الفنون البصرية > فنان سوري

هيلين عباس.. رحلة الحروف الفنية

هيلين عباس، فنانةٌ سوريةٌ درست وتخرجت من كلية الفنون الجميلة - قسم الإتصالات البصرية في جامعة دمشق ثم عَمِلت في سورية لما لا يقل عن ثماني سنواتٍ في مجال التصميم قبل سفرها إلى دبي لتستقر فيها بين عامي 2000 و 2001م، وهي زوجةٌ وأمٌ لابنتين جميلتين.

أجرت الباحثون السوريون مقابلةً معها عن فن الحروفيات الذي تستخدمه هيلين عباس للفت النظر إلى جمالِ اللغةِ العربيّة.

• متى وكيف بدأت هيلين رحلتها في عالم الألوان؟

- الفن واللون أو الرسم يبدأ مع الإنسان منذ الطفولة، بالنسبة لي إذا فكرتُ في هذا الموضوع بشكلٍ عامٍ فإنّني لا أستطيع تحديدَ فترةٍ زمنيةٍ بذاتها، لأن الأمر في داخلي مرتبطٌ بكل لحظة مررت بها في حياتي. كان أبي يستشعر فينا الميل للفن ويشجعنا، فكنا نرسم ببراءتنا على المناديل الورقية أحياناً ويحتفظ بها أبي بين صفحات دفاتره، كان هذا يعني لي الكثير، جعلني أشعر أنني أقوم بعمل ذي قيمة. أمّا إن تحدثنا عن الأمر من منظور عملي فيمكن القول أن الرحلة ابتدأت عند دخولي كلية الفنون الجميلة إلى أن تخرجت وحتى الآن. وإن كان الحديث عن الحروفيات فبإستطاعتي القول أن البداية كانت من هنا بين عامي 2001 و 2003.

• ما الدور الذي يلعبه الفنان في المجتمع برأيك؟

- للفنان دورٌ كبيرٌ طبعاً فالفن مثل أي مهنةٍ تحمل معها مسؤولية تجاه المجتمع. الفنان يترجم مشاكل المجتمع وأفراده من خلال نظرته الخاصة، فهو في النهاية جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعه بكل ما يحمل من تفاصيل، ولدى الفنان قدرةٌ مميزةٌ على ترجمة المشاعر والأحاسيس التي تمسهُ في بعض الأحيان وأحياناً أخرى تمس الرأي العام. هو يسلط الضوء على أمور يغفل عنها المجتمع، أو بمعنى آخر يرى بعض المشاكل الحقيقية التي يتعايش المجتمع معها وتتفاقم دون أن يلتفت أحد لها، هنا يأتي دوره في الانخراط بمجتمعه ليعي الصورة الكاملة ويعكسها من خلال أحاسيسه مترجماً إياها إلى أعمال فنية تلقى صدى واسعاً إن كانت صادقة.

• كيف تطور أداؤك بمرور الوقت؟

- على الفنان أن يمتلك الأدوات المناسبة ليستطيع التعبير بالأسلوب واللون. عملتُ دائماً على اكتشاف تقنيات تفيد عملي، إذ إن البحث الدائم والمستمر عن وسائلَ تُطوِّر التقنية لديَّ وتخدم القيمة الفنية للعمل يُعتبر من الأولويات لتسهيل إخراج العمل بالصورة المنشودة.

• ما المدرسة الفنية التي ينتمي إليها فنك؟

- أعتقد أنني أقرب في أعمالي إلى المدرسة التجريدية بحكم أني أحاول التعبير من خلال الخط العربي وحروفه، ولكني في بعض الأحيان أحاول المزج بين التعبيري والتجريدي لخدمة أفكارٍ معينةٍ. وكثيراً ما لا أتبع قواعد الخط العربي الكلاسيكية، فأخرج عنها وأصطنع لنفسي حروفاً تعبيريةً تحاكي في خطوطها الحالة التي أشعر بها، فتكتمل تلك العلاقة الجدلية بين الحرف واللون والمساحة.

• ما العمل الذي تستمتعين بأدائه؟

- من أكثر الأمور التي أستمتع بعملها هو خلط الألوان واستكشاف مواد جديدة للرسم. أقوم أحياناً بخلط مواد أولية من الطبيعة مع اللون حتى أحصل على تقنيات جديدة.

• لماذا فن الحروفيات؟

- اهتمامي بالتركيز على الحروف نابٌع من فكرة أن اللغة العربية أصبحت مهمشة في كثير من البلدان العربية ولم تعد لغة التواصل الأولى بين العرب نفسهم. يعود هذا للاختلاط الواسع بين الثقافات المتعددة، لأن اللغة هي جوهر التواصل والترابط بين الأقوام، حتى أنها تعتبر من المقومات الأساسية في تصنيف حضارات الشعوب. من المؤسف أنها أصبحت لغةً ثانويةً في بعض البلدان العربية وتشوبها مفردات غربية، حتى أن الجيل الجديد صار لديه خجل من التحدث بلغته الجميلة. هذا الأمر جعلني أفكر بطريقةٍ أُسخِّرُ فيها عملي للفتِ النظر إلى جمال اللغة العربية وأصالتها وطواعيتها، وبطريقةٍ تختلف عن الأسلوب الكلاسيكي المعتاد. وقد تجاوزت في الكثير من المرات قواعد الخط ولم أتقيّد بها، واعتمدت في أعمالي التعبير بالحروف الملونة التي تحتل معظم مساحة اللوحة وتترابط ببعضها بتشكيلاتٍ متداخلةٍ وعلاقاتٍ غير مألوفةٍ. إذ أنني أعتبر الحرف عنصراً فنياً بحد ذاته قادراً أن يكون العنصر الأساسي والوحيد في بناء العمل الفني. ولاحظت أن هذا استقطب اهتمام الكثير من الناس وفئةٌ كبيرةٌ منهم من غير العرب وغير المتحدثين بالعربية. فاجأني ذلك بصراحة وأفرحني كثيراً إذ رأيت أن لغتنا قد تتعدى بجمالها حدود أوطاننا العربية.

• ماهو العمل الفني المفضل لديك؟

- لا أستطيع اختيار عملٍ فنيٍ واحدٍ فهناك الكثير من الفنانين والأعمال المفضلة لدي، مثل أعمال الفنان أحمد معلا مثلاً. وهناك الكثير من الفنانين العالمين من العصرين القديم والحديث مثل الفنان كليمت في كل أعماله. كذلك من الفنانين المعاصرين الفنانة Lita Cabellut التي تتميز أعمالها بتقنية عالية. أما في مجال الحروفيات فأنا من أكبر المعجبين بأعمال الفنان منير الشعراني.

• ما الذي يبعث فيك الإلهام الفني؟

- الطبيعة بالتأكيد، وكل شيء من حولي كالناس والأحداث التي يمر بها عالمنا. كل التفاصيل التي تحدث بحياتي يومياً قد تشكّل مصدرَ إلهامٍ أو تلفت نظري لفكرةٍ أبني عليها عملي الفني.

• أتمتهنين الفن؟ أم أن هناك عملاً آخرَ تقومين به إلى جانب الفن؟

- يجب أن يتفرغ الفنان لفنه بشكل كامل، هذا عملي وهذا كل ما أقوم به، ولكني لا أوافقك الرأي في أن يكون الفن مهنةً نمتهنها. هو حالةٌ عليا من الإحساس تستحوذ على الفنان دافعةً إياه لتجسيدها بالطريقة التي يحب.

• ما الذي دفعك باتجاه هذا النمط (الحروفيات)؟

- ما دفعني للاهتمام بالحروفيات هو اكتشافي مدى طواعية الحرف العربي وجماله وقدرته على التعبير. عندما أبدأ لعبتي مع الحروف في كل لوحةٍ أشعر كأنها تحادث بعضها البعض وتترابط وتتلاقى بانسجامٍ كبيرٍ، ولكل حرفٍ شخصية مستقلة في امتداداته وتعرجاته وانحناءاته. الحروف كأنهم شخوصٌ أحركهم وأتفاعل معهم، أحدثهم ويحدثونني. اللغة أساس التواصل وتبادل الأحاسيس والحرف هو التعبير الغرافيكي عن هذه اللغة فكل حرف يحمل إحساساً مستقلاً عن الآخر.

• ما الذي وجدته هيلين عباس في اللغة العربية لتجعل منها موضوع لوحاتها؟

- اللغة هي الرابط الأول بين الشعوب، هي ترجمةٌ للأحاسيس والمشاعر، وللأسف لغتنا ما عادت اللغة الأولى بالتداول في كثير من البلدان العربية، وتحديداً كما ذكرت سابقاً بين أبناء الجيل الجديد. دفعني هذا وبغيرةٍ شديدةٍ على لغتنا الجميلة إلى المحاولة بطريقةٍ ما للفت النظر إليها من خلال التعبير بالحرف العربي بطريقة معاصرة وحديثة والتركيز عليه كعنصر أساسي في أعمالي.

• ما صدى الفن الذي ترسمينه في المجتمع العربي خاصة؟

- فن الخط العربي له محبوه ومعجبوه بالتأكيد في مجتمعنا وفي المجتمعات الأخرى كذلك، وهناك الكثير من الفنانين المعروفين في هذا المجال. ولكنني لاحظت أن النمطية والكلاسيكية تطغى فيه بالتحديد، وكأن هنالك خوفٌ من الخوض في أي تغيير أو تجديد بالنمط أو الشكل العام أو حتى الألوان. بالنسبة لي تأخذني تلك الألوان دائماً لتهيمن على الحرف بقوة، فكان لي أسلوبي الخاص والمعاصر والبعيد عن النمط المعتاد في الخط العربي من حيث الشكل واللون والطريقة و الإخراج. بدأت العمل في مجال الخط والحروفيات منذ عام 2005 وخلال هذه الفترة لاحظت أن تقبل الشرائح المختلفة للوحة الخط العربي اختلفت عما كان بالسابق، إذ أصبحت تتماشى مع ما هو حديث ومعاصر، فتكامل جمال الحرف واللون يلفت النظر إلى هذا النوع من الفن الذي يستحق أن ينتشر أكثر وتنتشر بالتالي ثقافتنا العربية أكثر.

• هل أنت راضيةٌ عن هذا الصدى؟

- يمكن القول أن ما تحقق حتى الآن مقبول، طبعاً أطمح دائماً إلى أن يحقق هذا الفن انتشاراً أوسع، لكن والحمد لله هناك صدى واسعٌ جداً لما أقدمه اليوم.

• لم يغلب الأحمر والأصفر والبرتقالي والأسود (الألوان الجريئة الدافئة) على أغلب أعمالك؟

- اللون عالمٌ قائمٌ بحد ذاته، عالم جميل ومؤثر جداً، كل لون له قصة ومعنى، له إحساسه ووقعه الخاص به. نحن نتفاعل مع اللون ونعيشه ويؤثر في أحاسيسنا ومشاعرنا. من جهة أخرى فاللغة أداة التواصل بيننا، وهي أكثر الوسائل صراحة في التعبير عن المشاعر والأحاسيس. ومن خلال المزج بين اللون والحرف والكلمة يتكامل التعبير والمعنى، فكان اختياري للألوان الصريحة والدافئة وسيلةً لجعل الحرف يفرضُ وقعهُ وتأثيرهُ على المتلقي بصفته العنصر الأساسي في العمل. انطلاقاً من فكرة إستعادة مكانة وحضور العربية بيننا وفي العالم كله كذلك، فهي لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن.

• ما الرسالة التي تحملها لوحاتك والتي تريدين إيصالها؟

- لغتنا هي إرثنا الحضاري، لا يجوز أن يَمحيها التحضر أو التطور التكنولوجي أو الانفتاح على العالم الحديث، بل على العكس يجب أن نؤكد دائماً أن لغتنا فيها من الليونة والعراقة ما يجعلها من اللغات الأكثر انتشاراً في العالم. بالنسبة لي أثبت الحرف العربي أنه قادرٌ على الاندماج بكل ما هو عصريٌ وحديثٌ، بل وأضفى كذلك رونقاً جميلاً بهذا المزج بين عراقة الحرف والفن المعاصر.

• رماد وظلال وموزاييك وأحلام وصحارى وزبرجد وتشكيل وجمال هي أسماء لمجموعات لوحاتك، كيف تولد هذه الأسماء؟ وما الذي تحمله كل مجموعة لوحاتية؟

- عادةً تكون الفكرة في أي عمل من أعمالي وليدة الحالة التي أعيشها والظروف المحيطة بشكل عام، فيأتي الاسم تعبيراً عن الحالة أو الشعور العام. وفي بعض الأحيان تفرض اللوحة اسمها بذاتها، فبعض المجموعات مثل "رماد وظلال" عام 2011 كانت الأحداث التي تدور في بلدي سوريا تفرض وقعها على كل شيء، فكانت الفكرة والاسم نتاج هذه الأحداث. بدا يومها أن كل شيء يتلاشى ويحترق ليصبح رماداً، والأشخاص لم يبقَ منهم سوى ظلال ذكرياتهم. أثّرت هذه الأمور في نفسي جداً وفي أعمالي في تلك المرحلة. كذلك مجموعة "موزايك" كانت تعبيراً عن النسيج السوري المكوّن من طوائفَ وأعراقٍ متعددةٍ، وعن وحدة هذا النسيج في وجه كل التحديات. أما في لوحات أخرى مثل مجموعتي "تشكيل" و"أحلام وحروف" فكانت اللوحة هي التي توحي لي بالاسم، حيث كانت علاقة الحرف بالتشكيل اللغوي هي العنصر الأساسي في تكوين اللوحة، فجاء الاسم تعبيراً عن هذه العلاقة.

• ما الذي يزعجك في حياة الفن؟

- ما لا أحبه في عالم الفن هو عدم مراعاة الأصالة، هذا لا يعني أنه لا يجوز للفنان أن يتأثر بغيره من الفنانين والمدارس الفنية بل على العكس تماماً تأثُر الفنان بأسلوب فنانٍ آخرَ أو بروحه يُغني مسيرة الاثنين معاً ويضيف قيمة للعمل الفني، ما أقصده هو الاقتباس وعدم احترام الخصوصية الفنية.

رابط أعمال الفنانة

هنا