الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

بكتيريا مدمجة ....تتغذى بالهواء لتنتج الطاقة

تعتمد الحياة بشكل أو بآخر على عملية تسمى تثبيت الكربون "carbon fixation" والتي تتمثل بقدرة النباتات والطحالب وأنواع معينة من البكتيريا على استعمال ثاني أكسيد الكربون من البيئة وإضافة الطاقة الشمسية أو أي نوع من الطاقة لتحويلها في النهاية إلى سكر (العامل الأساسي في العمليات الحيوية الأخرى)، إلا أن هناك كائنات تقع على رأس السلسلة الغذائية )كالمحللات مثلًا( تعكس العملية، فتقوم بالتغذي على السكر المصنوع من عملية البناء الضوئي في النباتات والكائنات الدقيقة، ثمّ تحرر ثاني أكسيد الكربون؛ وهذا ما يطلق عليه التغذي غير الذاتي "heterotrophism" وبالطبع فإننا كبشر من الكائنات غير ذاتية التغذية؛ لأن الغذاء الذي نقوم باستهلاكه ناشئ عن عمليات تثبيت كربونية لمنتجين غير بشريين كالنبات والحيوان وغيره.

نفهم من ذلك أنّ الكائنات التي تستهلك السكر تحرقه مطلقةً ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي لكن ماذا لو تمكنا من إعادة تنظيم وبرمجة هذه الكائنات الموجودة في أعلى السلسلة الغذائية؟

هذا بالضبط ما فعلته مجموعة من الباحثين في بحث نـــُـشر في مجلة الخلية "cell" بهدف دراسة تحسين عملية تثبيت الكربون والتي تعد مفتاح التعامل مع التحديات المستقبلية مثل حاجة البشر للغذاء مع استمرار تزايد الكثافة السكانية وتناقص الموارد في نظام الأرض المغلق.

يحاول العلماء تصميم المسار الاستقلابي لعملية تثبيت الكربون وإنتاج السكر (حلقة كالفن) في البكتيريا القولونية Escherichia coli، عن طريق توصيل الجينات المحتوية على المعلومات الضرورية للتعبير عن هذه العملية وبناءها في الجينوم الخاص بالبكتيريا مع التأكد من أن التصميم يتضمن تنظيماً لمستويات التعبير للجينات المختلفة الأخرى آخذين في الحسبان أن الأنزيم الأساسي في عملية تثبيت الكربون (الروبيسكو RuBisCO" مسمم للخلايا البكتيرية.

استطاعت البكتريا وفقاً لهذه الخطة أن تنتج الأنزيمات الضرورية لتثبيت ثاني أكسيد الكربون، لكنها للأسف فشلت في استخدام الكربون لتخليق السكر واعتمدت على وجود مصدر خارجي له، لذلك لجأ العلماء لنظام جديد لتحقيق النظرية...

- خزانات البكتيريا!

كخطوة مكملة لما سبق، قام العلماء بتصميم خزانات تدعي "chemostats" بهدف تنمية شهية البكتيريا لثاني أكسيد الكربون، حيث يتم داخل الصهاريج وضع البكتيريا بوجود فقاعات وافرة من ثاني أكسيد الكربون وكمية كبيرة من البيروفات" pyruvate" كمصدر للطاقة وكمية قليلة من السكر بما يكفي فقط للبقاء على قيد الحياة. تم القيام بذلك على أمل أن يسبب تغيير البيئة خلق تكيف للبكتريا مع شحّ الموارد... فهل نجحت الفكرة ؟

لم تقم البكتريا خلال شهر من التجربة باستخدام المواد المتوفرة من فقاعات كربونية وبيروفات، وفيما يبدو فهي لم تفهم التلميح. بعد شهر ونصف أظهرت بعض البكتيريا إشارات تأقلمية فيما يعتبر أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة، أما في الشهر الثالث تمكن العلماء من إبعاد البكتيريا عن استخدام السكر والاعتماد على ثاني أكسيد الكربون والبيروفات لوحدها.

كشف تحليل النظائر لجزيئات ثاني أكسيد الكربون أن البكتيريا بالفعل قد استخدمت ثاني أكسيد الكربون المضاف لبناء كتلتها الجسمانية بما في ذلك استبدال جميع السكريات اللازمة لنمو خلاياها، وربما يكون السبب وراء عدم نجاح التجربة الأولى؛ أن تسلسل الجينومات المعدل بوساطة العلماء في البكتيريا لم يؤدي الغرض في حين أن العديد من الطفرات المنتشرة في جميع أنحاء الكروموسومات البكتيرية، والمختلفة تمامًا عما توقعه العلماء، والذي حدث على مدى أشهر من الانتظار حقق الغاية في النهاية.

ويعتقد العلماء أن القدرة على إعادة هندسة البكتيريا لتثبيت الكربون سيعرّف العلماء بأداة جديدة لدراسة وتحسين هذه العملية الأساسية، وعلى الرغم من أن البكتيريا حاليًا ترجع ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي إلا أن العلماء يبحثون عن طريقة لتطويع البكتيريا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى طاقة مخزنة أو في أن تطبق العملية على المحاصيل بحيث تزيد كفاءة امتصاصها وتثبيتها للكربون الجوي مما يضمن زيادةً محصولية تواكب الطلب البشري المتزايد خلال الأعوام القادمة.

هامش:

البيروفات Pyruvate هو مركب وسيط في عملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والبروتينات والدهون.

المصادر:

هنا

هنا

Antonovsky, Niv. et al. Sugar Synthesis from CO2 in Escherichia coli. Cell, June 2016 هنا