علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

التنمر

ماذا نعرف عن التنمّر اعتماداً على أربعين سنة من الأبحاث؟

التنمّر هو شكلٌ من أشكال الإساءة والإيذاء موجّه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة أخرى تكون في الغالب أضعف جسدياً، وهي من الأفعال المتكررة على مر الزمن والتي تنطوي على خلل حقيقي أو متصور، في ميزان القوى بالنسبة للطفل ذي القوة الأكبر أو بالنسبة لمجموعة تهاجم مجموعة أخرى أقل منها في القوة، ويمكن أن يحدث عن طريق التحرش الفعلي والاعتداء البدني، أو غيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاء مثل التلاعب والابتزاز.

ولكن عندما يخاف ولدك الذهاب إلى المدرسة خوفاً من زميل له فإن معنى التنمر عندها يتجلى في الآثار النفسية، إذاً ماذا يقول علم النفس عنها، دعونا نكتشف ذلك في هذا المقال.

نشرت مجلة "American Psychologist" العلمية في واشنطن، مراجعةً شاملة لما يزيد عن 40سنة من البحث في مجال التنمّر بين الشباب في عمر المدرسة موثقة فيه الفهم الراهن لمدى تعقد هذه المسألة ومقترحة توجيهات للأبحاث المستقبلية.

تقول الأستاذة في التنمية البشرية والتعلّم والثقافة من جامعة كولومبيا البريطانية ""Shelley Hymel: "إن مفهوم التنمّر موجود في النصوص الأدبية والثقافة الشعبية، إلا أنه لم يدرس بشكل منهجي يختلف عن الاعتداء الشخصي حتى السبعينات، وتصاعد الانتباه للموضوع بشكل كبير بعدها".

قامت الأستاذة المذكورة بإنجاز بحث مشترك لها مع الأستاذة في مدرسة علم النفس في جامعة "نبراسكا-لنكولن" الأستاذة "Susan M. Swearer"، تناول هذا البحث الآثار بعيدة الأمد والتي تصل لمرحلة البلوغ للتنمّر، وأسباب ممارسة الأولاد للتنمّر على بعضهم البعض، وآثار القوانين المناهضة للتنمّر، وطرق ترجمتها إلى ممارسات مضادة للتنمر أيضاً.

المقالات التي تناولها البحث:

1- مقال بعنوان: النتائج طويلة الأمد للجناية على الأتراب في الطفولة والمراهقة: طرق التكيف وسوء التكيف، كتبتها كل من"Patricia McDougall" الحائزة على الدكتوراه من جامعة Saskatchewan"" و""Tracy Vaillancourt الحائزة على الدكتوراه من جامعة أوتاوا.

إنّ التعرض للتنمر تجربة مؤلمة وصعبة وتأثيرها السلبي على الأداء الأكاديمي والصحة النفسية والجسدية وعلى العلاقات الاجتماعية والوعي الذاتي قد يدوم عبر سنوات الدراسة، ولكن لا يتحول كل طفل يقع ضحية للتنمر إلى بالغ غير متوافق ومتكيف مع بيئته، ويزودنا مؤلفو هذا المقال بموجز عن النتائج السلبية التي خبرها الضحايا خلال فترة الطفولة مروراً بالمراهقة وحتى مرحلة البلوغ، ثم يقومون بتحليل النتائج من دراسات مستقبلية ليحددوا العوامل التي تؤدي إلى نتائج مختلفة عند أناس مختلفين بما فيها العوامل العضوية، والتوقيت، والنُظم التي تدعمهم ووعيهم بذاتهم.

2- مقالة بعنوان: الإطار العلائقي لفهم التنمّر: السوابق التطورية والنتائج،

كتبها كل من Philip Rodkin"" و"Dorothy Espelage" الحائزان على الدكتوراه من جامعة "Illinois" وUrbana-Champaign"" وLaura Hanish"" الحائزان على الدكتوراه من جامعة ولاية أريزونا.

