الاقتصاد والعلوم الإدارية > موارد بشريّة

دروس في القيادة من الشركات العائلية العظيمة – الجزء الثاني

استمع على ساوندكلاود 🎧

كنا في الجزء الأول من المقال قد تحدثنا عن بعض النقاط التي تشترك فيها الشركات العائلية الناجحة، و بدأنا في " تأسيس نظام حوكمة جيد " و في هذا الجزء سوف نكمل باقي النقاط.

ثقل العائلة

على الرغم من أن الشركات العائلية يجب أن تتماشى مع باقي الشركات من حيث أنظمة الحوكمة وفرص التطور الوظيفي، يتوجب على هذه الشركات أن لا تنسى المحافظة على الصفات التي تميزها. نسمي هذه الصفة " ثقل العائلة" وتوضح الدراسة بأن هذه الثقل هو عامل رئيسي في نجاح الشركات العائلية على المدى الطويل. الشركات الناجحة التي تمت دراستها يتواجد فيها شخص من العائلة (أوحتى ثلاثة أشخاص) لديه دور محوري كدور الشمس في نظامنا الشمسي. يجسد هذا الشخص هوية المؤسسة ويقوم بتوجيه المصالح والنشاطات المختلفة نحو رؤية الشركة وأهدافها الواضحة.

يركز هؤلاء الأشخاص على الجيل القادم عوضاً عن التركيز على نتائج الربع السنوي القادم. وعادةً ما يوجّهون الشركة لسياسات استراتيجية تخدم العملاء والموظفين وتركز على المسؤولية الاجتماعية. لدى هؤلاء الأشخاص شخصية قوية تجذب الأشخاص المؤهلين وتبقيهم حولهم. يقول الرئيس التنفيذي لشركة تعليمية يابانية: "قررت أن أنضم للشركة لأني أحترم كبير الأسرة بشكلٍ كبير". ويعبّر الرئيس التنفيذي لمؤسسة إعلامية سويدية عن نفس الشعور: " أحببت هذه العائلة، إنهم اناسٌ حقيقيون وشخصياتهم مثيرة للاهتمام". ويقول آخر :" إن المساهمين لدينا أشخاص حقيقيون" و" الشيء الجميل في العمل لدى مؤسسة عائلية هو أنك تفكر بالإرث الذي ستتركه خلفك على المدى الطويل". نرى باستمرار أنّه عندما يكون الشخص المناسب ( أو عدد من الاشخاص المتفقين) من العائلة على رأس عملهم، فإن الشركة تحصد نتائج جيدة في كافة المحاور.

البحث عن قادة المستقبل

تستطيع الشركات العائلية جذب وإيجاد المدراء من داخل العائلة وخارجها عندما يكون لديها اطار تنظيمي وتتبع سياسات حوكمة واضحة. ولكن يبقى التحدي هو معرفة من هو الشخص الأنسب لقيادة المؤسسة؟ للإجابة عن هذا السؤال يتوجب دراسة مهارات كافة الأشخاص المرشحين، وتقيم كفاءاتهم وإمكانياتهم وسلوكياتهم. إن المهارات المطلوبة لقيادة شركة ناجحة غالباً ما تتضمن التفكير الاستراتيجي، الخبرة في السوق، التركيز على النتائج، الشخصية المؤثرة والمتعاونة، التركيز على التطوير المؤسسي، قيادة فرق العمل وقيادة التغيير. وفي الشركات العائليّة يتوجب البحث عن الأشخاص الذين يجيدون التعامل مع أصحاب العمل، ويتحمّلون المسؤولية، والقادرين على إدارة العلاقات الاجتماعية وتحقيق النمو. بالإضافة الى المهارات، يتوجب على المرشحين لقيادة الشركات العائلية أن يكون لديهم الطموح والقدرة على التكيف مع المتغيرات، وأن يكون لديهم القابلية على النمو والتعلم السريع ومعالجة التحديات المستقبلية المعقدة.

ولكن، في الشركات العائلية التي تمت دراستها، وجدنا أن القيم والأخلاق هي الاختبار الأقسى والحقيقي للقدرة على القيادة في تلك الشركات. إذ أننا وجدنا عند مراجعة الاجتماعات والمقابلات التي تمت مع مدراء وأصحاب الشركات العائلية، سواء من العوائل المالكة للشركات أو من خارجها، أن التوصيفات التي أطلقها هؤلاء على قادة شركاتهم تتطابق بنسبة تصل الى 95%. وتتضمن هذه التوصيفات قيماً وأخلاقاً سامية كالاحترام، النزاهة، الإتقان، التواضع والطموح. "نحن نعمل بنفس الروح، وبنفس الطريقة، وهو يفهم التزامي تجاه تحقيق النجاح للشركة" يقول الرئيس التنفيذي (من خارج العائلة) لإحدى الشركات التجارية الألمانية في وصف الرئيس التنفيذي للمجموعة التي يعمل بها. بينما تقول رئيسة مجلس الإدارة لشركة صينية " نحن نتشارك القيم ذاتها والرؤية ذاتها، ونثق ببعضنا البعض".

أخبرنا أفراد العوائل المالكة للشركات بأنهم يعتبرون التلاؤم الأخلاقي مع بيئة الشركة فوق كل اعتبار عندما يقيّمون المرشحين لقيادة شركاتهم. يقول رئيس مجلس الإدارة لإحدى الشركات العائلية الهندية واصفاً الرئيس التنفيذي (من خارج العائلة): "لم يكن لديه كامل الكفاءة في إدارة العمليات التي كان يتطلع إليها أعضاء مجلس الإدارة، ولكن كان لديه ما هو أقوى وأفضل، إنه الشخص الذي يتناسب مع بيئة وطريقة عملنا، ويشاركنا نفس القيم، وهذا أفضل من التوصيفات الوظيفية الأخرى". كما يقول رئيس مجلس إدارة شركة مشروبات أمريكية :" نحن نقيّم الأشخاص وفق مواصفاتهم القيادية وتلاؤم قيمهم وأخلاقهم مع الشركة، وهذا يختلف بشكل كلّي عن تقييم سيرتهم الذاتية التي قد تتضمن بناء شركات ناجحة في روسيا مثلاً".

أما بالنسبة لاختيار الرؤساء التنفيذيين من داخل العائلة، فإن وجود الشخص الذي يفهم بيئة وأخلاق العمل من داخل العائلة ربما يكون سهلاً، ولكن التركيز يتحول لإيجاد الشخص المُطوّر. 40% من الشركات العائلية التي تمت دراستها تضم أفراداً من الجيل الثاني في مجالس الادارة وذلك لتعزيز مهاراتهم في الإدارة وحس العمل. أفراد العائلة من الشباب يحتلّون مناصب إدارية متنوعة كمدير المبيعات، مدير عمليات الشركة في الصين، مستشار الرئيس التنفيذي، بالإضافة إلى مناصب متنوعة في الإدارات الاستراتيجيّة، المناصب الإبداعيّة، إدارة المنتجات، ومكاتب العائلة. يقول الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الأمريكية، وهو فرد من العائلة: " نحن نعي بشكل كامل أهميّة تطوير مهارات أفراد العائلة، ونقوم بذلك من خلال تدريب من أربعة الى ستة أفراد من العائلة كل عام. كانت العادة في الماضي أن ندع أفراد العائلة ينجحون خارج نطاق شركة العائلة ومن ثم يأتون إلينا مع سجل نجاحاتهم الخارجيّة. أما الآن فهناك تشجيع مستمر للعمل لدى شركة العائلة منذ البداية."

تبحث أفضل الشركات العائليّة عن قيادات المستقبل وتجدهم وتستثمر في تطوير مهاراتهم بشكلٍ مبكر، سواء أكانوا أبناء عموم، أحفاد، موظفين طموحين في الشركة من خارج العائلة، أو حتى مستقلين من خارج الشركة. كافة الاحتمالات يجب أن تُدرس بعناية منذ البداية لتكون جهوزية هؤلاء عالية (أخلاقياً وعملياً) عندما يحين الوقت المناسب لجعلهم على رأس أحد المناصب التنفيذية. يقول رئيس مجلس إدارة شركة تجارية هنديّة: " أفضّل أن أوظف أفراداً أقوم بتدريبهم وتطويرهم". ويشرح مدير تنفيذي في شركة صينية: " لقد قمنا بإنشاء جامعة للمؤسسة يرعاها ملاَك الشركة، وقمنا من خلال هذه الجامعة بتدريس 100 طالب من الشركة في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT وجامعة ستانفورد وإعدادهم لإدارة وقيادة الشركة في المستقبل".

خطة ملزمة للتتابع الوظيفي لمنصب الرئيس التنفيذي

الخطر الأكبر الذي يهدد وجود أي شركة كبيرة هو فشل التتابع الوظيفي لمنصب الرئيس التنفيذي. وجد المفكر Jim Collins من خلال تحليله للشركات التي فشلت بعد أن كانت من أنجح الشركات بأنّ كل تلك الشركات، باستثناء واحدة فقط، مرّوا بمشاكل كبيرة في التتابع الوظيفي للمناصب القيادية. ويؤكد البحث الذي أجراه Joseph Fan النتائج التي توصل لها Colins من خلال تحليله، حيث وجد أن تدمير الشركات العائلية يمرّ غالباً من باب فشل التتابع الوظيفي في المناصب القيادية.

تتفق الدراسات على أن هذا المحور هو الأهم بالنسبة للشركات العائلية، وهو الأشد حاجة للتطوير. وحتى ضمن عينة الشركات العائلية الناجحة التي تمت دراستها، خلصت النتائج إلى أن 30% من الشركات تهيئ شخصا واحدا بعينه لقيادة الشركة، وثلثي الشركات الباقية لم تتبع نهجا مدروساً في التعيين، ولكن يتم اختيار خليفة القائد فيها بناءاً على الرأي الشخصي لأحد أفراد العائلة، ومن ثم يتم تعيينه والموافقة عليه بشكل رسمي من خلال مجالس الإدارة الإشرافية والإدارية، ويتم تقديمه لباقي إعضاء المنظمة أو الشركة. في بعض الأحيان يتمّ اتخاذ القرار بناءً على الفرصة أو الإلهام. يقول ممثل العائلة لشركة هندية: "عمل الرئيس التنفيذي معنا في البداية في مشروع استشاري، وخلال تلك الفترة التي امتدت لأربعة أشهر، تعرفت عليه وعلى طريقة عمله بشكل أكبر". وفي حالات أخرى تمت استشارة عدد من الأطراف، ففي إحدى الشركات العائلية الإسبانية قام أحد أفراد العائلة باستشارة بروفيسور في الإدارة يثق به لترشيح شخصين لقيادة الشركة، ومن ثم تمّ اختيار أحد هذين الشخصين. وفي شركة يابانية قام مجلس الإدارة بتعيين أحد أفراد العائلة الذي بدأ بالعمل لدى الشركة منذ وقت طويل وتدرج في المناصب حتى وصل الى القيادة، يقول أحد المدراء من خارج تلك العائلة:" لقد بنى مسيرته المهنية في هذه الشركة ويعرف العمليات اليومية والمنتجات بشكل جيد".

المصدر

هنا