الطب > طب الأطفال

تشوّهات الرأس عند الأطفال

تشوّهات الرأس عند الأطفال

يعاني بعضُ الأطفالِ من اضطراباتٍ في أثناءِ تعظُّمِ الدُّرُوزِ التي يجب أن تكونَ مفتوحةً لديهم، مما قد يعطي الرأسَ مظهراً شاذّاً ومشوّهاً.. فما هي هذه التشوهاتُ وكيف يمكن علاجُها؟

اضطرابات تعظُّم الدّروزِ الباكِر Craniosynostosis:

تتركّبُ الجمجمةُ من خمسِ عظامٍ بِفراغاتٍ صغيرةٍ نسبياً بَينها تُعرَفُ بالدّروز، وعدَدُها ستةُ دروزٍ. يكون بقاءُ هذه الدُّروزِ مفتوحةً مهمَّاً للسماحِ لعظامِ الجمجمةِ بالتحرُّك في أثناءِ عمليَّةِ الولادةِ، وكذلك للسماحِ للدماغ بزيادةِ حجمِه مع نموِّ الطفل. تنغلق هذه الدروزُ بالتعظم في أثناءِ نموِّ الطفلِ؛ الواحدُ تلوَ الآخر، لذلك فإنَّ تعظُّمَ أحدِ الدّروزِ وبقاءَ بعضِها الآخرِ مَفتوحاً في وقتٍ مبكرٍ يؤدي إلى نموِّ الجمجمةِ بشكلٍ شاذٍّ مُسبباً اضطراباتٍ شكليّةً وعصبيّةً، وتَشملُ هذه الاضطرابات:

الرأس الزورقي Scaphocephaly:

هو أحدُ اضطراباتِ تعظُّم الدّروزِ الباكِرِ الأكثرِ شيوعاً، ويُمثِّل نصفَ حالاتِ هذه الاضطراباتِ بمعدَّلِ شيوعٍ عندَ الذكورِ يساوي أربعةَ أضعافِه عند الإناثِ؛ أي أننا قد نجد أربعةَ ذكورٍ مصابين مقابلَ كلِّ أنثى مصابةٍ.

يظهر تزورُقُ الرّأسِ بشكلٍ طوليٍّ على امتدادِ قبّةِ القحفِ؛ إذ يحدُث التعظُّمُ على امتدادِ الدرزِ السهميِّ الذي يمتد من مقدّم الرأسِ وحتّى مؤخِّرِهِ. يؤمِّن التعظمُ الطبيعيُّ في الدُّرز السهمي نمواً عرضياً للمنطقتيَنِ الوسطى والخلفيةِ مِن الجمجمة، ولذلك فإنَّ انغلاقَ الدُّرزِ السَّهميِّ باكراً كمَا في تزَوْرقِ الرّأسِ يعيق النموَّ العرضيَّ للمِنطقتين الوسطى والخلفيةِ من قبَّةِ القحفِ، مِمَّا يَجعل الجمجمةَ تظهر بشكلٍ متطاولٍ منَ الأمامِ إلى الخَلفِ وتكونُ ضيقَةً من الأذنِ نحوَ الأذنِ المُقابِلةِ. إنَّ استمرارَ الدماغِ في النمو بعد الانغلاقِ المبكرِ للدّرزِ السهميِّ يُرغمُ الدّروزَغيرَ المتعظّمةِ الباقيةِ أن تنموَ طولياً لإفساحِ المجالِ أمام الزيادة في حجمِ الدِّماغِ النامي، مما يؤدي إلى زيادةِ عرضِ وبروزِ الجبهةِ.

تشوه الجمجمة الانحرافي أو الرَّأسُ الوارِب Plagiocephaly:

ويشير إلى التحامٍ مبكرٍ لأحدِ الدرزين الإكليليَّينِ (الأيمن أو الأيسر) مما يؤدي إلى تسطُّحِ الجبهةِ ومنطقةِ الحاجبِ وارتفاعِ حَجاجِ العينِ في الناحيةِ الموافِقَةِ للدّرز المُنغَلقِ نحوَ الأعلى، في حينِ تبرُز الجبهةُ بشكل كبيرٍ وينخفضُ حَجاجُ العينِ في الجهة المقابلةِ لجهة الدرزِ الملتحِم، فيكون الأثرُ الشكليُّ النهائيُّ اعوجاجاً للجمجمة نحوَ جهةٍ واحدةٍ، حيثُ ينجُم الشكلُ غيرُ المتناظرِ عن إعاقةِ نموِّ الدماغِ جهةَ الالتحامِ واستمرارِ النموِّ في الجهةِ المقابلةِ.

