الرياضيات > الرياضيات

الخوارزميّ: مؤسّس علم الجبر

استمع على ساوندكلاود 🎧

الأصل و النّشأة:

ولد محمد بن موسى الخورازميّ في مدينة خيوة (خوارزم) في أوزبكستان الحاليّة، وعاش بين عامي 780 - 850 ميلاديّة، يُرَّجح أنّه وُلِدَ لأسرةٍ فارسيّة. نشأ الخوارزميّ في بغداد في عصر حكم الأسرة العباسيّة، وكان من أوائل الّذين أداروا مكتبة بيت الحكمة، التّي أنشأها الخليفة المأمون كمكتبةٍ كُبرى ومركز للتّرجمة من اللّغات الهنديّة والسّريانيّة واليونانيّة للّغة العربية.

ما هي أهمّ إنجازات الخوارزميّ الرّياضيّة؟

- حلّ المعادلات التّربيعيّة والإتمام إلى مربعٍ كاملٍ:

قام الخوارزميّ بابتكارٍ مفهوم <الإتمام إلى مربعٍ كاملٍ> والّذي لا يزال مستخدماً على نطاقٍ واسعٍ لحلِّ المعادلات التّربيعيّة، و من المثير أنّ المصطلح مُستخدمٌ بترجمته الحرفيّة في اللّغة الإنكليزيّة المعاصرة “completing the square” method . و بالرّغم من استخدامها الواسع إلّا أنّ أصلَ التّسمية الّتي أطلقها الخوارزميّ ليست معروفة للكثيرين، إذ إنّه استخدم طريقة هندسيّة في حلِّ المعادلات التّربيعيّة، ربّما شكَّلت هذه الطّريقة أوّل أشكال الهندسة الجبريّة، كما مهَّدت لتطوير تلك الأساليبِ والتّقنيات لاحقاً على يد علماءَ لاحقين، نذكر منها هنا حلَّ المعادلات التّكعيبيّة هندسياً على يد الخيّام والتّي استُعرِضَت في مقالٍ سابقٍ، و سنستعرض هنا كيف حلَّ الخوارزميّ المعادلات التّربيعيّة:

لنأخذ مثلا المعادلة التّربيعيّة:

رسم الخوارزمي مربعاً ذا ضلع X فتكون مساحته

مدَّدَ الخوارزميّ كلَّ ضلعٍ من أضلاع المربّع بمستطيل طولُه مساوٍ لطولِ ضلعِ المربّع، و عرضه مساوٍ لربع أمثال X أي في حالتنا:

أي إنه أضاف لمساحة المربّع مساحةَ أربعة مستطيلاتٍ كلٌّ منها مساحته فتصبح المساحة المُضافة:

الآن المساحة الكليّة هي ، هذه المساحةُ معطاةٌ من المعادلة ذاتِها و تساوي 39.

لنفكِّر الآن في المربع الخارجيّ النّاشىء، إنّ له ضلعاً مساوياً لـ x+5/2+5/2 و بالتّالي مساحتة مساويةٌ لـ وهذه المساحة من جهة أخرى مساويةٌ لمساحة المربع الأصلي مع المستطيلات الأربعة مضافةً إليها مساحةُ أربعة مربَّعات في الزاوايا الأربع ذوات أضلاعٍ متطابقة و مساوية لـ أي مساحة فتصبح مساحةُ المربع الخارجي معروفةً و مساويةً لـ 25 مضافاً إليها المساحةُ المستقاة من المعادلة و الناشئةُ عن تمديد المربع الأصلي بأربعة مستطيلات و المساوية لـ 39 ، أي إن مساحة المربع الخارجي هي 25+39=64 ، وهذه مساحة مربع ذو ضلع مساوٍ لـ 8 ، و لكننا نعلم طول ضلع المربع الخارجي بدلالة x و هي:

x+5/2+5/2=x+5=8

و منه نستنتج بوضوحٍ قيمةَ x المجهولة و الّتي لا بدّ أنها تساوي 3. إنّ الحيلة الهندسيّة الّتي ابتكرها الخوارزميّ جعلت المعادلاتِ التّربيعيّة تؤول إلى معادلاتٍ من الدّرجة الأولى سهلةِ الحل لا تستلزم سوى جبر الطّرف الثّاني بطرح 5 منه.

جبر ؟ نعم جبر و هو لغويّاً ضدَّ الكسر، واستخدمها الخوارزميّ للإشارة لعمليّة الطّرح تلك، إنّها نقطة بدايةِ علم الجبر الّذي أسّسه الخوارزميّ، إنّ أصلَّ كلمةِ الجبر في كلِّ اللّغات المعاصرة مردّه إلى عمليّة الجبر تلك، و الّتي ظهرت في عنوان كتابٍ ألَّفه الخوارزميّ "الجبر والمقابلة" ، الّذي كتبه باللّغة العربيّة حوالي 820 ميلاديّة وقدّمه للخليفة المأمون.

الشكل 1 الصفحة الأولى من مخطوطة كتاب الجبر والمقابلة المحفوظة في جامعة أوكسفورد

- الأرقام الهندو-عربيّة والأرقام العربيّة

لم يكن نظام التّرقيم الرومانيّ المعتمد على الحروف و الخالي من الصّفر فعالاً بما فيه الكفاية، إذ إنّ له حدود في الاستخدام و لا سيّما للأعداد الكبيرة، إذ يصبح عدد الحروف اللّازمة لتمثيل العدد كبير جداً. كما أنه مفتقر للصّفر، أي إنّه لم يكن نظام عدٍّ بقدر ما كان تمثيلاً لمجموعةٍ محدودةٍ من الأعداد باستخدام الأبجديّة.

