التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ملكات عبر التاريخ... سميراميس... الملكة الآشورية الغامضة

استمع على ساوندكلاود 🎧

من طفلة في البراري أطعمها اليمام إلى أشهر ملكات الشرق القديم....إنها سميراميس تابعوا معنا قصتها...

كانت سامو-رامات أو سميراميس كما اشتهرت ملكة وصية على عرش الإمبراطورية الآشورية بين عامي 811- 806 ق.م.

عُرفت أيضاً باسم شامورامات أو سامورامات، وكانت زوجة شَمشي-أدد الخامس الذي حكم بين عامي 823 - 811 ق.م وقد تولت الحكم بعد وفاته حتى بلغ ابنها أدد - نيراري الثالث سن الرشد حيث سلمته مقاليد الحكم حينها.

تقول عنها المؤرخة غويندولين لييك: "حققت هذه المرأة شهرةً وقوة كبيرتين في حياتها وحتى بعد موتها حيث تذكر السجلات الحديثة أن سميراميس كانت ذات تأثيرٍ مهم على البلاط الآشوري". الأمر الذي من الممكن أن يفسر قدرتَها على صون العرش بعد وفاةِ زوجها. لم يكن بمقدور النساء الوصول إلى مناصبَ قيادية في الإمبراطورية الآشورية، وحكم امرأة كان شيئاً لا يخطر بالبال مالم تكن امرأة ذات سلطة قوية بما يكفي لتمسك زمام السلطة. هذه بالتحديد كانت مشكلة بالنسبة لحكم سامورامات حيث لا يوجدُ سوى القليل من المعلومات عن حكمها وإنجازاتها مما جعل بعض المؤرخين يصفونها بالسيدة الآشورية الغامضة للقرن الثامن قبل الميلاد والتي لا نعرف عنها شيئاً سوى اسمها المنقوش باسم "سيدة القصر". إلا أنه وعلى مايبدو أنها أكثر من ذلك وبالرغم من القليل المتبقي لدينا عن حكمها إلا أنه كافٍ ليجعَلها مساوية لسلفها من حكام فقد استطاعت الحفاظَ على المملكة بعد وفاة زوجها.

سلف سميراميس:

كان شمشي-أدد الخامس ابن شلمنصر الثالث وحفيد آشور ناصربال الثاني اللذان أمّنا بحكمهما الناجح وحملاتهما العسكرية الاستقرار والموارد المناسبة لشمشي-أدد الخامس ليبدأ حكمه الناجح وليس لأخيه الأكبر المتمرد على الحكم. ويبدو أن الابن الأكبر لشلمنصر الثالث آشور-دانين بال قد سأم انتظار الحكم فشنَّ عصياناً ضد والده شلمنصر الثالث عام 826 ق.م. فيما وقف شمشي-أدد الخامس إلى جانب والده وقضى على العصيان إلا أن ذلك أخذ منه 6 سنوات. وفي الوقت الذي هزم فيه آشور-دانين بال كان شمشي-أدد الخامس قد فقد العديد من موارده وبالتالي أصبحت الإمبراطورية الآشورية ضعيفة وغير مستقرة.

حكم سميراميس:

ظهرت سميراميس في الوقت نفسِه في السجلات التاريخية وليس معروفاً متى تزوجت الملك ومتى توفي زوجها وتولت الحكم. لقد كانت قادرة على تأمين الاستقرارِ للبلاد حيث يعتقدُ المؤرخون بأنه ومنذ ذلك الزمن الذي يبدو غيرَ واضح لأهل آشور فإن الحكم الناجح لامرأةٍ قد ولَّد نوعاً من الرعب أكبر من ذلك للملك كونه أمراً غيرَ مسبوق. فقد كانت قوية بما يكفي ليكون لها شاهدة خاصة متوضعة في مكان بارز من مدينة آشور. حيث نقش عليها: شاهدة سامورامات ملكة شمشي-أدد ملك الكون وملك آشور، والدة أدد-نيراري ملك الكون وملك آشور، كِنة شلمنصر ملك أقاليم العالم الأربع.

ليس معروفاً على وجه التحديد مافعلته سامورامات خلال حكمها إلا أنه وعلى وما يبدو أنها أنشأت عدداً من المشاريعِ المعماريةِ وقد تكون قد قادت حملاتٍ عسكرية بنفسها. حسب المؤرخ ستيفن بيرتمان فإن سميراميس قد اتخذت خطوةً استثنائية بأن رافقت زوجها قبل وفاته في إحدى حملاتِه العسكرية وقد ذُكرت ذلك بشكل بارزٍ في النقوش الملكية. وبعد وفاة زوجها يبدو أنها استمرت بقيادة الحملات العسكرية بنفسها بالرغم من أن هذا أيضاً والكثير غيره يبقى محطَّ تساؤل. مهما كانت قد فعلت فقد قامت بإرساء الاستقرار في الإمبراطورية بعد الحرب الأهلية وضمنَت لابنها دولة ضخمةً وآمنةً حينما وصل للحكم. ومن المعروف أنها هزمت الميديين واستولت على مناطق حكمهم ومن الممكن أنها غزت الأرمنَ وبحسب هيرودوت قد تكون هي من شيدت السدودَ في بابل على نهر الفرات والذين كانوا ما يزالون مشهورين في زمنه. وما فعلته أيضاً امتزج بالأساطير بعد حكمها فقد علقت المؤرخة سوزان وايس باور: وصلت الأميرة البابلية سامورامات لمكانة عالية في السلطة. إمرأةٌ على العرش الآشوري الأمر الذي لم يحدث من قبل وقد عرفت سامورامات ذلك جيداً. الشاهدة التي بنتها لنفسها كانت لحد ما بغيةَ ربط نفسها بأي ملك أشوري ممكن. لم تسمي نفسها ملكة شمشي-أدد وأم أدد-نيراري فحسب وإنما كِنة شلمنصر ملك الأقاليم الأربعة.

كان وصول سامورامات إلى السلطة صاعقاً حيث تردد صداه بعيداً في الذاكرة التاريخية لأناس قد وصلوا لتوهم لمكان هذا الحدث. تذكرها الإغريق وأعطوها اسم سميراميس. قال عنها المؤرخ الإغريقي كتسياس بأنها ابنة آلهة السمك التي ربتها اليمامات وتزوجت ملك آشور وأنجبت ولدا يدعى نينياس. عند وفاة زوجها استولت على السلطة غدراً. تُردد القصة القديمة صدى اسم أدد-نيراري كنينياس ابن الملكة الأسطورية. وهذه ليست القصة الوحيدة التي تشير إلى أن سامورامات قد استولت على السلطة بطريقة غير معلنة (مشبوهة)، حيث يخبرنا المؤرخ الإغريقي ديودوروس بأن سيراميس قد أقنعت زوجها بأن يسلمها السلطة لخمسة أيام فقط ليرى كم هي جيدة بإدارتها وعندما وافق على ذلك أمرت بإعدامه واستولت على التاج بشكل دائم.

تلك الأساطير عن سميراميس وزواجها من نينياس قد أوحت وماتزال توحي للكثير من الحكايات عن حكم هذه الملكة. وبحسب أحد سجلات Gesta Treverorum (من اللاتينية وتعني أفعال ترفيري ) في القرن الثاني عشر فإن تأثيرَ سميراميس قد وصل حتى جرمانيا القديمة. تقول الحكاية أن لنينياس ولدا من زواج سابق يدعى تريبيتا. كرهت سميراميس ابن زوجها وعدته تهديداً فقامت بنفيه بعد وفاة زوجها أو من الممكن أنه قد فر من آشور خوفاً على حياته مع مجموعةٍ من أتباعه حيث أنشؤوا مدينة ترير Trierفي ألمانيا حالياً والتي أصبحت من أكبر مدن الامبراطورية الرومانية فيما بعد. وفي سجلات أخرى كسجلات ديودوروس سيكيليوس والتي تبدو كأنها قد جمعت بين سجلات سابقة لحكم سامورامات والأساطير المتعلقة بالآلهة عشتار أو إنانا مما جعل هذه الملكة سميراميس أسطورية و شبه إلهية. اختلف المؤرخون حول هذه النظرية وادعى بعضاً منهم بأن سامورامات ليس لها علاقة بشخصية سميراميس اللاحقة كما ذهب آخرون بأن سامورامات لم تحكم مطلقاً كوصية على العرش. ذكر المؤرخ ولفرام فون سودن بأن سامورامات وسميراميس في الأدب الإغريقي التي حكمت كوصية على العرش بعد سنة 810 ق.م أمر لا يمكن إثباته. لم يكن ولفرام فون سودن وحده في هذا الادعاء بل أصر العديد من المؤرخين على الإدعاء القائل بأن سامورامات لم تحكم الامبراطورية الآشورية فحسب بل كانت ملهمة للعديد من الأساطير المحيطة بشخصية سميراميس.

الشكل (1): نسيج فلمنكي مزخرف للملكة سميراميس ووصيفتيها، 1480م، أكاديمية هونولولو للفنون حالياً.

سميراميس في الأدب:

وبقيت سميراميس ورغم كل شيء من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ القديم بل وأصبحت أكثرَ جدلاً منذ القرن التاسع عشر الميلادي عندما نشر الكاهن المسيحي ألكسندر هيسلوب كتابه بعنوان البابلييَن "The Two Babylons" سنة 1858م. يشير الكتاب إلى أن سميراميس كانت زوجة نمرود وبأنها نفسها عاهرة بابل بينما لا يوجد أي دليل تاريخي يدعم صحة ادعائه. الأخطاء التاريخية في هذا الكتاب كثيرة جداً على أن تحصى ورغم ذلك يبقى للكتاب تأثيراً قوياً على بعض القراء فيما يخص فهم التاريخ القديم بشكل عام وسميراميس على وجه الخصوص، كما ويعتبره البعض مرجعاً موثوقاً مما جعله يساهم بتغذية الجدل المحيط بسميراميس.

سواء كانت سامورامات نموذجاً لسميراميس أم لا الأمر الذي ما يزال مثار جدل بين المؤرخين المعاصرين الذين لم ينفكوا يستشهدون بالنقوش نفسها في حججهم المتضاربة وعلى ما يبدو بأنه جدل لن يُحل قريباً. نعتمد ببساطة على دليل واحد وهو الشاهدة التي نصبتها سامورامات لنفسها في مدينة آشور المزدهرة والتي تظهر بأنها كانت ملكةً آشورية مثيرةً للإعجاب وقوية جداً عُرفت عند الأجيال اللاحقة باسم سميراميس.

المصدر:

هنا