العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل

إعادة بناء كنيسة رومانية باستخدام شبكة من الأسلاك

استمع على ساوندكلاود 🎧

فِي ظلِّ سعي إيطاليا المتواصل لتعزيز رصيدها من المُكتشفات الأثريّة والتّصاميم المعماريّة المميزة التي تجعلها إحدى الوجهات المفضّلة لمُحبي الفنون والتُراث، تمّت الموافقة على إعادة بناء إحدى الكنائسِ القديمة باستخدام هيكلٍ خطيٍ من الأسلاك الفولاذيّة التي تُحدّد الخطوط الخارجيّة لشكل الكنيسة الأصلي دون التّعتيم على المشهد خلفها.

استخدم المصمم إدواردو تريزولدي Edoardo Tresoldi الأسلاك الفولاذية لإعادة بناء كنيسةٍ تعود للفترة المسيحية المبكرة وتقع في أحد المواقع الأثريّة التّابعة لميناء وبلدة سيبونتو Siponto في الجنوب الإيطالي.

تقف هذه المنشأة الضّخمة على أنقاض كنيسةٍ بُنيت في أحد المستوطنات الرومانيّة بين القرنين 11 و 12م، لكن هُجرت لاحقاً بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة في القرن الثالث عشر.

المصمم والفنان الإيطالي "تريزولدي" مختصٌ بتشكيلِ المنحوتات ضخمة المقياس باستخدام شبكات الأسلاك، وقد صمّم سابقاً عدّة تشكيلاتٍ معماريةٍ ورمزيةٍ في العديد من المواقع. وبتمويلٍ من وزارة التراث الثقافي والأنشطة الإيطاليّة ولجنة الآثار في إقليم بوليا، تمكّن تريزولدي من تفسير وترجمة المساحات التي احتلّتها الكنيسة سابقاً، ليُشكل منشأةً من الأسلاك تمنح الكنيسة طابعاً فريداً يمتاز بالإضاءة والشّفافية، لتعتبر مثالاً جديداً على التّفاعل البنّاء بين علم الآثار والفن المعاصر.

يقول تريزولدي: "أحببت فكرة التّصميم الفراغي، وبهذه الطّريقة الجديدة من التفكير أمكننا تصميم المنشآت الشّفافة دون استخدام الزجاج، ففي هذا المبنى ما زال بإمكاننا الشّعور بالرّياح وسماع الأصوات من الخارج، أو بالأحرى لا وجود لخارجٍ حقيقي".

يقول أحد أعضاء الفريق: "إن عدم القدرة على التأكّد التّام من شكل العناصرِ المعماريّة وحجومها قد منح "تريزولدي" المزيدَ من الحرّية بهذه العملية الإبداعية"، وقد تطلبت عملية إعادة بناء الكنيسة التي انتصبت للمرّة الأخيرة منذ مدةٍ تُقارب 800 عام، أشهراً من البحث، فقد توجّب على الفريق المعماري التّوجه نحو العديد من المشاريع لكنائس بُنيت في نفس الفترة الزمنية والمنطقة، ولحُسن الحظ فقد استخدمت مباني تلك الفترة تصميمات استندت لقواعد محددة تبعاً للنسبة الذّهبية التي تظهر بالتباعدات بين الأعمدة وصحن الكنيسة والجدران. وبالنظر إلى بقايا الكنيسة والمقارنتها كان بالإمكان حساب النسب الهندسيّة للمبنى. وتحتوي هذه المنشأة على العديد من الأشكال المعمارية التي تحمل طابع العمارة الرومانسكية مثل القِباب والنّوافذ المقوّسة والأعمدة، وتُضاء ليلاً بواسطة الأضواء الكاشفة، ليظهر العمل كمنحوتةٍ معماريّةٍ تُعيد لنا الإحساس بحجم وتفاصيل الكنيسة المتهدّمة، مما يُساهم بتنشيط وتحديث العلاقة بين الماضي والحاضر.

يتألّف هذا الهيكل الفراغي من أسلاكٍ فولاذيةٍ تزن سبعة أطنان، واستغرقت كامِل أعمال البناءِ حوالي خمسةِ أشهر. عند انتهاء عملية التّصميم، قام تريزولدي وفريقه بقصِّ الأسلاك وجمعها ضمن نظامٍ يُسمى "قطع اللغز"، الذي تمثّل فيه كل قطعةٍ إحدى وحدات الكنيسة، لتستخدم لاحقاً أَنظمة الرّفع الهيدروليكيّة والكابسات بعمليّة ربط وتجميع المنشأة في الموقع التي استغرقت ثلاثين يوماً، والتي انتهت في آذار من العام 2016م ليتمَّ افتتاح المشروع في نيسان من نفس العام.

يُمكن لهذه المُنشأة الفولاذيّة الاستمرار لفترةٍ طويلةٍ مع القليل من أعمال الصّيانة، ويقول تريزولدي: "إن الشيء الأكثر أهميةً في هذا المشروع هي الفرصة التي أُتيحت أمام آلاف السّياح لزيارة آثار سيبونتو، ولهذا جعلناها شفافة".

وأنتم أصدقائي، بعد اطّلاعكم على هذه التّقنية الجديدة بإعادة بناء المنشآت المتهدّمة، هل تعتقدون أنها طريقة فعّالة في مجال الترميم وإعادة البناء للآثار والمباني التاريخية؟ وهل تتملّككم الرغبة أو الفضول لاسترجاع مَشاهد أحد المباني التي تعرّضت للإهمال والدمار في وقتٍ سابق؟! لا تترددوا بإخبارنا عنها...

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا