البيولوجيا والتطوّر > التطور

هل سمعتَ يوماً بعظم القضيب؟ أحقيقةٌ ما قرأت أم خيال؟!

لوحظ وجود الجُذَيْر عند العديدِ من الثدييات، وليسَ جميعَها، وقد شوهدَ عند الرئيسيّات (ثدييات الصفّ الأوّل) بتواترٍ أكبر، غيرَ أنَّ الإنسان شكَّل استثناءً للقاعدة، فهو لا يملك جُذَيْراً، وقد وُجِدَ في حالاتٍ نادرة ما يشبه الجُذَيْر في قاعدة القضيب الذكري، إلا أنّه شذوذٌ أكثر ممّا هو بجذير.

درس الباحثون تطوّر الجُذَيْر لدى الثدييات، معتمدينَ على توزّعه بينها بحسب موقعها في السلسلة التطوّرية، ولاحظوا أنَّ ظهور الجُذَيْر قد ترافَقَ مع انقسام الثدييات إلى ثدييات مشيميةٍ ولا مشيميةٍ، وذلك قبلَ حوالي 145 مليون سنة، لكنْ قبل تطوّر آخر سلالات الأسلاف المشتركة (الرئيسيّات والحيوانات آكلة اللحوم)، وذلك حوالي 95 مليون سنة (ما يعني أنَّ ظهورَه كان ما بين 145 مليون سنة إلى 95 مليون سنة). وأظهرت الدراسة أنَّ الأسلافَ المشتركة للرئيسيّات والحيوانات آكلة اللحوم قد امتلكتْ جذيراً، وبالتالي فالأنواع المنحدرة من تلك السلالات التي لا تملك اليومَ جذيراً، كالبشر، لا بدَّ أنّها قد فقدتْه خلالَ مرحلة من مراحل التطوّر.

وهنا يتراود سؤالٌ إلى الذهن، لمَ قد يحتاجُ الكائن أيّاً كانَ إلى عظم القضيب؟ طرح العلماء بضعَ نظرياتٍ للإجابة عن السؤال:

• بعض إناث الحيوانات –كالقطط– لا تقوم بالإباضة إلّا بعد أنْ تلتقيَ بالشريك ويتمَّ التزاوج، ومن الممكن لهذا الجُذَيْر أن يساعد في استثارة الأنثى وتحفيز الإباضة.

• فرضية الاحتكاك المهبلي: تقضي هذه النظرية إلى أنّ الجُذَيْر قد يعمل كنعلِ الحذاء مانعاً الأنثى من الحركة، سامحاً للذكر ذاتِهِ فقط بإلقاحها دون ذكورٍ آخرين.

• النظرية الأخيرة تقول إنَّ الجُذَيْرَ يسهم في إطالة مدّة الجماع، مانعاً الأنثى بتلك الطريقة من التسلّل وملاقاة شريكٍ آخر قبل أن تبلغ نطاف الذكر الأوّل هدفَها.

جاءت نتائج الدراسة مفاجئةً بشدّة، إذْ لوحظ بعدَ دراسة تطوّر الرئيسيّات جميعِها أنَّ وجودَ الجُذَيْر قد ارتبط بمدّة جماعٍ أطول (ما يزيد على 3 دقائق)، وأنَّ طول الجُذَيْر تناسب طرداً مع ازدياد مدّة الجماع، ما معناه أنَّ الجُذَيْرَ كان أكبرَ لدى المجموعات التي كانت مدّةُ جماعها أطولَ مقارنةً بالمجموعات التي كانت مدّةُ جماعها قصيرةً.

أضف إلى ذلك أنَّ المجموعاتِ التي كانت المنافسةُ الجنسيةُ فيها أكبرَ (المنافسة بين الذكور لجذب الإناث) امتلكتْ جُذَيْراً أكبرَ مقارنةً بالمجموعات ذاتِ المنافسة الجنسيّة الأقلّ.

بعدَ كلّ هذا الكلام، يأتي السؤال: لماذا إذاً اختفى الجُذَيْر لدى الجنس البشري، إذا كان بتلك الأهمية للمنافسة والإخصاب؟

الجواب بغاية البساطة: إنَّ مدّة الجماع لدى البشر قصيرةٌ مقارنةً بغيرهم من الثدييات (أقلُّ من دقيقتين ما بينَ الاختراق والقذف). لكنَّ ذلك لم يكن السببَ الوحيدَ، بل تلعبُ العادات الجنسيّة لدى البشر دوراً في ذلك، فغالباً ما يكون للذكر شريكةٌ أنثى واحدة دونَ منافسة ذكورٍ آخرين له في الوقت نفسه.

لنوضّحْ أكثر، تحدثُ مراحل الجماع الطويلة لدى الأنواع متعدّدة الشركاء الجنسيين، إذْ يجامعُ عدّة ذكورٍ عدّةَ إناثٍ في الوقت ذاتِه، كما هو الحال لدى الشيمبانزي، ممّا يجعل المنافسة على الإلقاح أشدَّ، فكلُّ ذكرٍ يريدُ نشر ذريّته وحده دونَ غيره، وما من طريقةٍ لتقليل فرص الذكور الآخرين بإلقاح تلك الأنثى إلّا بإطالة زمن الجماع معها وحدها.

وبما أنَّ المنافسةَ على الإناث لم تعدْ كما في السابق، أو لم تكن كما لدى الثدييات الأخرى، إضافةً لقصر مدّة الجماع، لم يكنْ هناك مجالٌ للحفاظ على ذلك الجذير.

إلّا أنَّ نظرية إطالة مدّة الجماع مع الأنثى ما زالت تنافس نظريةً أخرى تقول إنَّ دور الجُذَيْر في العمليّة الجنسية لا يكمنُ في إطالتها بل في تسهيلها. فهي تتبنّى كونَ الجُذَيْرِ عنصراً داعماً للقضيب الذكري، بما يجعلُه أقوى ويحمي الإحليل الذي ستعبر النطاف من خلاله لاحقاً. فبعد دراسةٍ أُجريت على ثلاث فصائل من الخفافيش، توضّح للباحثينَ أنّٓ الجذيرَ قد شكّل وحدةً وظيفيةً مع الأجسام الكهفيّة للقضيب (وهي الجزء القابل للانتصاب في القضيب)، بما يحمي الحشفة وجسم القضيب خلالَ الانتصاب. وقد طرح الباحثون أيضاً أنَّ هذا الجُذَيْرَ يمنع تقلّص الجزء الأخير من الإحليل (أي الجزء الموجود عند نهاية القضيب قبل الفتحة البولية التناسلية)، ما يسهّل تدفّق النطاف عندَ الجماع. ولدى بعض أنواع الرئيسيّات ذاتِ الجُذَيْرِ الأطول، كان يتقدّم هذا الجُذَيْرُ قليلاً إلى الأمام في نهاية القضيب أثناء الانتصاب، بما يسمح للقضيب بالتماس مع عنق رحم الأنثى خلالَ الجماع، ويسهّل انتقالَ النطاف من خلال قناة الرحم (السبيل التناسلي باتّجاه عنق الرحم).

بقيت النظرية السابقة محطَّ الجدل، فالموضوع ما زالَ في بداية دراساته، لكنْ من الواضح أنّ السلوكياتِ الجنسيةَ لدى البشر، واختلافَها عن غيرهم من الثدييات أدّت إلى فقدان عظمٍ غيرِ اعتيادي لا بدّ لنا أنْ نكتشف المزيد عنه.

المصدر: هنا

الورقة البحثية: هنا