل عمليات التعيين ذات الأثر الفوري، إلا أنَّ بلومبيرغ لم تذكر أو تحدد مصادرها.

عاد بنك دويتشه ليجذب الاهتمام من جديد في بداية تشرين الأول، ذلك بعد انتشار شائعات تشير إلى تعاونه مع البنك الإيطالي Monte Paschi بالعديد من ممارسات الاحتيال المالي. جاء التقرير من رويترز اقتباساً عن مصادر قانونية مجهولة المصدر، بأن التركيز الأساسي لإجراءات المحكمة هو بخصوص المشتقات المركبة، التي استخدمت لإخفاء الخسائر المالية لبنك Monte Paschi. وفقاً للمدعين العامين، تمّ استخدام نوعين من المعاملات المتعلقة بالمشتقات بين البنك الإيطالي وبنك دويتشه من أجل إخفاء خسارات في ميزانية البنك الإيطالي، وتمّ القيام بهذه المعاملات بين عامي 2008 و2012. مع مواجهة بنك دويتشه لغرامتين قانونيتين محتملتين، فإنّ المستقبل المالي للبنك يبدو أكثر خطورة، حيث فشل البنك في تحقيق أرباح منذ عام 2014، مع خسائر صافية بلغت 6.8 مليار للسنة المالية 2015، بالنسبة للعام الحالي وحتى هذا التاريخ يحقق البنك أرباح سلبية للسهم الواحد بمقدار 4 سنت. أدى نقص الأرباح في البنك إلى انخفاض قيمة السهم بمقدار 51.8% منذ بداية الأزمة، وذلك حتى بعد ارتفاع بقيمته بلغ 14% نتيجة الشائعة بأن بنك دويتشه كان قريباً من إجراء تسوية مع السلطات الأمريكية. وفقاً لتقرير صادر عن سكاي نيوز في 25 تشرين الأول، سوف تتريث وزارة العدل الأمريكية قبل فرض العقوبات على بنك دويتشه وعدة بنوك أخرى في أوربا.

هل سيكون بنك دويتشه هو ليمان برذرز التالي؟

هدد انهيار ليمان برذرز عام 2008 النظام المالي العالمي وسبّب واحدة من أكبر الأزمات المالية في العصر الحديث. حتى حزيران 2016، لم تعلن أي مؤسسة مالية كبرى بمكانة ليمان برذرز إفلاسها. ولقد قام العديد من المراقبين المنظمين للائتمان بإصلاحات واسعة كزيادة متطلبات رأس مال واختبارات الضغط وذلك لتحقيق الاستقرار في المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، بينما تمّ اتباع سياسات مشابهة لتحقيق الاستقرار في البنوك الأوربيّة، ومع ذلك فإن الميزانية العمومية لبنك دويتشه الألماني تبيّن إفراطاً في المخاطرة. ولعل أكبر مشكلة تواجه بنك دويتشه هي الإفراط في الرفع المالي، حيث سيكون على الشركة زيادة رأس المال من الأسهم لحل مشكلة رفعها المالي، حيث خفّض المحللون المصرفيون في بنك باركليز تصنيف أسهم بنك دويتشه، وأشار المحللون إلى أن البنك يحتاج إلى زيادة رأس المال لدفع التسويات التي نشأت عن بيعه لسندات الرهن العقاري قبل الأزمة الماليّة العالميّة. وقد خلصوا إلى أن الخطر يتمثل في أن زيادة رأس مال إضافي قد يكون صعباً وسوف يضعف حقوق المساهمين، هذا وقد رفع البنك رأسماله بمقدار 21.7 مليار دولار في ثلاث مرات منفصلة منذ بداية الأزمة الماليّة العالميّة.

بالإضافة إلى ذلك يعاني بنك دويتشه من خطر المشتقات الكبير، بحسب ما ورد من قِبل بنك التسويات الدولية، كان إجمالي القيمة العالميّة لعقود المشتقات المستحقة على البنك 550 تريليون دولار خلال عام 2015، وذكر بنك دويتشه في إعلان أرباحه في 29 نيسان 2016 أن لديه تعرّض لمشتقات بمبلغ 72.8 تريليون دولار، أو حوالي 13% من الإجمالي العالمي. في 15 حزيران 2016، كان يساوي إجمالي التعرّض للمشتقات حوالي 3600 مرة الرسملة السوقيّة للبنك التي تبلغ 20.26 مليار دولار.

هذا ويبقى المحللون غير متأكدين كيف سيكون أثر فشل بنك دويتشه في وفاء التزاماته على البنوك والشركات الأوروبية، إذا لم يتمكن البنك من أن يحقق أرباحاً وفشل، كما حدث في ليمان برذرز في عام 2008، قد يكون أثره على الاقتصاد العالمي كبيراً. ويمكن ملاحظة أثر فشل البنوك على الأسواق الماليّة حول العالم من خلال أداء مؤشر S&B 500 بعد الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008-2009، حيث بلغ التراجع أكثر من 50%، وعانى مؤشر S&B 500 من حدوث ذعر في عمليات البيع. ومن غير المؤكد حصول سيناريو كهذا في ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي، ولكن هناك مخاوف بخصوص فشل بنك دويتشه في تحقيق أرباح في حال واجه الغرامات المحتملة.

المصادر

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا