الفنون البصرية > فن وتراث

الفن النسائي، روزا بونور 1822-1899م

روزا بونور الفنّانة الفرنسيّة التي حصدت ثروة وشهرة وأوسمة شرف لم يحظ بها الكثير من فنّانيّ وفنّانات عصرها، تميّزت برسمها للحيوانات بطريقة واقعية مهتمّة بأدق التّفاصيل الموجودة في أجسام الحيوانات والطّبيعة من حولها، حصدت لوحاتها شهرة واسعة وذاع صيتها في أرجاء فرنسا وانجلترا والولايات المتّحدة.

ولدت ماري روزالي بونور (اشتُهرت باسم روزا بونور) في 16 آذار في عام 1822م في مدينة بوردو الفرنسيّة، لرايموند أوسكار بونور الذي كان ينتمي لطبقة فقيرة ويعمل كمدّرس لمادة الرسم، أمّا والدتها صوفي ماركيز فكانت موسيقية من طبقة متوسطة تدّربت على يد زوجها على الرسم.

تأثّرت روزا بونور بأفكار والدها الذي كان من أشدّ المتحمسين لحركة سّان سيمون الفاضلة التي آمنت بمجموعة من المبادئ والأفكار المثاليّة فيما يتعلق بالملكيّة والعمل وأهمية دور المرأة في بناء المجتمع وضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين. كما شكّكت بالعادات والأدوار الاجتماعيّة التي سادت وحكمت المجتمع آنذاك، وهذا ما دفعه لتعليم ابنته الكبرى روزا بونور الفنّ وتقنياته وتشجيعها على اعتبار الفن مهنة تحقّق من خلالها استقلاليّتها.

انتقل رايموند بونور للإقامة في باريس عام 1828م، وبعد انتقاله بعام لحقت به عائلته ولكنه هجرهم بعد ذلك بأربع سنوات ليعيش مع زميله سان سيمون.

توفيّت والدة روزا بونور عام 1833م، وكانت تبلغ من العمر ستّة وثلاثين عاماً، نتيجة لتتعبها من زوجها الذي قادهم للفقر والحاجة، كانت روزا بونور تبلغ الحادية عشر من العمر في ذلك الحين. بعد وفاة والدتها، قامت عائلة ميكاس والتي كانت تقطن بجوار عائلة بونور بتربية واحتضان روزا بونور. كان للسّيدة ميكاس صديقة صوفي بونور فتاة تدعى ناتالي والتي أصبحت فيما بعد مخترعة هاوية ووقعت هي وروزا بونور في الحبّ.

أما عن حياتها المهنيّة، بدأت روزا بونور بمهنتها الفنيّة بعد أن كانت قد تلقت دروساً للرسم من والدها، كما أنّه سمح لها بارتياد صفوف تعليم الفنّ برفقة زملائها الذّكور، وعندما بلغت الرّابعة عشر من العمر كانت تقوم بالتدرب على رسم روائع اللوحات الموجودة في متحف اللوفر، كما تدّربت فيما بعد مع الفنان ليون كونييه.

منذ بداياتها كان رسم الحيوانات هو موضوعها المفضّل، حيث أنها درست تشريحها في المسالخ المحلية، وهذا ما دفع الحكومة الفرنسيّة إلى الموافقة على طلبها بارتداء البنطال والحذاء الرجالي المخصصين في ذلك الحين للرجال فقط، وذلك بسبب البيئة الخطيرة والقاسية التي كانت تعمل بها.ولعلها قامت بقص شعرها أيضاً للتماشي مع طبيعة عملها.

كانت روزا بونور تزور مزرعة للخيول مرتين أسبوعياً، مما أتاح لها ملاحظة التفاصيل الدقيقة في أجسام الحيوانات بشكل مباشر وذلك ساهم بالطبع في ترسيخ النّمط الواقعي الذي تصوّر فيه الحيوانات في أعمالها واحترافها مجال رسم الحيوانات مما ساهم بتوفير معيشة جيدة من خلال عملها كرسّامة حيوانات بارعة.

كما شاركت لوحاتها في معرض باريس الفني السنوي منذ أن كانت في التاسعة عشر من عمرها وحتى بلغت الحادي والثلاثون، كما أنّها حازت على الميدالية الذهبية من المعرض عندما كانت في السّادسة والعشرين من العمر عام 1848م، وتمَّ تكليفها من قبل الحكومة الفرنسية برسم لوحة "الحرث في نيفرنيس" عام 1849. في العام ذاته قامت روزا بونور وشقيقتها جولييت بإدارة مدرسة الرّسم الحر للفتيات لتشغلا بذلك منصب والديهما سابقاً.

وفي عام 1855م أنهت روزا بونور لوحتها الشهيرة "معرض الخيل" والتي تمّ شراؤها فيما بعد من قبل إرنست غامبارت الذي امتلك معرضاً متخصصاً بالفنّ الفرنسي ليقوم بعدها بعرض اللوحة في لندن، وهذا ما أتاح الفرصة لرؤيتها من قبل الملكة فيكتوريا التي أعجبت بها كثيراً وطلبت رؤيتها بشكل خاص في قصر وينزر. وفي عام 1887 قام كورنليوس فاندربلت بشراء اللوحة وتبرّع بها إلى متحف ميتروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك.

قام إرنست غامبارت بطباعة عدة نسخ من أعمال روزا بونور ومن ضمنها "معرض الخيل" وقام ببيعها في إنجلترا وأوروبا والولايات المتّحدة. وبذلك أصبحت روزا بونور واحدة من أكثر الفنانين شهرة في ذلك الوقت.

وإحدى أشهر لوحات روزا بونور والتي أنهتها في ذات العام الذي أنهت فيه لوحتها معرض الخيل هي لوحة "متبن في أوفيرني" والتي تمَّ عرضها في معرض باريس العالمي، وحصلت كلوحة "الحرث في نيفرنيس" على الميدالية الذهبية.

في عام 1860 قامت روزا بونور بشراء قصر باي بالقرب من غابات فونتنبلو وتقاعدت لتعيش مع السيدة ميكاس وناتالي في القصر.

خلال السّنوات التي عاشت فيها في قصر باي، رسمت العديد من اللوحات وقامت باستضافة مناسبات واحتفالا عدة. وفي إحدى المناسبات كانت ضيفتها الإمبراطورة أوجيني والتي قلَدتها بوسام الصّليب الأكبر لجوقة الشّرف، كما خُصّت بالجائزة المرموقة التي أُنشئت من قبل نابليون لشكر إنجازات المواطنين الفرنسيين.

استمرّت روزا بونور بالرّسم في آخر عقد من حياتها وكانت أشهر لوحة لها في تلك الفترة لوحة ويليام فريدريك كودي مُعتلياً ظهر حصانه والتي قامت برسم مخطوطتها في الاستعراض الذي كان يؤديه في معرض باريس عام 1889م.

بعد وفاة ناتالي عام 1889، سيطر حزن كبير على حياة روزا بونور، وهذا ما سبّب إصابتها بالاكتئاب، وجعلها غير قادرة على العمل ورؤية الأصدقاء لفترة زمنية كانت عصيبة عليها ولم تتمكن من استرداد عافيتها بشكل كامل إلا بعد مضي عدّة سنوات وذلك في عام 1893م حيث كانت تقوم بزيارة الولايات المتحدة لرؤية بناء النّساء في المعرض العالمي الكولومبي في شيكاغو.

عندما عادت إلى فرنسا التقت بالفنانة الأمريكية آنا كلومبكي التي لاقت أعمالها رواجاً في فرنسا، وتعرّفت على روزا بونور في إحدى الحفلات التي كانت تقيمها في قصر باي وحينها كانت تبلغ السّابعة والسّبعين من العمر، بينما كانت تبلغ كلومبكي ثلاثةً وأربعين عاماً، وفي وقت قصير افتُتنتا ببعضهما البعض، وقامت بونور عام 1898م بتوقيع عقد مع كلامبكي تعهدت فيه ببناء استديو خاص لها في قصر باي، وبالمقابل وافقت كلامبكي على رسم لوحات لـ روزا بونور وكتابة سيرة حياتها.

قامت كلامبكي برسم ثلاث لوحات لروزا بونور قبل وفاتها في 25 أيار عام 1899م، وتمّ دفنها كما طلبت في القبر الذي اشترته في مقبرة بير لاشيز في باريس. وفي عام 1900م تمّ إقامة معرض في غاليري جورج بيتت لإحياء ذكراها والاحتفاء بإنجازاتها المهنية.

قامت كلامبكي بإدارة تركة روزا بونور، كما قامت برسم لوحة لها في عام 1902م وحولت قصر باي إلى متحف روزا بونور وأنشئت مدرسة روزا بونور الفنيّة لتعليم الفن للنساء. وفي عام 1940م نشرت كلامبكي عمل بعنوان "ذكريات فنان".

روزا بونور كانت فنّانة محترفة تركت بصمتها الخاصة في الفنّ بشكل عام والفنّ النّسائيّ بشكل خاص. ففي القرن التاسع عشر كان يعتبر الفنّ هواية تمارسها النّساء في المنزل ولكن وبفضل والدها قامت روزا بونور بتحويل فنها لمصدر دخل ومهنة احترفتها وحصدت ثروة كبيرة من خلالها. كما أنها كانت امرأة استثنائية قفزت فوق الحواجز التي قيّد المجتمع أنوثتها بها وسارت بطريقها وصنعت نجاحاتها بعيداً عن الأنماط الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، كما أنها رفضت النموذج الأبوي واختارت أن تعيش حياتها مع المرأة التي تحب بالرغم من أنها لم تعرّف عن نفسها أنها مثلية الجنس ولكن علاقاتها العاطفيّة كانت واضحة.

رابط أعمالها:

هنا

المصدر:

هنا