العمارة والتشييد > التصميم المعماري

أربعة أمثلة لتصاميم تفاعلية أغنت الفضاءات العمرانية

استمع على ساوندكلاود 🎧

دأب المعماريون والمخطّطون منذ قديم الزمان على تفعيل الفراغات العمرانية في المدينة والاعتناء بها لتشكّل مكاناً جذاباً لالتقاء العامة، ففي المدن الإغريقية والرومانية أُحيطت الساحات بمبانٍ صرحية وأعمدة ضخمة منحوتة بدقة عالية، كما زُيّنت الساحات العامة بتماثيل مختلفة تعكس الفن السائد في عصرها. أمّا في عصرنا الحالي ومع التطور التقني المتسارع من حولنا، لم يعد تفعيل الفراغات العمرانية في مدننا الصاخبة بالأمر السهل، فالفن وحده لم يعد كافياً لجذب المارة مالم يقترن بتصميمٍ بديع تمتزج فيه مختلف العلوم من هندسة وفن وإبداع.

ولعل ذلك ما حذا بالمعماريين والمصممين العمرانيين للجوء إلى التقنيات الحديثة ليتمكنوا من إشراك المستخدمين بعملية التصميم عبر إعطائهم الفرصة للتفاعل مع هذه الصروح، بتحريكها أو التحكُّم بإضاءتها أو باستخدام حواسٍ لم يستخدموها من قبل لاستعياب الفضاءات العمرانية المحيطة بهم.

تعالوا معنا لنستكشف أربعة تصاميم مختارة من الفرش العمراني التفاعلي

1. أبواق ضخمة تمزج أصوات المدينة من جهات مختلفة – آسين، هولاندا:

قام الفنان الهولندي Jeroen Bisscheroux بابتكار آلة جديدة لتحفيز حاسة السمع لدينا، والتي غالباً ما نهملها في عملية استيعابنا للعالم المحيط. تدعى هذه التحفة الفنية بـ TOON وتتألف من ثلاثة أبواق عملاقة بلون أحمر قرمزي، تتصل هذه الأبواق ببعضها بأنابيب تتجمع في المركز حول مقعد، حيث يمكن للمستخدم أن يجلس ويصغِ السمع للأصوات الصادرة من ثلاثة اتجاهات مختلفة. أصوات الناس يلعبون في الملاعب المجاورة، وأصوات المارة في الحديقة القريبة، وأيضاً أصوات الطلاب حين انصرافهم من المدرسة.

2. أعشاب عملاقة تتمايل مع حركة الرياح – يوتاه، الولايات المتحدة:

تحاكي هذه البنية الحركةَ العفوية للأعشاب وجذوع الأشجار مع الرياح. وعلى الرغم من أنَّ كلَّ قضيبٍ من هذه القضبان يتأرجح بإيقاعه الخاص، إلا أنه يُبقي على انساجمه مع باقي القضبان التي تتمايل مع بعضها بتأثير القوى الطبيعية التي تلعب دور قائد الأوركسترا.

تتوضع القضبان على شبكة مربعة 75*75 سم، والتي تمثل تخطيط مدينة Salt Lake والمناطق المجاورة لها. صُنع كل قضيب من مادة البلاستيكية مرنة لينتصب بارتفاع يتجاوز 3 أمتار في الهواء مما يساهم في تحديد الفراغ العمراني المفتوح. وعلى الرغم من نحافة القضيب الواحد (بقطر 2.5سم) إلا أن مادته البلاستيكية توفر مقاومة مناسبة دون أن تجعل منه صلباً ممانعاً للحركة. أما من ناحية تثبيت القضيب بالأرض، فكل قضيب مغروس بقاعدة خرسانية، أُنشأت بعناية وبحد أدنى من الإساءة للموقع.

خلال النهار، ترمي أشعة الشمس الحادة ظلالاً قوية للقضبان تتبدد عند سقوطها على الأرض الحصوية، أما ليلاً فيتُسلَّط الإضاءة على القضبان من أضواء المسرح المجاور، وأضواء الإنارة المتوضعة على رصيف المشاة.

بالإضافة إلى تحريك الرياح لهذه القضبان، يستمتع فالمارة أيضاً بأرجحتهم، فنظراً للتباعد بين الأعمدة يتمكن الأطفال من الركض بينها محركين إياها بحركةٍ اهتزازية، أما البالغين فعليهم أن يتحركوا بينها بمسارٍ متعرج. وفي الحديث عن انطباع المارة، بعضهم راقته النزهة في هذه الغابة المتمايلة، حيث شعروا بأنهم في مكانٍ مختلفٍ كلياً مع أنهم لايزالون في وسط المدينة، أما الآخرون فقد عبروا عن شعورهم بالضياع أثناء تجولهم فيها.

على أية حال، مهما كان عمرك، ستكون قادراً على لعب دور فعالٍ في تحريك هذه القضبان من خلال ضغطها والاستمتاع بحركتها الاهتزازية المتموّجة.

3. قناديل البحر التي تقترب من الأصوات الودودة، وتنفر من الأصوات المزعجة:

ابتكر فريق Urbanbotics الدانماركي للتصميم والتطوير، مجموعة من عناصر الإنارة العمرانية التي تشع تحت المياه مثل قناديل البحر وأطلقوا عليها اسم ORBs، ويمكن استخدام عناصر الإضاءة هذه في موانئ اليخوت، والبحيرات الاصطناعية، وأحواض الأنهار، والأقنية المائية، والشواطئ، وبرك السباحة، حيث تستجيب للبيئة المحيطة بها، وذلك من خلال اقترابها لمصادر الأصوات المحببة الهادئة كالموسيقا، ونفورها من الأصوات الصاخبة واختبائها تحت الماء.

تتصرف هذه المصابيح كمخلوقات ذكية، حيث تستجيب لأصوات المدينة تماماً كما قد تستجيب لها الحيوانات، فعندما يقوم المارة بإصدار أصوات ودودة، أو يقومون بعزف الموسيقا، تتحرك هذه المصابيح مقتربةً منهم، ولكن عند إصدار الأصوات الصاخبة، كالصراخ، أو أصوات محركات السيارات، تبتعد القناديل عنهم لتختبأ تحت الماء في قاع البحيرة.

ويمكن لهذه المصابيح أن تتواصل مع بعضها من خلال إصدار إشارات ضوئية متنوعة وفقاعات هواء، ويمكنها أن تتحرك بين سطح الماء وقاع البحيرة، لتنتج بذلك أضواء مختلفة تتدرج على كامل ألوان الطيف الضوئي. كما يمكنها إرسال أشعتها الضوئية للأسفل، مما يمكّن المشاهد من رؤية الأسماك والأعشاب المائية في البحيرة.

صُمِّمت هذه الأضواء بطريقة تسمح لها بالعمل على مدار الساعة، إلا أنها تبلغ أوجَ جمالها في المساء عندما تنعكس تأثيراتُها الضوئية على سطح الماء، كما يمكنها العمل على مدار العام متحمّلةً درجة التجمد عبر بقائها في قاع البحيرة.

4. Moodwall، جدار شفاف بإضاءة تفاعلية في نفق في أمستردام، هولندا:

أنهت مجموعة Urban Alliance مؤخراً إنشاءَ جدارٍ مزوَّدٍ بأضواء تفاعلية بطول 24 م في مدينة أمستردام. يتوضع هذا الجدار في نفقٍ للمشاة ويتفاعل مع المارة بهدف بث الشعور بالسعادة والأمان. صُّمِّمَ الجدار والصور المعروضة عليه بحيث تكون ذات امتدادٍ أفقي مما يحسِّن رؤيتَها بشكلٍ جانبي من خارج النفق ويحفّز الناس على المشاهدة، وهذا ما يمنع النفق من التحوُّل إلى مكانٍ للتسكع.

يعد هذا الجدار مشروعاً تجريبياً لجدارٍ مضاء بطول 70 م اقترحته مجموعة Urban Alliance، وفاز بمسابقة لتحسين الفراغات العامة للمناطق غير الآمنة اجتماعياً في مدينة أمستردام.

نهايةً، يقول المعماري دانيال لبسكيند Daniel Libeskind : "نعيش اليوم في عصر نهضة جديد، فمدننا تعود للحياة بعد زمن طويل من الإهمال" فهل تعتقدون بأهمية مشاريع إحياء الفراغات العمرانية، أم أنها محض مستحضرات تجميل تغطي واقع المدن السيء دون أن تقترب من أساس المشكلات العمرانية المتفاقمة؟

شاركونا بآرائكم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا