البيولوجيا والتطوّر > التطور

معكوس التدجين feralisation│ماذا يحدث لو عاد الحيوان الداجن إلى البرية؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

استأنَس الإنسانُ عبر ملايين السنين الكلابَ والماعزَ والدجاجَ وحيواناتٍ أخرى، وجعلَها ملائمةً قدرَ الإمكان للاستفادة من ميزاتها وتُسمَّى هذه العملية "التدجين Domestication"، واكتُشِفَ أنَّ المادةَ الوراثيةَ للحيوان تتغيرُ جزئياً عند انتقاله من الحالة البرية إلى الحالة المُدجَّنة. ولكن العمليةَ المعاكسةَ تحدث أيضاً عندما يتأقلم الحيوان المنزلي من جديد على العيش في البرية وتسمّى هذه العملية «feralisation».

أُجريَت دراسةٌ في جامعة لينكوبينغ (Linköping University) في السويد توضِّح آثارَ تحوُّل الكائن الحي من بيئة كان بها حيواناً مُدجّناً إلى الحياة البرية، وجاءت نتائجُ هذه الدراسة لتزيدَ من فهمنا لعملية تطوُّر النوع الحي والتطور عموماً. يقول الباحث دومينيك رايت Dominic Wright الذي أجرى هذه الدراسة: "توجد فروقاتٌ كبيرةٌ بين الدجاج المُدجَّن والدجاج البري. وعلى الرغم من خبرتنا في تدجين الحيوانات وترويضها، فإنَّ معرفَتنا عن العملية المعاكسة -أي عندما تعود الحيوانات المنزلية للعيش في البرية- ضئيلةٌ جداً. وقد فحصنا هذه العملية على النطاق الوراثي عند إطلاق الدجاج المنزلي إلى البرية، لمعرفة فيما إذا كانت العودةُ إلى الحالة البرية تماثلُ التدجينَ من ناحية مكان التغيُّرات الوراثية والمراحل ولكن بالاتجاه المعاكس، إلَّا أنَّ النتائجَ كانت مخالفةً لما توقعناه، إذ تبيَّن وجودُ العديد من المورثات المختلفة كلياً التي تتأثر عند الانتقال من التدجين إلى العيش في البرية."

هل يوجد مثالٌ طبيعيٌّ على العودة إلى الحالة البرية؟

أدّت عاصفتان مداريتان في جزيرة كاواي في هاواي قبل 30 عاماً إلى إطلاق مجموعة من الدجاج المُدجَّن إلى البرية. وكانت تعيش على الجزيرة مجموعةٌ من دجاج الأدغال الأحمر البري، إذ عاش الدجاجُ المُدجَّن وتناسَلَ مع الدجاج البري، وبعد التحقُّق من المادة الوراثية الخاصة بالدجاج الناتج عن تهجين المجموعتين على الجزيرة وُجد أنَّه قد ورث مورثاتٍ من كلا السلالتين.

وكما نعلم أنَّ العيشَ بحرية ضمن البرية أو الأدغال والغابات أمرٌ يحمل الكثيرَ من المخاطر والتهديدات على الكائن الحي مثل تنوُّع المُفترِسات والأمراض، ولكن في الوقت ذاته يستطيع الدجاجُ التزاوجَ بحرية. ولا ننسى أنَّ الصفاتِ التي تجعلُ من الفرد جذاباً -مثل امتلاكه عُرفاً جميلاً- تلعبُ دوراً في اختيار الشركاء، فالانتقاءُ الجنسي أمرٌ مهمٌّ عند الحيوانات البرية؛ إذ يضمن لها انتقاءَ الشريك الأفضل لإنتاج نسل أو ذرية تمتلك الصفاتِ الملائمةَ والأقدرَ على المقاومة والتأقلم مع المحيط، ومن المنطقي أن تتأثرَ المورثاتُ المسؤولةُ عن إظهار صفة حجم العرف وصفاتٍ جسديةٍ أخرى مشابهة عندما يعودُ الحيوان إلى البرية.

إحدى الملاحظاتِ المُثيرة للاهتمام التي توصَّل إليها الباحثون هي أنَّه على الرغم من كون العرفِ الخاص بالدجاج المُدجَّن كبيرَ الحجم -أي ينبغي أن يزيدَ من جاذبية هذه الأفراد- إلا أنَّ أعرافَ الدجاج أصبحت أصغر حجماً بشكل ملحوظ عند الدجاج الموجود في جزيرة كاواي.

كيف تأكد الباحثون من العلاقة بين تغيُّر السلوك والمظهر وحدوث تغيُّرات على المادة الوراثية؟

لاحظ الباحثون حدوثَ بعضِ التغيُّرات على سلوكياتِ حضنِ البيض ووضعهِ في أثناء عملية التحوُّل إلى الحالة البرية، وقد تمكَّنوا من تحديد الأماكن التي طرأ عليها التغيُّر ضمن المادة الوراثيّة لدجاج جزيرة كاواي في أثناء عملية التحوُّل، ثمّ درسوا هذه المناطقَ بدقةٍ في مجموعة من الدجاج المُهجَّن (الذي هُجِّنَ تحت المراقبة بوساطة عملية تدجين متصالب (cross-breed) بين الدجاج المُدجَّن ودجاج الأدغال الأحمر، وبهذه الطريقة تمكَّن الباحثون من الربط بين سلوك الدجاج ومظهره (مثل حجم العرف) من جهة، ومستويات التعبير في مورثاتٍ محددة من جهة أخرى.

ماذا تعني النتائجُ التي توصّلَ إليها الباحثون؟

تقترح هذه النتائجُ أنَّ عمليّةَ التحوُّل إلى الحالة البرية تؤثِّر على مورثاتٍ أخرى غير تلك التي تغيَّرت في أثناء عمليةِ التدجين، والعمليةُ ليست مجرَّدَ عكس التغيُّرات التي حدثت عندما دُجِّنَ الدجاج. وكخلاصة نستنتجُ أنَّ مجموعةً كبيرةً مختلفةً من المورثات تدخلَّت في خلال عملية تأقلم الكائن الحي المُدجَّن على الحياة البرية، وهذه المورثاتُ أكبرُ عدداً من تلك التي تتدخّل عند تدجين حيوانٍ من الحياة البرية.

بماذا تفيدنا هذه الدراسة؟

عدَّ داروين التدجينَ نموذجاً تطورياً يحدثُ في ظروفٍ معينةٍ تحت سيطرة الإنسان، وباختبار العمليّة المعاكسة في بيئة طبيعيّة في ظروف معلومة نستطيع أن نتعلّمَ المزيدَ عمّا حصلَ أثناء تطوّر الأنواع الحية...

المصدر: هنا

الورقة البحثية: هنا