البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

البكتيريا المغناطيسيّة وأملٌ جديدٌ لعلاج الأورام

أظهر باحثون مموّلون جزئيّاً من قبل المعهد الوطنيّ للتّصوير الطّبّيّ الحيويّ والهندسة الحيويّة المعروف اختصاراً بـNIBIB أنّ البكتيريا المغناطيسيّة تمثّل وسيلة نقلٍ واعدة لإيصالٍ أكثر فاعليّة للأدوية المحاربة للأورام، وقد نُشرت نتائج البحث في تقرير عدد آب 2016 من مجلةNature .

يعدّ إيصال أدوية العلاج الكيميائيّ بشكل كافٍ إلى الأورام دونَ تعريض الأنسجة السّليمة لآثار الأدوية السّامّة أحد أكبر التّحديات في مجال علاج السّرطان، ومن الوسائل التي اتّبعها الباحثون للتغلّب على هذه المشكلة هي تطوير حوامل نانويّة (وهي جسيمات متناهية في الصّغر محمّلة بالأدوية)، وقد صُمّمت هذه الحوامل النّانويّة بحيث تتلقّاها الخلايا السّرطانيّة وحدها، ممّا يجنّب الأنسجة السّليمة امتصاص الدّواء خلال مروره عبر جهاز الدّوران في الجسم.

ورغم أنّ الحوامل النّانويّة تؤدّي عملاً جيّداً بحمايتها للأنسجة السّليمة، إلا أنّ كمّيّة الدّواء الّتي يتمّ إيصالها إلى الأورام تظلّ قليلة، وذلك بسبب اعتماد الحوامل النّانويّة على جهاز الدّوران في الجسم لكي تصل إلى الورم، وهنا تتم فلترة نسبة كبيرة منها قبل أن تصل إلى هدفها. بالإضافة إلى ذلك، يمنع اختلاف الضّغط بين الورم والنّسيج المحيط به الحوامل النّانويّة من النّفاذ عميقاً داخل الورم، ونتيجةً لذلك لا تتمكّن الحوامل النّانويّة من الوصول إلى مناطق الورم منخفضة الأكسجة، الّتي تعد مناطق حدوث الانقسام الخلويّ النّشط، ومصدر تشكّل الأورام الخبيثة المميّزة بمحتواها المنخفض من الأوكسجين.

وللتّغلّب على هذه العقبة، بينما كان Martel وفريق بحثه يحاولون تطوير حوامل نانويّة روبوتيّة تستطيع الانتقال إلى المناطق منخفضة الأكسجة، لاحظوا أنّ الطّبيعة قد ابتكرت شيئاً كهذا على صورة بكتيريا تدعى Magnetococcus marinus أوMC-1 . تنمو خلاياها وتزدهر في المياه العميقة حيثُ نسبة الأوكسجين ضئيلة جداً، وللبحث عن هذه الأماكن، تعتمد البكتيريا على نظام ملاحةٍ مكوّن من جزأين، يتضمّن الأوّل سلسلةً من البلّورات النّانويّة المغناطيسيّة ضمن الـMC-1 الّتي تعمل كإبرة بوصلة وتوجّه البكتيريا للسّباحة باتّجاه الشّمال عندما تكون في نصف الكرة الأرضيّة الشماليّ، أمّا الجزء الثّاني للبكتيريا فيسهم في كشف التّغيرات في مستويات الأوكسجين. إنّ هذا النّظام الفريد يساعد البكتيريا على الارتحال والبقاء في أماكنَ منخفضة الأوكسجين.

ولاستغلال نظام الملاحة السّابق نظّم فريق البحث عدّة تجارب لتوظيفه في توصيل العلاج إلى الأورام بشكل أكثر فاعليّة.

لقد أجريت التّجربة على النّحو التّالي: تمّ تحضير الفئران، ونُقلت إليها أورام بشريّة من القولون والمستقيم، وقُسّمت إلى ثلاث مجموعات، حُقنت الأولى بخلايا بكتيريّة MC-1 ميّتة، وحُقنت الثّانية بخلايا بكتيريّة حيّة، وكعيّنة شاهدة حُقنت المجموعة الثّالثة بجزيئات مغناطيسيّة صغيرة يتناسب حجمها مع حجم الخلايا البكتيريّة، وكان الحقن في الأنسجة الملاصقة تماماً للورم.

ومن ثمّ عُرّضت الفئران لحقولٍ مغناطيسيّة مبرمجة عبر الحاسوب، تستهدف توجيه الخلايا أو الجزيئات المغناطيسيّة نحو الورم، وعند فحص الأورام، وجد الباحثون اختراقاً بالحدّ الأدنى من قبل البكتيريا الميّتة والجزيئات المغناطيسيّة، بينما وُجدت البكتيريا الحيّة عميقاً ضمن الورم وخاصّةً في المناطق منخفضة الأكسجة منه.

ويضيف المشرف على البحث: "عندما وصلت البكتيريا داخلَ الورم، قمنا بإطفاء الحقل المغناطيسيّ، واعتمدت البكتيريا تلقائياً على نسبة الأوكسجين للوصول إلى المناطق منخفضة الأكسجة، فنحن نقوم بتوجيه البكتيريا إلى الورم وندَعُ الطّبيعة تتولّى بقيّة العمل".

تمثّلت الخطوة التّالية في محاولة معرفة ما إذا كان ربط النّواقل المحمّلة بالدّواء إلى البكتيريا سيؤثّر على حركتها نحو الورم، فقام الباحثون بربط ما يقارب 70 حامل للأدوية بكلّ خليّة بكتيريّة، ثمّ حُقنت في مجموعة أخرى من الفئران لديها أورام قولون ومستقيم وعُرّضت للمغناطيس.

وعند فحص الأورام لدى هذه الفئران قدّر الباحثون أنّ حوالي 55% من الخلايا البكتيريّة المحقونة والمرتبطة بالحوامل قد وصلت إلى الورم. وبالمقارنة فإنّ الحوامل النّانويّة المستخدمة حاليّاً تقوم بتوصيل ما لا يتجاوز 2% فقط من الأدوية إلى الورم.

تُظهر هذه التّجربة إمكانيّة الاستفادة من تعقيد وملائمة الكائنات وحيدة الخليّة كالبكتيريا، واستغلال قدرتها في إيصال الدواء بشكل فاعلٍ ودقيق إلى الورم، وتخفيض الآثار الجانبيّة، إضافةً لإمكانية تطوير علاجاتٍ أكثر فاعليّة.

أمّا الهدف التّالي لفريق Martel فهو تحديد فعاليّة الخلايا البكتيريّة المحمّلة بالأدوية في تخفيض حجم الورم، واختبار إمكان استخدام البكتيريا في إيصال أنواع أخرى من الأدوية القاتلة للسّرطان، كالجزيئات الّتي توجّه الجهاز المناعيّ لمهاجمة الورم أيضاً.

إضافةً لذلك يعمل الفريق على توسيع أنواع الأورام الّتي يمكن استخدام البكتيريا فيها، وفي الوقت الحالي تحقن البكتيريا في مكان قريب جدّاً من الورم لأنّه إنْ حقنت في الشّريان، فإنّ التّدفّق الدّمويّ الكبير والمسافة الواجب قطعها، سيؤثّران على عدد البكتيريا التي تصل إلى الورم، وهذا بالطّبع يحدّ من وصول الدّواء إلى السّرطانات الّتي من السّهل الوصول إليها كسرطان القولون والمستقيم والبروستات، وسرطان الثّدي أيضاً.

على العموم لقد أظهر فريق Martel أنّه من الممكن في الحيوانات نقل البكتيريا عبر الشّرايين، وبشكل قريب بما فيه الكفاية من الورم، عبر وضعها أوّلاً ضمن كبسولات مغناطيسيّة، وتسييرها عبر الحقل المغناطيسيّ لماسح MRI، و تحرير هذه البكتيريا بعد ذلك من الحوامل (كالطّوربيدات من الغوّاصة) عندما تصبح قريبة من الورم.

قد يفتح هذا الطريق متعدّد المراحل الباب لاستخدام البكتيريا لتوصيل الأدوية إلى الأورام بشكل أعمق ضمن الجسم.

ويختم :Martel "إنّ نتائج الاختبار التّمهيدية للبكتيريا في الفئران والجرذان تفيد بأنّ البكتيريا تموت خلال 30 دقيقة من حقنها، ما يجعلها آمنة للاستخدام البشريّ، إضافةً إلى أنّ هذه البكتيريا، هي بالفعل الآلة المناسبة للعلاج، فهي تتكاثر بسهولة، وهذا يجعلها رخيصة الثّمن، ويمكننا حقن مئات الملايين أو أكثر منها في كلّ مرة."

المصدر: هنا