كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (قصة حب مجوسية): النار التي لا تنطفئ

"قصة حبٍ مجوسية"... مجوسية بسبب النار المجوسية المقدسة والتي لا تنطفئ أبداً، مثل الحب المقدس الذي لا يخبو أبداً. عندما تشرع بقراءة الرواية ترى نفسك تسابق جريان الكلمات، تشعر أنك البطل والمُنصت والمقصود بالكلام، تعايش أحداث الرواية وتعتاشها، وقد تشعر بالأسى على البطل أحياناً، وأحياناً أخرى بالسخط والغضب والعتاب على الأعراف والتقاليد والمُسلمات. يأخذنا عبدالرحمن منيف معه إلى عالم الحب الحقيقي، الحب المترفع عن الشهوة، الذي لا تجد له سبباً منطقياً غير أنك تشعر معه أنك ولدت من جديد، وأنك في كل مرة تلتقي من تحب تعيش المخاض مرة أخرى.

تعدّ أولى روايات عبد الرحمن منيف، الكاتب الذي اشتهر برواياته التي تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية التي شهدتها المجتمعات العربية، لكننا نراه في هذه الرواية يبتعد كل البعد عن ذلك ليحكي أحداث رواية تدور حول شابٍ عاشق بلا اسم أُغرم بـ"ليليان" التي التقاها أثناء إقامته في فندق. امرأةٌ متزوجة لا يعرف عنها شيئاً سوى اسمها الذي سمعه مصادفةً، ولكن "يجب أن تصدقوا أن في الإنسان شيئاً غامضاً ومُحيراً، إذ ما كدت أراها حتى ظننت أني أعرفها منذ آلاف السنين". يُحدثنا عبد الرحمن منيف من خلال ذلك الشاب مباشرة معبِراً عن غضبه وألمه لعدم قدرته على الوصول إلى تلك الأنثى، فهو غالباً يلومنا على أننا قد لا نفهم ما يكتب أو ما يشعر به، ولكن كيف لنا أن نشعر بشخص أُغرم بأنثى تنتظره كي يشعل لها سيجارتها من قداحته، فلم يستطع أن يبرح مكانه.

ميرا، باولا، دارميلا، وقبلهنّ وبعدهنّ الكثير، منهنّ أجمل منها ومنهنّ أشهى، إلا أنّ لا أحد مثلها، لا أحد استطاع أن يخلقه من جديد بنظرة. تتتابع أحداث الرواية بعد مغادرة "ليليان" الفندق لتبدأ رحلة البحث عنها في المدينة الكبيرة بين الوجوه الكثيرة التي لا تستهويه إلا بقدر ما يشبه الواحد منها ليليان. ولكن كيف تبحث عن مجهول؟ لا اسم له ولا عنوان سوى ليلبان متزوجة وزوجها سمين ولديها ولدين؟ يبدأ العاشق بالتكهن في أماكن تواجدها، واهتماماتها، وجدولها اليومي، يفتش عنها في المقاهي وصالات السينما لعلها تُحب الأفلام، أو في الحديقة لربما كانت تنزّه الاطفال، ينتظرها أمام محطات القطار لعل خطها هو العاشر، السابع والعشرين أو ربما التاسع! ثم يستنتج أنها ستكون ليلة السبت في المسرح.

وقد أظهر الكاتب في روايته سخطه وتمرده على كل شيء، القدر، الكنيسة، المعبد، الحظ، الحياة وحتى على القُرّاء أنفسهم. ورغم كل هذا التمرد الذي سطع على أسطر الرواية، إلا أن ذلك الحب العُذري الذي كان ينبع من بين كلمات منيف على لسان بطله قد يغفر له أمام القارئ الذي سيغضب ويشفق على هذا البطل وهو يُعذب نفسه بحثاً عن محبوبة لم يستطع إلا أن يراها، حتى أن صوتها لم يسمع. ولكن رغم مرور السنوات والعديد من النساء إلا أن الحب الخالد لا يفنيه وقت، لينهي الكاتب روايته بهذ الكلمات:(الآن وقد أنتهيت، أشعر أن الكلمات والحروف يائسةٌ لدرجة أنكر أن تكون ليليان. في مثل هذه الكلمات ليليان أكثر رقة أكثر فرحآ وحزنآ من كل ما ذكرته لكم، لكن ماذا أفعل إزاء تلك اللغة البائسة الذليلة؟ لا أملك شيئآ ما زالت ليليان شامخة راكضة في ذاكرتي تتسلق دمي في كل لحظة تُبكيني تُفرِحني. لا أيها الناس إنها تنتظرني في المحطة القادمة، نعم المحطة القادمة لا أعرف محطة الترام الباص ولكنها تنتظر في مكان ما، سألتقي بها، ولا تسخروا بالتأكيد سألتقى بها".

قد تتفاوت الآراء حول هذه الرواية وخصوصاً لمن قرأ الأعمال الأخرى لعبد الرحمن منيف، أتفق معكم فهي ليست أفضل أعماله على الإطلاق ولكنها تعتبر مدخلاً جيداً وإضافة للرواية العربية.

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: قصة حب مجوسية

المؤلف: عبدالرحمن منيف

دار النشر: دار التنوير

سنة النشر: 1990