قام الخوارزميّ بترجمة كتاب السّند-هند للّغة العربيّة، ومن خلاله تعرّف على الأرقام الهنديّة وأدخلها للعالم الإسلاميّ في ذلك العصر، والّتي تمَّ إضافة الصّفر إليها لتصبح أساس النّظام العشريّ، و بالرّغم من وجود مفهوم الصفر في الثّقافة الهنديّة إلا أنه لم يكن رقماً، بمعنى أنّه لم يُستخدم على يمين العدد للإشارة إلى مرتبة الرّقم الّذي يقع يساره، هل هو آحاد أم عشرات أم مئات ... إلخ. قام الكنديّ ، وهو عالمٌ عربيٌّ معاصرٌ للخوارزميّ في عام 830 ميلادية، في كتابه 'رسالة حول استخدام الأرقام الهنديّة' بشرح طريقة استخدام الأرقام الهندو-عربيّة ، واضعاً أساساتٍ لنظام العد ذي الإمكانيّات غير المحدودة والّذي أصبح فيما بعد معروفاً بنظام العدّ العشريّ.

إن اختراع نظام العدِّ العشريّ المعتمد على العشرة أرقامٍ بما فيها الصّفر مهّد الطّريقَ للتّفكير فيما بعد بأنظمةِ عدٍّ أخرى لا تعتمد العشرة كأساسٍ لها، كنظام العدّ الثنائيِّ الّذي تمَّ تطويره ليتلاءم مع آليّة عمل الحواسيب الحاليّة، بالإضافة لأنظمة العدِّ الأخرى الّتي تمَّ تطويرها في القرن العشرين كنظام العدِّ الثُمانيّ والسِّت عشريّ.

بعد أنّ شكَّل الأندلس بؤرة حضارةٍ انعزلت جغرافياً عن المشرق، اشتقَّ العلماء المغاربة على اختلاف أجناسهم من عرب وأمازيغ ومولدين أشكالاً جديدة من الأرقام الهندو-عربيّة ، والّتي دخلت أوروبا لاحقاً لتُعرَف بالأرقام العربيّة، و هي ذاتها الأرقام المستخدَمة في أغلب أنحاء العالم اليوم، ينافسها بتواضع الأرقام الهندو-عربيّة الّتي لا تزال مستخدمةً في بعض بلدان المشرق ولا سيّما في مصر ومنطقة سوريا الكبرى بالإضافة إلى إيران. و في الشّكل المرافق مقارنة بين الأرقام الهنديّة والهندو-عربيّة و العربيّة .

الشكل 2 تاريخ تطور الأرقام العربية

وتذكر آن روني في كتابها 'تاريخ الرّياضيات من بناء الأهرامات إلى استكشاف اللّا نهاية' ، إنّ الأرقام الهنديّة تمّ تعديلها من قبل العرب في الأندلس، ليصبح كلُّ رقمٍ مساوٍ لعدد الزّوايا الّتي يحويها رسمه الهندسيّ، وبالرّغم من الضّعف الشّديد لهذا القول تاريخيّاً إلّا أنّه من المفيد ذكره، كونه شائع و يضفي على الصّياغة النهائيّة للأرقام العربيّة صفةً منطقيّةً.

الخوارزميات -

يرجع الفضل للخوارزميّ وزملائه المعاصرين له، في تطوير مفهوم 'الخوارزميّة' و الّذي يعني باختصارٍ شديدِ الخطواتِ اللّازمةَ لحلِّ مسألةٍ ما، فيما اقتصرت الخوارزميّات في عصر ازدهار الحضارة الإسلاميّة على المسائل الحسابيّة، و يذكر أنّ لكلِّ مسألةٍ أكثر من خوارزميّةٍ لحلِّها، و تتميز كلُّ خورازميّةٍ عن أخرى بدرجة تعقيدها، أي بعدد الخطوات اللّازمة للوصولِ إلى النّتيجة، و اكتسب موضوعُ تعقيدِ الخورازميّاتِ أهميّةً كبيرةً مع الثّورة المعلوماتيّة، إذ إنّ حجم المعطيات يحدِّد الخورازميّة المُثلى اعتماداً على درجة تعقيدها.

دخل مفهوم الخوارزميّة إلى اللّغات الأوروبيّة ، تحت اسم

algorithm وهي كلمة مُشتّقة من الكلمة اللّاتينية algorismus والّتي يعود الفضل في ابتكارها‘إلى العالم الخوارزميّ في القرن التاسع الميلادي

ليُعاد اكتشافه هذا المفهوم في القرن العشرين مع بزوغ الحاجة إليه ولا سيما في علوم الحاسوب المعاصرة ، حيث يتمُّ استخدامه على نطاقٍ واسعٍ.

يكثر الجدل بين الحين والأخر عن عرق الخورازميّ ، أفارسيٌّ هو أم عربيٌّ؟ ففي حين تذكر الموسوعة البريطانيّة أنّه عربيٌّ، بينما يشير لقبه إلى منطقة خوارزم ذات الغالبيّة النّاطقة بالفارسيّة.

على أيِّ حالٍ ربما لن يُسرَّ الخوارزميّ إن سمع هكذا جدل، كون ما يهمُّ في نهاية المطاف أنه نشأ وتعلَّم وكتب في ثقافةٍ عربيةٍ،

فدَأْبُ العلماءِ الكبار في سعيهم و بحثهم عن المعرفة هو الانتماء البشريّ الأوسع حيث يتسامون عن الحواجز اللّغوية أو العرقيّة ويصبحون مصدر فخرٍ لكلِّ الأمم عبر التاريخ.

المصادر :

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا