كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (إيما): هل نعيش حياتنا ونخطط لها أم أن القدر يختار؟

لطالما كانت إيما سيدة رأيها وعقلها ومنزلها ولطالما اعتدّت بنفسها وبرأيها، ونستطيع القول بأن شخصيتها، كما أرادت لها جين أوستن أن تكون، تشابه إلى حد ما شخصية رجلٍ في تلك الفترة الزمنية التي كان واضحاً جداً أن دور المرأة فيها لا يتعدى كونها سيدة منزلها وليس له أدنى علاقة بتقرير مصير حتى نفسها فكيف بغيرها ؟

تضع جين أوستن في روايتها هذه بطلتها في موضع القوي صاحب الرأي والقرار والشخصية الفذة الأشبه بالرجال في ذلك الوقت ولكنها وفي النهاية تأخذ منها ما منحتها إياه من قوةٍ بطريقةٍ لطيفةٍ تعجب القراء من سيدات تلك الحقبة و ترضي تفكير مجتمعها ورجاله وهذا ما يجعلنا نصنّفها من بين الروايات الرومانسية الكوميدية.

إيما وود هاوس ذات ال 21 ربيعاً، شابةٌ جميلةٌ وذكيةٌ، تملك الدنيا بين أصابع يديها كما أنها تعتبر ملكة مجتمعها الصغير في قريتها الصغيرة – هايبيري – و التي تبعد ستة عشر ميلاً عن لندن. تعيش إيما مع والدها مستر وود هاوس في منزلهم الكبير الذي أصبحت هي ربته والقائمة عليه بعد وفاة والدتها وكانت على قدر من الذكاءٍ والمقدرة على الحفاظ على المنزل وكأنها سيدته، مما جعل السيد وود هاوس، الذي يحبها حباً كبيراً ويثق في رأيها، لا يقوى على تقديم أي إرشادٍ لها، وهذا ما قد يبرر عدم امتلاك إيما لأي إحساسٍ بوجود حدودٍ لما تفكر فيه وما تود تنفيذه، فهي دائماً ما تظن بأنها على حق.

تبدأ جين أوستن روايتها الرومنسية الكوميدية بوصفٍ لحياة إيما التي تبدو حياةً مريحةً لا يعكّر صفوها شيءٌ ما عدا شعورها ببعض الملل، ولهذا تقرر بطلة روايتنا أن تضيف بعض الحماس لحياتها. فبعد نجاحها بتزويج مربيتها للأرمل ويستون، وبعد ثقتها التامة بأنه لولا جهودها هي لما تمّت هذه الزيجة الناجحة، تقرر إيما – و بالنظر إلى قرارها بعدم الزواج أبداً – أن تمارس مهاراتها في الجمع بين كلّ اثنين مناسبين لبعضهما في رأيها وتقوم بتزويجهما، وعلى هذا تتخذ إيما من مس هارييت اليتيمة والجميلة صديقةً لها أو بالأحرى محور تجربتها البشرية الجديدة، فتحاول أن تقرّبها من السيد إيلتون قسّ القرية الذي يتبين لاحقاً أنه يحبّ إيما وبدقة أكثر أموالها. وبعد هذا الفشل وبعد ثبوت صحة تكهنات السيد نايتلي بطل روايتنا الصادق والرصين (وهو شقيق زوج أخت إيما، إيزابيلا) فيما يخص السيد ايلتون ومشاعره اتجاه إيما، تقرر إيما أن تعيد التفكير في طريقتها في النظر إلى الأمور لكنها لا تتخلى عن خططها لتزويج هارييت لسيدٍ نبيلٍ ولتغيير هارييت نفسها وجعلها من سيدات المجتمع الراقي وإبعادها عن السيد مارتن الذي يحبها، والذي تعتبره إيما أقل شأناً من هارييت وتقرر أن تبعده عنها على الرغم من مشاعر هارييت تجاهه.

تتوالى أحداث الرواية و تقدم لنا أوستن شخصياتٍ وأحداثاً ثانويةً جديدةً وتصدمنا بأحداثٍ أخرى ومن الشخصيات المؤثرة التي تقدمها لنا: السيد فرانك الذي يلفت نظر إيما ويجعلها تفكر مرة أخرى في عزوفها عن الزواج وتسير أحداث الرواية لتأخذنا إلى ما هو غير متوقع وترينا جين أوستن كيف أن مساعي إيما في الوصول لتحقيق غاياتها تبوء بالفشل في معظم الأحيان و يتبين لنا أيضاً حصول عكس كل ما تخطط له لتنتهي الرواية بطريقة رومانسية تعكس أسلوب جين أوستن والنمط الذي تتبعه في معظم رواياتها حيث تنتهي أغلبها بنهايةٍ سعيدةٍ وبرومانسيةٍ واضحة.

تتطرق أوستن في رواياتها لعدة مواضيع منها الطبقية التي كانت حاضرةً بشدة في المجتمع الإنكليزي في تلك الحقبة، تجلت هذه الطبقية في روايتها إيما في محاولة بطلة الرواية تغييرَ صديقتها هارييت وفي إبعادها عن السيد مارتن الذي كان فلاحاً لا يرقى برأيها لمستوى هارييت، لا في مستواه الاجتماعي و لافي تصرفاته البعيدة عن تصرفات الرجل النبيل. وليست إيما وحدها من كانت تشعر بفوقيتها على غيرها بل حتى بطل الرواية الذي صورته أوستن على أنه شخصٌ نبيلٌ ورصينٌ وذكيٌ، كان ينظر إلى الأمور والأشخاص من منظور طبقيّ تقريباً.

حاولت أوستن تصوير مجتمعها بألطف طريقة في كل رواياتها التي تعتبر الآن من أيقونات القرن التاسع عشر في الأدب الانكليزي وحققت لذلك شهرةً واسعةً استمرت حتى يومنا هذا، حيث يتم تبني العديد من رواياتها و تحويلها إلى أفلام ناجحة.

معلومات الكتاب:

عنوان الرواية: إيما

اسم الكاتبة: جين أوستن

ترجمة: لوسي يعقوب

عدد الصفحات:620

دار النشر: مكتبة الإنجلو المصرية