العمارة والتشييد > معارض معمارية

معرضٌ ومئات الكراسي ولا مكان للجلوس!

هل فكرت يوماً بالأشياءِ من حولك وحاولتَ أن تتخيلها خارج نطاق ما صُنعت لأجله؟ حسناً هذا ما قام به استيديو CODA المعماري والنتيجةُ استخدامهم لمئات الكراسي البلاستيكيَّة ولكن ليس للجلوس!

بفكرة بسيطة ومبتكرة تُرجمت لتصميم استثنائي ومثيرٍ لسيل من المشاعر والأفكار، قام استوديو CODA المعماري بتحويلِ المئاتِ من الكراسي البلاستيكية المتواضعة إلى معرضٍ قابلٍ لإعادة التدوير في الهواء الطلق في جامعة Cornell. من بعيد هو كتلةٌ فريدةٌ ومعقدَّة، تبدأ بفكِّ مفرداتها مع كلِّ خطوةٍ تدنوها، لتدرك في النِّهاية مدى بساطتها وتواضعَ تكرارها.

تشرح المعمارية Caroline O'Donnell: لقد تعمَّدنا، في هذا المشروع، أن نتجاوزَ عند تفكيرنا بالكرسي حدودَ وظيفته كغرضٍ يُستخدم للجلوس، فلم نعد ننظر إليه كغرضٍ مكوَّنٍ من أربعة أرجل ومقعد ويدين بل فكَّرنا به من ناحية الشكل (منحنيات وتموجات وفراغات)، لأنَّهم وتبعاً لتوظيفهم في التصميم سيفقدون معنى علاقتهم مع جسم الانسان بمجرد البدء بتدويرهم ورفعهم بعيداً عن سطح الأرض.

لقد كان هدفنا منذ بدايةِ الفكرة إيجادَ عنصرٍ نستخدمه بشكل متكرِّر في حياتنا اليومية وتقديمَه بمنظورٍ مختلف. فعند رؤية التصميم من بعيد، فهو يبدو لك ككتلةٍ واحدةٍ متينةٍ وفريدةٍ ومعقدة، لكن ومع اقترابك منه تبدأ هذه الوحدة بالتفكُّك لتكتشف أنَّه مكوَّن من مجموعةٍ من الكراسي العاديَّة التي لا بدَّ أنَّك استخدمتها من قبل.

أحد الجوانب المهمَّة في تصميمنا كانت كيفيَّة استخدام الكراسي دون إلحاق الضرر بها، لنتمكن من استخدامها لاحقاً بعد انتهاء المعرض. لقد كنا بحاجة لإحداث أقلِّ عددٍ من الشقوق مع المحافظة على إمكانية استمرار تغيير انحناء المعرض. كما احتجنا لأن تكون طريقة وصل الكراسي ببعضها مخفيَّة بقدر الإمكان لينصبَّ التركيز على الكراسي. بعد العديد من التجارب قمنا باختيار قضبان مترابطة وبأطوال فريدة تمَّ ربطُها بمسامير صغيرة (بحجم حلقة الأذن) مدقوقة في الكراسي.

يتساءل البعض عن مميزات استخدام الكراسي كعناصر انشائية، بالطبع لا يوجد أيَّ مميزات، لكن الهدفَ هو دفعُ الناس لإعادة التفكير بالأشياء التي يستخدمونها بشكل يومي، وطرح المزيد من الأسئلة، فمن أين جاءت هذه الكرسي؟ ومن أين تأتي المواد لصنعها؟ وهل يمكن إعادة تصنيعها؟ وكيف هو أدائي على صعيد إعادة التدوير؟ فالأفكار في هذه الحالة يمكن أن تنحوَ باتجاهين: أحدهما هو التفكير بأساليب إعادة التدوير والاستخدام وأثرِها البيئي، أمَّا الآخر هو التفكير بجمال الكرسي كعنصر، وجمال الظلال الناتجة عنه وانحناءة ظهرها.

بالنسبة للصعوبات التصميميَّة فقد كانت كثيرة. فبالرُّغم من تصميم الكراسي (باعتبارها عنصراً انشائيَّاً) لاستخدامها في الجلوس بوضعيَّتها المعتادة، إلا أنَّها لم تكن مُصمَّمة لتلقِّي الأحمال وفق الاتجاهات التي اعتمدناها، لقد كان من الصَّعب حساب الحمولات حيث قمنا بنمذجة التصميم حاسوبياً وقارنا النتائج. بالإضافة لقوانين المدينة التي تمنع البناءَ بمواد غيرِ مقاومة للحرائق وهو ما كان غير متوفرٍ في الكراسي المصنوعة من البلاستك. بالنِّهاية قمنا بتجميع الكراسي على شكل منحنٍ عاموديٍّ مشابه للحرف C (36 منحنياً)، ثم حُملت للخارج ورُكِّبت على مدى يومين. كما تم التبرع بجميع الكراسي بعد الانتهاء من المعرض.

تتابع Caroline O'Donnell: لقد استعرضنا الكثيرَ من أنواع الكراسي للاختيار منها، إلا أنَّ عامل الكلفة والانتشار لمثل هذه النوعية هو ما حسَم الخَيار في النهاية. لقد تساءل العديد من الحاضرين عمَّا إذا كان من الأفضل استخدامُ المواد المنتشرة كالخشب المضغوط؟ لكن ما يفوتُهم هو فكرة المشروع بالأصل. فبالطبع سيكون من الأسهل استخدام مواد البناء العادية لكنَّ هدفنا كان الوصولَ بالزائر إلى تلك اللحظة من الوعي والحقيقة، تلك اللحظة المرافقة لاكتشافهم ماهيَّة التكوين ودفق الأفكار الذي يرافقها. فليس من الضروري أن يكون ما نقوم به سهلاً، بالعكس! فليس من المفروض أن يكون سهلاً بل عليه أن يدفعك للتفكير.

أن تفكر خارج الصندوق يعني المزيدَ من الأسئلة، والمزيدُ منها يعني رحلةً للبحث عن الإجابات، والنتيجة إبداعٌ جديدٌ وتصميمٌ مميَّزٌ ومزيدٌ من الأسئلة.

المصدر:

هنا