الفيزياء والفلك > فيزياء

عُلماءٌ يكتشفون طورًا جديدً من أطوار الماء

استمع على ساوندكلاود 🎧

كلّما تعلَّمنا المزيدَ عن عالمنا كلّما فاجأنا بقلّة الأمور التي نعرفها عنه فعلًا، فها هو الماء، سر الحياة على الأرض ورمز استمرارها؛ والذي يُغطّي معظم مساحة كوكبنا، إضافةً إلى كونهُ يُشكّل نسبة 60% من أجسامنا، والموجود حتى في الهواء الذي نتنفسهُ، إلا أننا لم نتمكّن من فهم هذا المركّب الجوهريّ بشكلٍ كاملٍ حتى الآن.

يُعدُّ الماء مركبًا مثيرًا للاهتمام للعديد من الأسباب؛ فهو أحد المواد القليلة التي تطفو وهي في حالتها الصلبة (الثلج) على حالتها السائلة (الماء السائل)، وعلى عكس مُعظم المواد فهو يتمدّد (يزداد حجمه) عندما يتجمّد. وفي حين تزداد درجة غليان المواد كلما ازدادت كتلتها الجزيئيّة، نجد أنّ درجة غليان الماء مرتفعة بشكلٍ مفاجئٍ بالرغم من كتلته الجزيئية المنخفضة.

هل تبدو تلك الخصائص غريبةً لكَ؟ حسنًا، ستزداد الأمور غرابةً تباعًا، ففي دراسة حديثة نُشرت تفاصيلها في مجلة "International Journal of Nanotechnology"، لاحظ علماء الفيزياء أنّ الماء السائل يكتسب مجموعة جديدةً تمامًا من الخصائص عندما تصل درجة حرارته إلى (40 – 60) درجة مئوية، حيث يدخل مرحلةً "انتقاليّة" يمكن اعتبارها حالة سائلة ثانية.

تحرَّت مجموعةٌ بحثيّةٌ بقيادة عالمة الفيزياء لورا مايسترو Laura Maestro من جامعة أوكسفورد، تلك الخصائص الفريدة للحالة السائلة الثانية للماء. إذ درست المجموعة كيف تتغيّر بعض الخواص مثل التوصيل الحراريّ ومعامل الانكسار والموصّلية الكهربائية والتوتر السطحيّ وثابت العزل الكهربائي مع تغيير درجة حرارة الماء. لاحظ العلماء أنّ كلّ خاصيّة من هذه الخصائص بدأت بالانتقال إلى هذه الحالة السائلة الثانية عند درجات حرارة مختلفة وواقعة في المجال بين (40 – 60) درجة مئوية، على سبيل المثال تغير توتر الماء السطحيّ عند ارتفاع درجة حرارة الماء فوق 57 درجة مئوية عما كان عليه في درجات الحرارة الأقلّ منها.

غموض الكون:

ما الذي قد يعنيه اكتشاف كهذا للكون من حولنا؟ كما ذكرنا يحيطُ الماء بنا من كلّ جهة، ولكنهُ مركّبٌ غير اعتياديّ مقارنةً بباقي المواد الموجودة في الطبيعة. فهل تُعزى هذه الخصائص الفريدة للماء إلى وجود حالة سائلة ثانية له؟ وإذا كان للماء الذي يشكل ثلثي أجسامنا حالتان سائلتان، فهل يكون لهاتين الحالتين السائلتين تأثير على أنظمتنا الحيويّة طوال الوقت ودون أن نشعر.

هل تؤثِّر هذه التغيُّرات البنيويّة في الماء على البروتينات التي تعتبر الوحدات البنائيّة الأساسية للخلايا الحيّة؟ وكيف تقوم بذلك، في حال كانت الإجابة نعم؟

يعتبرُ هذا السؤالُ أحدَ أهمِّ الأسئلة الكثيرة التي طرحتها هذه الدراسة على مستوى الأنظمة الحيويّة والنانويّة. وفي الوقت الحاليّ، يجب إجراء المزيد من الدراسات المستقلة قبل التوصل إلى أيّ استنتاجات يمكن البناء عليها. وهنا ستظهر لنا حقيقة طالما اعتدنا مواجهتها في أبحاثنا واكتشافاتنا، أننا كلّما حاولنا الغوص عميقًا في غموض هذا الكون سنواجه أسئلةً جديدةً بعدد الأجوبة التي نجدها.

المصدر: هنا