قِصَرُ الرَّأس Brachycephaly:

ويشيرُ إلى الالتحامِ ثنائيِّ الجانبِ للدرزين الإكليليَّين، ونادراً ما يَظهر هذا التشوهُ لوحدِه دونَ وجودِ أعراضٍ مرافقةٍ أُخرى لتناذرٍ مُعمَّمٍ حيث يتوقف نموُّ الدرزين الإكليليَّين نحوَ الأمامِ، ممّا يجعل الجمجمةَ قصيرةً وفقَ المحورِ الأماميِّ الخلفيِّ، لتقومَ الدروزُ المتبقّيةُ بالتعويضِ عن نقصِ النموِّ في الدرزين المنغلقَينِ فتظهر الجمجمةُ ممتدّةً نحو الخلفِ والأعلى، والجبهةُ مرتفعةً وعريضةً ومسطَّحةً، ويتباعدُ حَجاجا العينَين.

ثَثَلُّثُ الرأس Trigonocephaly:

هو الانغلاقُ المُبكر للدّرزِ الجبهيِّ الذي يمتد من أعلى الرأسِ مارّاً بمنتصفِ الجبهةِ وحتى الأنف، والذي يؤمِّن النموَّ العرضيَّ للجبهةِ ولذلك فإنَّ التحامَه المبكِّر يعيق نموَّ الجبهةِ العرضيَّ، فَتبدو بمظهرٍ ضيقٍ وقمَّةٍ عموديَّةٍ بارزةٍ وتقارُباً لحَجاجَي العينَين، فيصبح الرأسُ مسطحاً وواسعاً منَ الخلفِ والجبهةُ ضيقَةً ومُدبَّبة.

التحامُ الدُّرزِ اللّاميِّ المبكر Lambdoidsynostosis:

هوَ أندرُ أشكالِ التحامِ الدُّروزِ المبكِّرِ غيرِ المرتبطِ بالمتلازماتِ، ويمثل التحاماً مبكراً أحاديَّ الجانبِ للدرز اللَّامي، ويتضمَّنُ بروزاً خُشّائياً* كبيراً خلفَ الأُذنِ جهةَ الدرزِ اللاميِّ الملتحمِ في حين تواصل الجهةُ المقابلةُ للدرزِ المُلتحمِ نموَّها مسبِّبةً زيادةً في عرضِ الرَّأس.

اعوِجاجُ الرَّأسِ النَّاتِجُ عَن الوضعيَّة Positional Plagiocephaly:

ويحدث عندما تتشكَّل عظامُ الجمجمةِ بشكلٍ شاذٍّ رغمَ بقاءِ الدُّروزِ مفتوحةً حتى وقتِ التحامِها الطبيعي. يظهر بشكلِ تسطُّحٍ للرأس في أحدِ الجانبَينِ مِنَ الناحيَةِ الخلفيةِ، ناتجٌ عن تَوضُّعِ الرأسِ داخلَ الرحمِ في فترة الحملِ ولا سيَّما في الحمولِ المتعدِّدةِ، أو نتيجةً لنوم الطفلِ على ظهرِه، حيثُ تَنمو الجمجمةُ نحوَ الجهةِ الأقلِّ مقاومةً مسبِّبةً الشكلَ الشاذَّ المُعوجَّ للرأسِ.

اضطراباتُ التعظُّمِ المرافقةُ للمتلازمات:

نادراً ما يعاني الأطفالُ المصابون باضطراباتِ التعظُّمِ الباكرِ من اضطراباتٍ مرافقةٍ أخرى، إلَا أنّ الالتحامَ المُبكرَ المترافقَ مع المُتلازماتِ قد يترافق مع اضطراباتٍ أخرى ليسَت ذاتَ علاقةٍ بالجمجمة. ومن هذه المتلازماتِ متلازمةُ أبيرت (Apert syndrome) التي تتميَّز بالتحامٍ مبكرٍ لدروزِ الجمجمةِ مترافقٍ مع التحامٍ للأصابِع في اليدينِ أوالقَدمين وصِغرِ المنطقةِ الوسطى منَ الوجه، ومتلازمةُ كروزون (Crouzon syndrome) أو ما يدعى بخلل التعظُّمِ القَحْفِيِّ الوجهي، الشبيهَةِ بمتلازمةِ أبيرت، ولكن بعيونٍ أكثرَ بروزاً وصِغرِ وجهٍ وغيابٍ لشذوذاتِ اليدينِ والقدمين.