كيف نميز بين التنمّر والاعتداء بصورة عامة؟ في هذه المراجعة يصف المؤلفون التنمّر من منظور العلاقة بين المتنمر والضحية، وحتى نميّز التنمّر عن غيره من أشكال الاعتداء يجب أن توجد علاقة بين المتنمر والضحية، يجب أن يكون هناك عدم توازن قوى بين الطرفين، ويجب أن يستمر لفترة، فقد كتب المؤلفون: "يُقترف التنمر عن طريق علاقة غير متكافئة متسمة بالاعتداء والإكراه"، ومن خلال وجهة النظر هذه فإنّ صورة المتنمرين كصبية غير مؤهلين اجتماعياً يعتمدون على الإكراه الجسدي لتسوية الخلافات ليست سوى صورة نمطية؛ ومع أنّ هذا النوع من ضحايا التنمّر موجود فعلاً ويكون المتنمر فيه ذكراً بالغالب، فقد لاحظ المؤلفون نوعاً آخر يكون فيه المتنمر مندمجاً اجتماعياً ويتمتع بمستوى عالٍ من الشعبية بين أترابه وفيه تكون حالة المتنمر والضحية متخالفا الجنس شائعة أكثر من حالة كونهما من نفس الجنس.

2- مقالة بعنوان: تحويل البحث لممارسة عملية للحدّ من التنمّر، كتبتها "Catherine Bradshaw" الحائزة على دكتوراه من جامعة فيرجينيا.

تلخص هذه المقالة البحث والمعلومات المرتبطة به لوضع مجموعة من التوصيات والنصائح لبرامج وقاية فعّالة من التنمّر، واعتماداً على نتائج متنوعة لبرامج حالية حدد المؤلفون العوامل الرئيسية لوضع طرق واعدة لمنع التنمّر، منها: الإشراف على بيئة لعب الأطفال عن كثب، وإدخال الأهل في عملية المعالجة، واستراتيجيات لإدارة الصف بطريقة متناغمة، ثم توصي الدراسة بأسلوب الصحة العامة ثلاثي المستويات، والذي يمكن أن تُعنى بالطلاب في كافة مستويات الخطورة، وأشار المؤلفون إلى أنّ جهود المنع هذه يجب أن تكون مستدامة ومتكاملة لتحدث التغيير.

4- مقالة بعنوان: القانون والسياسة في مفهوم التنمّر في المدرسة، كتبتها "Dewey Cornell" الحائزة على الدكتوراه من جامعة فيرجينيا و"Susan Limber" الحائزة على الدكتوراه من جامعة كليمسون.

منذ حادثة إطلاق النار في ثانوية "Columbine" عام 1999، طبقت جميع الولايات الأمريكية ماعدا ولاية واحدة قوانين منع التنمّر وأُصدرت قرارات عدلية وضعت المدارس موضع المسؤول عن جناية الأتراب، ولسوء الحظ فإنّ الأساليب القانونية والسياسة الحالية والتي ترسخت بقوة في القوانين التي تتضمن جنايات الإزعاج والتمييز، لا توفر حماية مناسبة وكافية لجميع الطلاب الذين يتعرضون للتنمر، ويقدم المؤلفون في هذه المقالة موجزاً لنظام قانوني يُعزز قوانين منع التنمّر ويقترح التوصيات لأفضل الممارسات لسن القوانين والسياسات المدرسية التي تتناول بشكل فعال مشكلة التنمّر.

5- مقالة بعنوان: فهم علم نفس التنمّر: الانتقال لنموذج اجتماعي بيئي يستهدف عامل التوتر، كتبتها كل من Susan Swearer"" دكتوراه من جامعة "نبراسكا-لنكولن" و""Shelley Hymel دكتوراه من جامعة كولومبيا البريطانية.

يتنوع تورط الأطفال في التنمّر من خلال الأدوار ومرور الوقت، فقد يكون الطالب ضحية لزميله في الصف وفي الوقت نفسه متنمراً على أخيه في البيت، التنمّر شكل معقد من أشكال الاعتداء بين الأشخاص والذي يمكن أن يكون عملية متبادلة بين شخصين واحد لواحد أو ظاهرة جماعية، وتؤثر سلباً ليس فقط على الضحية وإنما على المتنمر والشهود أيضاً، ويقترح المؤلفون في هذه المقالة نموذجاً متكاملاً لاستقصاء التنمّر والجناية (الأذية)، والتي تميز الطبيعة المعقدة والديناميكية للتنمر وفق أُطر متعددة عبر الزمن.

المصدر:

هنا