الهندسة والآليات > التكنولوجيا

بطارياتٌ تُحاكي الأمعاءَ البشرية

استمع على ساوندكلاود 🎧

قامَ العلماءُ بتطويرِ نموذجٍ جديدٍ من البطارياتِ مستوحى من الأمعاءِ البشرية، واتباعُ هذا النهجِ الحيويّ قدّ يمهدُ الطريقَ إلى مصادرَ طاقةٍ أقوى بكثيرٍ من أجلِ أجهزتِنا الرقميّة، هذا النموذج – والذي يقدّمُ طاقةً أكبر بخمسةِ أضعافٍ من بطاريةِ الليثيوم أيون المستعلمةِ في الهواتفِ الذكيّةِ والحواسبِ المحمولةِ – يَستعمِلُ خلايا الليثيوم كبريت، وتصميمُهُ المُحاكي للأمعاءِ قدّ يجعلُ هذه البطارياتِ ذات الطاقةِ الكثيفةِ تمتدُ لأمدٍ طويلٍ بشكلٍ يناسبُ الاستخدامَ التجاريّ.

يقودُ هذه الأبحاثَ فريقٌ من جامعةِ كامبريدج في بريطانيا، وقد تمكنَ من التغلبِ على أحدِ أكبر عيوبِ بطارياتِ الليثيوم- كبريت، وهي سرعةُ التلفِ الكبيرةِ مقارنةً ببطاريةِ الليثيوم-أيون ، وذلك بصرفِ النظرِ عن تفوقِها من ناحيةِ كثافةِ الطاقة .

تتلخصُ مشكلةُ بطارياتِ الليثيوم-كبريت بما يلي :

عندَ تفريغِ شحنةِ بطاريةِ الليثيوم-كبريت ، فإنّ الكبريتَ الموجودَ في المهبطِ يقومُ بامتصاصِ الليثيوم الموجودِ في المصعد، هذا التفاعلُ يعيدُ تشكيلَ جزيئاتِ الكبريتِ إلى تركيبةٍ شبيهةٍ بالسلسلةِ تُسمى "بولي الكبريتات".

بعدَ مرورِ البطاريةِ بسلسلةٍ من دوراتِ الشحنِ والتفريغ، يبدأُ التفاعلُ بإجهادِ المهبطِ، مؤدياً إلى انفصالِ فتاتٍ من بولي الكبريتات وانحلالِها بالسائلِ الخاصِ بالبطاريةِ (الذي يصلُ القطبين ببعضهما )، وهنا تبدأُ البطاريةُ بالتحللِ، حيثُ تفقدُ موادّهَا الفعّالة التي تخزنُ الطاقة .

وهنا تتمّ الاستفادةُ من مبدأ عملِ الأمعاءِ و الزغابات المعويّة .

فالأمعاءُ الدقيقةُ الخاصة بالكائنِ البشريّ مبطنة بنتوءاتٍ صغيرةٍ لها شكلُ إصبعٍ تُسمى الزغابات المعوية، تؤدي هذه النتوءاتُ إلى توسيعِ السطحِ الداخليّ لجدارِ الأمعاءِ بحوالي 30 ضعف و هذا ما يساعدُنا على امتصاصِ الموادّ الغذائية أثناء الهضم بفعاليةٍ أكبر.

باستخدامِ نفسِ المبدأ، قامَ الفريقُ بتطويرِ مادةٍ ذات بنيةٍ نانويةٍ خفيفةِ الوزن تشبهُ الزغابات المعويّة، وظيفتُها التقاطُ بولي الكبريتات عند انفصالِها و منعِها من الضياعِ في سائلِ البطارية .

هذه التركيبةُ هي عبارةٌ عن طبقةٍ من أسلاكِ أوكسيد الزنك الصغيرة تغطي أقطابَ البطارية، تقومُ هذه الأسلاكُ بحبسِ الموادّ الفعّالة بفعاليةٍ كبيرةٍ عند انفصالِها، مانعة البطاريةَ من التحلل، حيث تبقى هذه الموادُّ قابلةً للوصولِ إليها كهروكيميائياً من قبل المصعد و المهبط .

يقولُ عالمُ الموادّ من جامعة كامبريدج بول كوكسون "Paul Coxon" : "هذه الطبقةُ تزيلُ العائقَ الكبيرَ أمامَنا و الذي يمنعنا من تطويرِ بطارياتٍ أفضل".

مع أنّ البدءَ بتطويرِ بطارياتِ الليثيوم كبريت قد بدأَ منذُ عدةِ سنواتٍ، إلا أن أحداً لم يستطعْ الاستفادةَ من هذه التقنيةِ تجارياً بسببِ فقدانِ الخلايا سعتها الكهربائيةِ نتيجةً لانحلالِ الكبريتيات في سائل البطارية .

يقولُ الباحثُ المشارك تينغ زاهو "Teng Zaho": "هذه هي المرةُ الأولى التي يتمّ فيها اقتراحُ طبقةٍ فعّالةٍ كيميائياً ذات تركيبةٍ نانويةٍ منظمة لحبسِ وإعادةِ استعمالِ الموادّ الفعّالة المنحلةِ خلالَ عمليةِ شحن و تفريغ البطارية".

تبيّن بالفحص بعد 200 دورة (شحن وتفريغ) أن النموذج فَقَدَ حوالي 0.05 % من سعته للطاقة بكل دورة ، مما يجعلُهُ ثابتاً بقدرِ ثباتِ نموذج بطارية الليثيوم-أيون الذي يتراوح معدلُ فقدانِه لسعتِهِ بين 0.025 و 0.048 % بكل دورة .

أشار الباحثون إلى أنّ النموذجَ لا يزال برهاناً لمبدأ لا أكثر، مما يعني أنّه قد تمرّ سنواتٌ قبلَ أن نرى بطاريات الليثيوم-كبريت في هواتفنا النقالةِ و حواسبنا المحمولةِ...

وبما أننا الآن نعلم كيف نحافظ على استقرارِ منصةِ الطاقة هذه، فإننا أقرب بخطوةٍ كبيرةٍ إلى بطارياتٍ ذات قدرةٍ هائلةٍ وإلى تخطي الحدود التي تَفرِضُها علينا بطاريات الليثيوم-أيون .

المصدر:

هنا