تدبيرُ التحامِ الدُّروزِ المبكر:

يُحدَّد نمطُ العلاجِ المستخدَمِ لتشوُّهاتِ تَعظُّمِ الدُّروزِ المبكرِ تِبعاً لعمرِ الطفلِ وطبيعةِ الاضطرابِ ومدى تحمُّلِ الطفلِ للأدويةِ والإجراءاتِ العلاجيةِ التي سيخضع لها، ويكونُ لاختياراتِ الوالدينِ دورٌ أيضاً في تحديدِ طريقَةِ العلاج.

• خوذةُ القَولَبَةِ :

تقوم الخُوذةُ بتطبيقِ ضغطٍ مستمرٍّ حتى الوصولِ إلى نموِّ طبيعيٍّ لعظامِ الجمجمةِ، حيثُ تمنع النموَّ في المناطقِ البارزةِ وتسمحُ في الوقتِ ذاتِهِ للمناطِقِ المسطَّحة أن تنموَ. يعدَّل حجمُ الخوذةِ من قِبلِ الطبيبِ المشرفِ في أثناءِ نموِّ الرأسِ، وتُقدَّر المدةُ الوسطيةُ لاستخدامِها بـ 23 ساعةً يومياً ولثلاثَةِ أشهرٍ تَقريباً.

• الحلولُ الجراحيَّةُ وتشمل:

تتوجّه الاستشارةُ الطبيةُ نحوَ العلاجِ الجراحيِّ كحلٍّ أفضلَ لهذه التشوُّهاتِ في أغلب الحالاتِ، مع مراعاةِ عمرِ الطفلِ والحالاتِ المرضيةِ الأخرى التي قَد يُعاني مِنها، وتُصنَّفُ العلاجاتُ الجراحيةُ في نمطين:

• الجراحةُ التقليديَّةُ، وتدعى أيضاً جراحاتِ إعادةِ قَولَبةِ قبَّةِ الرَّأسِ:

يُلجَأ إليها في الحالاتِ التي يكونُ فيها الطفلُ كبيراً نسبيَّاً، حيث يُجرى شَقٌّ في الجمجمة لتُعادَ قَولَبَتُها بإزالةِ المنطقةِ التي جرى فيها الالتحامُ المبكِّر، ومِن ثَمَّ إعادةِ تشكيلِ الجمجمة لتأخذَ محيطاً دائرياً مُنتظماً، ويمكِنُ أن تَستَغرِقَ الجراحَةُ ثماني ساعاتٍ، ويبقى الطفلُ لليلةٍ واحدةٍ في العناية المشدَّدةِ ولثلاثة إلى خمسةِ (3-5) أيامٍ تحتَ المراقَبةِ ضمنَ المستشفى.

• الجراحَةُ التنظيريَّة:

تُجرى هذه الجراحةُ للأطفالِ الأصغرِ من ثلاثة شهور، وتتضمَّن استخدامَ المنظارِ لشقِّ منطقَةِ الالتحامِ مُفسِحاً المجالَ أمامَ الدماغِ والرأسِ لينموان بِشكلٍ طبيعي. وتستغرق هذه الجراحةُ قرابةَ الساعةِ باحتمالٍ أقلَّ لفقدانِ الدمِ مقارنةً مع الجراحةِ التقليديَّةِ، حيثُ يبقى الطفلُ لليلةٍ واحِدةٍ في المستشفى.

يَتلو الجراحةَ استخدامُ خوذَةِ القولَبَةِ ومراقبةٌ من اختصاصيٍّ في الجراحةِ العصبيَّةِ، وذلك لمتابعةِ النموِّ ضمنَ الخوذةِ ومن ثُمَّ تعديلِ حجمِها لِيناسبَ نموَّ رأسِ الطفلِ.

كخلاصة:

تُعد متابعةُ الطفلِ عند اختصاصيِّ الأطفالِ عمليةً مفيدةً وضروريةً للغاية، إذ تسمح بمتابعتِه بشكلٍ دقيقٍ وبالتدخلِ المبكرِ في وقتِ الحاجةِ مما قد يرفع نسبةَ نجاحِ العلاجِ، فلا تتردّدوا!

*(mastoid- نسبة للخُشّاء وهو العظم خلف الأذن)

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا