الهندسة والآليات > التكنولوجيا

أنابيبُ بمقاساتٍ ذريةٍ متوفرةٌ عند الطلب وبالتصميمِ الذي ترغبه

لا مستحيلَ يبقى مستحيلاً، فبالعلمِ تتحقَّقُ المعجزات، لا حدودَ ولا حواجزَ يقفُ عندها، ومن كل رحمِ نهايةٍ تولدُ بدايةٌ جديدةٌ ، بدأت طرافةُ القصةِ مع شريطٍ لاصقٍ يستخدمُ لتنظيفِ حجرِ الغرافيت ـ المادةِ التي تُصنعُ منها أقلامُ الرصاص ـ وانتهتِ القصةُ بجائزة نوبل لعام 2010 في الفيزياء، وامتدتِ الرحلةُ بعدها لتصلَ إلى أنابيبَ بأحجامِ الذرة ستقلبُ وتغيرُ حياتنا:

يحارُ القلمُ من أين يبدأُ بالكتابة، أمنْ حجرِ غرافيتٍ في أحدِ مختبراتِ مانشستر وشريطٍ لاصقٍ لتنظيفه؟ أمنْ من سنواتٍ مرت لم يدرك أحدٌ فيها أنّ على ذاك الشريطِ اللاصقِ بديعَ فكرةٍ ستخلِّدُ اسمَ صاحبها كقامةٍ في سجلات الفيزياء؟

كانتْ أُولى لحظاتِ قصتِنا حين لاحظَ عالما الفيزياء الروسيان Andre Giam وصديقه Kanstanian Novselov آثارَ غرافين على شريطٍ لاصقٍ يُنظفُ به حجرُ الغرافيت فأسرعوا إلى تقفي الأثر، وما كانت إلا أياماً حتى قرعتْ صحفُ ومجلاتُ العالم أجراسَ البهجةِ احتفالاً بالكشفِ الجديد، كانت التجربةُ في مساءِ جمعةٍ عادي في عام 2004م وبعد مضي ستِ سنواتٍ صار يطلق على صاحبها "الحائز على نوبل في الفيزياء 2010". [2]

الغرافينُ هي المادةُ الخارقةُ للعادة لما تجمعه من خواصَّ وسماتٍ بديعةٍ في تكوينها، فهي أدقُّ الأجسام المكتشفةِ على الأرض وأخفها وزناً وأقواها بل يزيدُ على ذلك أنها تفوقُ قوةَ الفولاذِ ثلاث مئة مرةٍ، وهي أقسى من الماس وتفوق النحاسَ والفضةَ في نقلها للكهرباء وهي ناقلٌ للحرارة وشفافةٌ وقابلةٌ للثني لك أن تتخذَ منها أي شكلٍ أو رسمٍ تريده سيؤهلها لتكون المادةَ الملائمةَ لصنعِ شاشاتِ لمسٍ ولوحاتٍ ضوئيةٍ وستسهمُ في تغييرِ المعروف في تكنلوجيا الفضاء والسيارات وتخزين الطاقة، كانت تلك الصدفةُ نقطةَ التحولِ في حياةِ العالمِ الروسي فأرادَ أن يظفرَ بالمزيد، فسارع إلى إعدادِ فريقٍ يشاركه في قيادته Rada Boya وبدأ بعدها رحلةَ جعلِ المحالِ سهلاً ممكناً.

ترك الغرافينَ هذه المرةَ وذهبَ إلى أجزاءِ الغرافيتِ المتبقيةِ بعد استخراج الغرافين منها.

وجد فريقُ البحث فجواتٍ صغيرةً جداً ضمن بلوراتِ الغرافيتِ يمكنُ إنتاجُها من موادَّ مختلفةٍ لا لتحقيقِ تصميمٍ مثالي فحسب بل لاختبارِ خواصِّ الجدرانِ الشعرية، قد تكونُ هذه الفجواتُ الذريةُ ناعمةً أو خشنةً، ناقلةً أو عازلةً، تحبذُ الماء أو تنبذُه، تقبلُ الشحن الكهربائي أو ترفضُه، ولا تقفُ القائمةُ هنا بل تتسعُ وتطولُ لمزيدٍ من السرد.

فالفراغاتُ تشكّلُ فجواتٍ تقومُ بحجزِ موادَّ مختلفةٍ، أو قنواتٍ مفتوحةَ النهايات تنقلُ غازاتٍ وسوائلَ مختلفةً، سيسهِّلُ استخدامَه في عدة تطبيقاتٍ وبحوث أساسية عديدة، ولعل جموحَ الخيالِ وسعةَ الأفقِ ستعجزُ عن إدراكِ ما يكمنُ في طياتِ هذا الاكتشاف، ومن حيث لا يحتسبُ، فاجأ البحثُ الفريقَ حين مرَّ الماءُ عبر هذه القنواتِ بارتطامٍ لا يكاد يذكرُ وسرعةٍ تفوقُ ماكان يجوبُ في تصورِ أي واحدٍ منهم، وكأنَّ هذه الدقةَ المتناهيةَ هي أعرضُ بآلافِ المراتِ مما يُخيلُ للأبصار.

وتخبرنا Rodha Boya قائدةُ البحث:" هذا نمطٌ مختلفٌ تماماً عن الأنظمةِ النانويةِ السابقة، لم تكن تتصورُ الأذهانُ يوماً وجودَ هذه الفجواتِ ولم يستطع الخيالُ التنبؤَ بها. لم يتوقعْ أحدٌ هذه الدقةَ في التصميم في أي لحظةٍ سبقت الإعلانَ عن الكشف.

تعتبرُ تقاناتُ التصفيةِ وتحليةِ المياه وفصلِ الغازات الجديدةِ نوعاً من التطبيقاتِ المباشرةِ والجليةِ لهذه التقنية، ولكن يوجدُ العديدُ من التطبيقات الأخرى التي تحتاج مثلَ هذه التقانة".

ويتحفنا قبلَ الختام صاحبُ نوبل وبطل هذه القصةAndre Giam :" أنْ تُوجدَ من العدمِ شيئاً ذا فائدةٍ هو بحدِ ذاته أمرٌ رائعٌ، وهذا الاكتشافُ وما يفتحُه من آفاقَ وسبلٍ جديدةٍ لعلومَ أخرى هو بعينه أمرٌ مذهلٌ، لم يخطرْ لوهلةٍ ببالي أنْ يعود الأمر بنفعٍ. مازال هناك العديد من الأبحاث التي ستجني قطاف الخير من هذه التجربة".[1]

المصدر:

[1] هنا

[2] هنا