الفيزياء والفلك > علم الفلك

دوران الأرض يتباطأ، لكن ليس كما كنا نعتقد سابقًا

يُقال دائماً أنّ الأجرامَ السماويةَ تتحرك بدقة، إذا يُمكن للفلكيين حساب أوقات الخسوف بدقة متناهية، بل يمكنهم التنبؤ بوقت مرور القمر من أمام نجم بعيد بدقة تصل لجزء الثانية. كما يمكن للفلكيين الرجوع بالزمن ومعرفة زمان ومكان حدوث هذه الظواهر في الماضي البعيد. ولكن مسحًا شمِل مئات حالات الخسوف والكسوف عبر التاريخ، أظهر أن بعض الحالات الّتي حدثت في القرن الثامن قبل الميلاد، لا تُطابق توقعات العلماء. ليس هذا وحسب، بل تشير الدراسة الّتي شملت هذا المسح،إلى وجود مراحل قصيرة الأمد، تباطأ فيها دوران الأرض، لم تتمكن النماذج السابقة من ملاحظتها.

حلّل ليزلي موريسون، عالم الفلك المُتقاعد من مَرصَدِ غرينيتش الفلكيّ وزملائهُ، أوقات ومواقِع حوادث الخسوف التاريخية في اليونان القديمة والصين والشرق الأوسط، وأماكن أخرى عبر العالم، بهدف البحث عن أدلة حول معدّل دوران الأرض حول نفسها منذ ما يقرب من أربعة عقود.

على سبيل المثال، احتفظ علماء الفلك البابليون بتفاصيل حوادث الكسوف بالخطِّ المسماري على ألواح الطين، في حين كشفت سجلات الأسر الملكية الصينية عن قسم خاص للسجلات الفلكية. أما بطليموس فقد وثّق مواقيت الكسوف في اليونان القديمة. وفي منطقتنا،احتفظ علماء الفلك العرب، ابن يونس، البَتّاني، والبيروني بسجلات مفصلة لحوادث الكسوف، في الفترة ما بين 830 م إلى 1020 م. كما لوحّظ أنّ أقدم ما سجّلتهُ البشرية كان كسوف كليّ للشمس حدث في عام 720 قبل الميلاد، رَصدَهُ فلكيّو مدينة بابل Babylon (العراق حالياً).

ولكن بالعودة في الزمن إلى الوراء، يتنبأ علماء الفلك حالياً أنّ هذه الظاهرة كان يُفترض أن تُشاهَد في بُقعةٍ أخرى في الجزء الغربي من المحيط الأطلسي! كشف الفريق البحثي أن التباين في النتائج، حصل نتيجة تباطؤ دوران الأرض تدريجياً منذ القرن الثامن قبل الميلاد.

يعلمُ العُلماء بأنّ تأثير القمر (المد والجزر ) هو العامل الرئيسي الّذي يؤدي الى إبطاء دوران الأرض حول نفسها، فكلما ضربت الأمواج القارات، تفقد الأرض جزءاً من عزمها الدورانيّ. تقترح النماذج التي تأخذ هذه الظاهرة فقط بالاعتبار عند الحديث عن تباطؤ دوران الأرض حول نفسها، بأنّ دوران الأرض حول نفسها يجب أن يتباطأ أكثر، لتزداد مدة اليوم بنحو 2،3 ملي ثانية خلال قرن من الزمان. لكن فريق موريسون البحثي، يقترح أن دوران الأرض حول نفسها قد تباطأ بمقدار 6 ساعات خلال الـ 2740 سنة الماضية.أي أن هذا التباطؤ قد زاد مدة اليوم (24 ساعة) بنحو 1،8 ملي ثانية فقط خلال قرن واحد، وليس بمقدار 2,3 ملي ثانية كما تنبأت النماذج السابقة.

يوضح موريسون بأن هذا الاختلاف في النتائج بين النماذج القديمة والدراسة الحديثة، يعود لوجود عوامل أخرى تؤثر على دوران الأرض، أهمها ارتداد القشرة الأرضية للأعلى تدريجيًا، نتيجة ذوبان الصفائح الجليدية الضخمة الّتي أثقلتها خلال العصر الجليدي الأخير. وفي الوقت الذي كانت فيه القشرة ترتفع تدريجياً في مناطق خطوط العرض العليا، كان الكوكب ينكمش على نفسه في مناطق خطوط العرض السفلي. إن الأمر يشبه ما يحصل عندما تقوم الراقصة على الجليد بضمّ ذراعيها، للحصول على سرعة دوران أكبر، ولهذا يؤدي التبدل في توزُّع الكتلة الكلية ،إلى زيادة سرعة دوران الأرض حول نفسها، وبالتالي التقليل من معدّل تباطؤ دوران الأرض حول نفسها.

المصدر: هنا